متابعات

الشتاء يعيد «الكشتة» للأنشطة السياحية

البلاد ـ مها العواوده

يطل الشتاء سنويا بوجهه البارد ، ليستحضر الشباب لوازم (الكشتات)، معلنين الهرب من صخب المدينة إلى الصحراء أو سواحل البحار الدافئة باحثين عن ألفة الأصدقاء وجمال الطبيعة.

بل إن نسمات الشتاء الباردة أصبحت هي المحفز الأول لانطلاق الشباب نحو البر أو البحر، في رحلات يبتعدون فيها عن كتل الأسمنت والوجبات السريعة وتحضر فيها الخيمة بكل بساطتها وأبعادها الوجدانية في ذاكرة الأجيال، كما أن (شبة النار) و(المنقل) وأكوام الحطب وإبريق الشاي كفيلة بتحويل البرد في الكشتات البرية إلى دفء تعانقه حرارة (السوالف) وتترك الكثير من الذكريات الجميلة المرتبطة بتلك الرحلات البرية.

مع اطلالة موسم الشتاء فإن بوصلة عشاق الحياة البرية تبدأ في البحث عن مواقع التخيم ( الكشتات ) ويأتي ذلك مع العمل على تفعيل الاجراءات الاحترازية خصوصا وأن المخيمات والأروقة الشتوية بأشكالها المتنوعة تستهوي الشباب والعوائل على امتداد المساحات الشاسعة في المناطق البرية في المملكة ؛ فمع اعتدال الأجواء وبرودة طقس الشتاء؛ يجد الأهالي متنفساً طبيعياً لقضاء أوقات ممتعة وسط البراري والمتنزهات المتفرقة حيث تتنوع المخيمات البرية التي تجذب الشباب في جودتها وقوتها وزركشتها وألوانها ونسيج الخيوط المستعملة في صناعتها، حيث تتفاوت رغبة العديد في شراء واستعمال المخيمات سواء الصغيرة والمتوسطة والكبيرة التي تكون مساحتها 300 متر مربع أو أقل، والمفصلة بأروقتها المتعددة وتصميمها وتجهيزها من ناحية المطبخ ودورات المياه، وموقد النار الرئيس الذي يلتف حوله شباب المخيم، والمصمم بطريقة تبرز حوافه إبريق الشاي ودلال القهوة.


تنوع الطبيعة
في هذا السياق أوضح المستشار في السياحة والترفيه محمد بن عبدالله العمري أن ما يميز مناخ المملكة العربية السعودية هذه الأيام الشتوية هو تنوع الطبيعة من موقع لآخر والتي تتراوح ما بين المناخات المعتدلة والربيعية والشتوية إضافة إلى وجود طبيعة متنوعة وأهمها الطبيعة البرية والصحراوية وما يصاحبها من تنامي ثقافة المخيمات البيئية وقناعة بعض الامانات وفروع وزارة البيئة والمياه والزراعة باهميتها ووجودها خاصة وأن بعض أفراد المجتمع اصبحوا ينصبون مخيماتهم حسب اهوائهم وخبراتهم ويوفرون لها الماء والكهرباء من خلال مولدات كهربائية الامر الذي دفع بعض الأمانات وفروع الزراعة والبيئة والمياه بتقنين ذلك من خلال تأجير وتنظيم المواقع ووضع الاشتراطات حيث تميزت منطقة القصيم في هذا الجانب إضافة إلى إقامة بعض المهرجانات المصاحبة.

وبحكم عمله السابق في هيئة السياحة يرى العمري أهمية تخصيص الأمانات مواقع للمخيمات والخروج من اطار المخيمات غير المنظمة المنتشرة بين مكة وجدة. ويرى أن أفضل مواقع التخييم والكشتات هي تلك المواقع التي تكون بالقرب من المناطق الصحراوية منوها إلى دور القطاع الخاص المتمثل في توفير المخيمات ومعداتها بسهولة.


تجهيز المواقع
من جانبه قال سفر العتيبي المشرف العام على وكالة سياحية إن شتاء السعودية يمتاز بالجمال والاجواء الرائعة، حيث تبدأ الأسر والعوائل وكذلك الشباب، بتجهيز ما يحلو لهم من مخيمات برية، بكافة تجهيزاتها، ويمتد ذلك خلال فصل الشتاء، في ربوع بلادنا الحبيبة ومن هذا المنطلق عملت وزارة السياحة من خلال المستثمرين على تجهيز بعض المواقع السياحية في العلا وغيرها من المدن السياحية، وكذلك قامت الهيئة العام للترفيه، بالتعاون مع المستثمرين بتجهيز منتجعات برية شمال الرياض، والذي سيكون نقله نوعية في الاستثمار في هذا الجانب الحيوي والواعد.

لافتا إلى ان أمانات المناطق تعمل بإتاحة الفرصة للافراد والمستثمرين بالعمل على ذلك من خلال وجود تنظيم للمخيمات والمنتجعات البرية، والتي تحرص الأسر السعودية على الاستفادة منها لانها جزء من الموروث المحلي.

وتابع: كما قامت المملكة العربية السعودية بتنظيم عدد من الفعاليات والمهرجانات في أماكن برية، مثل مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل وذلك لاتاحة الفرصة للاستفادة من المناطق البرية الشاسعة، وتحويلها لمخيمات برية، كما يوجد فندق مخصص للمهرجان في قلب صحراء الرياض، كل هذا لزيادة الفرص أمام السائح، وعدم اقتصار وجهته إلى المدن والسواحل”.


أسعار المخيمات
ودخل أصحاب المحلات مع بدء موسم الشتاء؛ في سباق كبير على مختلف شبكات وسائل التواصل الاجتماعي، للترويج والإعلان عن المخيمات من ناحية أنواعها وأسعارها ومساحاتها، التي تستقطب هواة التخييم، والرحلات البرية، الذي تتراوح أسعارها ما بين 300 ريال و 2500 ريال لليوم الواحد، إذ تنتعش في هذه الفترة سوق الخيام، التي تستمر حتى شهر مارس المقبل.

سوق اقتصادية
ويجد بائعو المخيمات البرية ولوازمها أن موسم الشتاء سوقا اقتصاديا لبيع وتأجير المخيمات؛ نتيجة للإقبال الكبير عليها من مختلف الأعمار، حيث ينتظره تجار الخيام كل موسم، ويعزون هذه الحركة النشطة في هذا الجانب إلى بحث الشباب والعوائل عن الهدوء والراحة والسكينة والطمأنينة في وسط (البرية)، بعيداً عن صخب الحياة اليومية وضجيج العمران، ومما يضفيه الشتاء من أجواء جميلة، مع هطول الأمطار.

ويقول صاحب أحد محلات بيع وتأجير المخيمات هناك إقبال على المخيمات من الشباب والعوائل، خصوصاً أيام الجمعة والسبت، حيث يصل تأجير المخيمات بحسب حجم الخيمة سواء كانت عموداً أو أكثر خلال هذين اليومين إلى 1300 ريال أو أكثر، وعادة تكون مزودة بخزانات المياه ومواطير الكهرباء والسجاد، إضافة إلى أن البعض يطلب مخيمات جاهزة تكون فيها ألعاب للأطفال والمطبخ ودورة مياه، مشيرا أن البعض يهتم بألوان المخيم الداخلي والشكل، ونظافته، مبيناً أن في الأيام العادية يصل المخيم إلى 700 ريال، مؤكداً أن الأسعار تتفاوت بحسب الخدمات المزودة والمساحة المطلوبة.


سكينة النفس
جلسات السمر تستمر وسط (البرية) يتوسطها لهيب النار “شبة الضو”، لتعطي الدفء لتلك الجلسات، ومعها أيضا تمنح النفس سكينتها وهدوءها، تبدأ أوقات رحلات التخييم أو ما يتعارف عليه بـــ (الكشتة) في المساء، وتستمر لمدة ليلة أو اثنتين ، فيما يتقاسم المشاركون المسؤولية بينهم في الإعداد والتجهيز لها، فأحدهم يتكفل بإحضار أدوات الطهي لتحضير طبق الكبسة بالطريقة التقليدية المطهية على الحطب، وآخر بمستلزمات الشاي المُعدّ على الجمر، فلا يوجد غاز أو غيره، مما يضفي على الجلسة طابع البساطة أو كما يقال “بساطاً أحمدياً”.وتكمن متعة رحلات التخييم في كونها تمنح أوقاتاً للهدوء والراحة بعيدا عن صخب المدينة وضجيجها، فضلا عن ازدحام الطرق بالمركبات، كما أنها تساعد على صفاء الذهن وتأمل الطبيعة.

ألعاب شعبية
ويقضي المشاركون في الكشتات ليلهم الطويل بممارسة الألعاب الشعبية وبعض الهوايات، مع الاحترازات الوقائية إذ تمثل الألعاب وسيلة الترفية الأولى للأسر أو الأصدقاء في مساءات البر، يسهرون فيها على تبادل الألغاز والتنافس في أجواء مرحة تكسر روتين ورتابة الحياة على بعض الألعاب الشعبية مثل ” الضومنة والبلوت والكيرم “، والألعاب التقنية الجديدة، إلى جانب ركوب الدراجات النارية (الدبابات).

كما تمتاز الكشتات بالمواقف الطريفة العالقة في الذاكرة، بدءا من أوقات إعداد الوجبة الرئيسية ومرورا بأوقات الترفيه وانتهاء بـ (المقالب) العفوية واللطيفة بهدف رسم الابتسامة، هذه الطقوس الشتوية أسهمت هي الأخرى في فتح نافذة أعمال موسمية لقطاعات اقتصادية متعددة، من بينها محال بيع الفرو والمعاطف، وكذلك محال بيع أدوات التخييم، حيث تزدهر مبيعاتها بشكل لافت خلال الموسم، حيث تتنافس على استغلال الأجواء الباردة لترويج بضائعها بين هواة رحلات البر.

شواطئ ومناطق برية

عبد الله بن محمد الزهراني عضو اللجنة الوطنية للسياحة والفعاليات والترفية بالمملكة اشار إلى أن التخييم في الشتاء عادة تتكرر كل عام في جميع مناطق المملكة من محبي الكشتات والرحلات وتكون في الشتاء البارد جداً حيث يعوض الدفئ بشبة النار والحركة في عمل الطبخات وكذلك مغامرات السفاري.
ويرى أن أفضل تلك المواقع منطقة تبوك تحديداً نيوم حيث تنزل الثلوج على جبال اللوز ومنطقة علقان والظهر وكذلك الخروج للتخييم في بعض المناطق البرية التي تمتاز بنعومة رمالها وتكتلات جبالها الصخرية ذات اشكال عجيبة في عدة مناطق شمالية وكذلك منطقة العلا، وهناك من هواة الكشتات بالمناطق الجنوبية من الطائف حتى ابها مروراً بالباحة وعادة يفضلون التخييم وسط الغابات وفي سفوح الاودية بجوار جريان المياه وهناك من يفضل المناطق الساحلية على الشواطئ والتخييم لممارسة صيد الاسماك والاستمتاع بالطبخ واللعب على الشاطئ.
مؤكدا أن المملكة تحتضن جميع مقومات التخييم بجميع المناطق ولها روادها ومحبيها من الشباب ولديهم الفكر في اختيار المكان والوقت المناسب وكذلك التواصل مع الطقس واختيار موقع التخييم من الجهات التي توجههم التوجيه الصحيح بعيداً عن مخاطر تغيرات الاجواء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *