البلاد ـ مها العواوده
تواصل هيئة التراث مشاريع المسح والتنقيب الأثري في مختلف مناطق المملكة بالشراكة مع بعثات دولية من جامعات ومراكز بحثية عالمية متخصصة، كما تؤكد الهيئة أهمية مشاركة أقسام وكليات الآثار في الجامعات السعودية في عمليات المسح والتنقيب مع البعثات الدولية في اكتشاف الآثار في مختلف المناطق السعودية والمساهمة في كتابة التاريخ الحضاري للمملكة.
ويحتل المسح والتنقيب الأثري أولوية لدى هيئة التراث، باعتباره وسيلة علمية ضرورية لاكتشاف الآثار التي تزخر بها المملكة التي يعود أكثرها إلى حقب تاريخية موغلة في القدم ومرتبطة ببدايات الحضارة الإنسانية.
وتهدف “هيئة التراث” من استمرار مشاريع المسح والتنقيب الأثري إلى رفع مستوى الاكتشافات الأثرية في المملكة كماً ونوعاً، وتوفير مسارات بحثية رصينة تسمح بمشاركة الكوادر السعودية المتخصصة في الآثار، وتحفز أقسام الآثار في الجامعات السعودية لإشراك طلاّبها وباحثيها في بعثات دولية يتمتع أفرادها بخبرات كبيرة في مجال التنقيب الأثري.
وشهدت المملكة في الفترة التي سبقت الجائحة مشاركة أكثر من 40 بعثة دولية ومحلية في التنقيب عن الآثار في مختلف مناطق المملكة وقدمت نتائج مهمة عن تاريخ الاستيطان البشري في أراضي شبه الجزيرة العربية، نُشرت في عدد من أوعية النشر العلمي مثل حولية الآثار السعودية “أطلال”، بالإضافة إلى عدد من الكتب الأثرية المتخصصة، والمنصّات الرقمية.
كنوز أثرية
وفي هذا السياق أوضح المستشار في قطاع السياحة والترفيه محمد بن عبدالله العمري أن جميع مناطق المملكة تتميز وتحتوي على مواقع وكنوز أثرية تتفاوت أعدادها وأنواعها من منطقة لأخرى ليس بأعداد المواقع فقط وإنما بقوة تاريخية لبعض ما يسمى بالتراث اللامادي والتراث الحضاري والتاريخي والطرق التاريخية المهمة جداً ومنها على سبيل المثال لا الحصر طريق الهجرة طرق التجارة المختلفة ، طريق الحرير ، درب الفيل ، طريق زبيده ، الطرق التاريخيه قبل الهجرة ، الأسواق التاريخيه مثل سوق عكاظ وذي مجنة مؤكدا أن قطاع الآثار في هيئة التراث بذلوا جهود ممتازة منذ كان اشراف الهيئةًالعامة للسياحة والتراث الوطني على قطاع الآثار والآن وزارة الثقافة.
الجذب السياحي
وحول ادماج طلاب كليات الآثار في بعثات التنقيب السعودية في مناطق المملكة يري العمري ضرورة وأهمية دمج الطلاب بشكل عام وخاصة في المرحلة الابتدائية والمتوسطة لغرس مفهوم أهمية الآثار والمواقع الأثرية والتاريخية في أذهانهم ، أما طلاب كليات الآثار فيعتقد أنه من البديهي توجد لديهم مقررات نظرية وتطبيقيه.
لافتا في الوقت ذاته إلى أهمية الترويج للمناطق والمواقع الأثرية في برامج الجذب السياحي مضيفا “ولكن لابد أن نعترف أن معظم بل أغلبية المواقع الأثرية تنقصها بنية تحتية وخدمات أساسية من طرق موصلة إلى تلك المواقع وكذلك توفير خدمات في تلك المواقع ولعلي هنا استثني بعض المواقع مثل موقع الرجاحيل الأثري بالجوف وموقع الاخدود في نجران وعدد محدود آخر. داعيا إلى المساعدة في تطوير وتهيئة تلك المواقع للسياح وتوفير مراكز استعلامات وخدمات دورات مياه وطرق ومراكز ترفيهية.
منصات التواصل
من جانبها قالت المرشدة السياحية ندى البليهي إن معظم مناطق المملكة العربية السعودية تحتوي على كنوز من الآثار حيث لا زال التنقيب جارياً في بعض المناطق. كما أشارت إلى أنه يستعان بطلاب من جامعة الملك سعود تحديداً لتدريب طلاب قسم الآثار على مناهج المسح والتنقيب الأثري، تمهيداً لتخريج جيل جديد من المنقبين عن الآثار من أبناء المملكة العربية السعودية.
وحول الترويج لمناطق الآثار أكدت أن المعارض الخارجية واحدة من أهم وسائل تنشيط السياحة والتى من شأنها الترويج للآثار، وتابعت “على سبيل المثال إنتاج 100 مستنسخ لقطع أثرية من حقب مختلفة وعرضها فى الخارج لجذب السائحين ، هذا بالإضافة للاعتماد على السياحة الثقافية من خلال الاعتماد على مرشدين سياحيين لديهم ثقافة أثرية عالية ويجيدون أكثر من لغة وتوزيعهم فى أكثر من دولة حتى لفترات زمنية قصيرة”.
كما أشارت إلى الدور الفعال لمنصات التواصل الاجتماعي، وكذلك الإعلام بمختلف مجالاته عند اكتشاف عن أي كنز أثري جديد، كما يحدث الآن من قبل وزارة الثقافة في اكتشاف ماهو جديد في علم الآثار بالمملكة.
حصر الآثار
من ناحية اخرى حرصت وزارة الثقافة ممثلة في هيئة التراث، على العناية بكافة مكونات الثقافة في واحد من مساراتها عبر حصر الآثار، ومباني التراث العمراني في عموم مناطق المملكة، وتوثيقها ميدانياً ورقمياً، وبناء على المادة الثامنة من نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني وضعت هيئة التراث سجلاً يحمل اسم “سجل الآثار”، يتكفل بحصر جميع الآثار، ويشتمل على ثلاثة عناصر: الآثار الثابتة والمنقولة، والمواقع التاريخية، ومواقع التراث الشعبي.
وينطلق مشروع “سجل الآثار” من رؤية تهدف إلى حصر وتوثيق وتسجيل جميع مواقع التراث الثقافي “المواقع الأثرية والتراثية”، والمعالم التاريخية في سجل رقمي مزود بقواعد بيانات، وخرائط أثرية رقمية وأرشيف للرسومات والصور والتقارير، من أجل إتاحة المعلومات بكل يسر وسهولة وفق صلاحيات محددة، وبناء حلول تطبيقية لإدارة أعمال القطاع، وتوفير المعلومات للمساندة في اتخاذ القرار، وتكوين أرشيف يتضمن صور ووثائق لمواقع التراث الثقافي، وحفظ وتوثيق الأعمال التي تجري على المواقع التراثية ضمن قاعدة البيانات الرقمية، إضافة إلى بناء قاعدة بيانات مكانية شاملة ومتكاملة لمواقع التراث الثقافي، وأخيراً توثيق مواقع التراث الثقافي على خرائط رقمية لتسهيل مهمة إدارتها، والمحافظة عليها والعمل على حمايتها.
تجربة عملية
ولتحويل مشروع “سجل الآثار” إلى تجربة عملية وواقعية، اختارت هيئة التراث العمل وفق مرحلتين، الأولى تختص بتحديد مصادر البيانات، التي تشمل ثمانية عناصر، وهي: الأبحاث والدراسات الأثرية، حولية أطلال، قاعدة بيانات مركز الأبحاث والتنقيبات الأثرية، أرشيف قطاع الآثار والمتاحف سابقاً (هيئة التراث حالياً)، وتقارير معاينة المواقع التي يعدها المختصون، والاكتشافات الأثرية، والمسح الإلكتروني، والمسوحات الأثرية. الثانية: مرحلة فرز وتصنيف هذه البيانات إلى عشرة أنواع، وهي: معلومات التعديات الأثرية، معلومات موقع تراث ثقافي، معلومات التنقيبات الأثرية، معلومات مشاريع المسح الأثري، معلومات المتاحف، معلومات المعاينة، معلومات الاتجار بالتراث، معلومات مكاتب الآثار، معلومات المشاريع والصيانة، معلومات الدراسات الأثرية.
في حين أن الحاجة لاعتماد “سجل الآثار” تتأكد من خلال النظر إلى نتائجه، ومعاينة مخرجاته وعوائده والمتمثلة في: الحصول على قوائم وجداول إحصائية عن كل ما يتعلق بالمواقع الأثرية والتاريخية، وكذلك الوصول إلى تقارير متنوعة عنها، وإنتاج خرائط رقمية لها، وتوفير معلومات تفصيلية شاملة عن هذه المواقع. والتي ستكون متاحة ومساعدة لعدد من الجهات المعنية بحفظ الآثار والمواقع التاريخية في المملكة، بداية بإدارات هيئة التراث، والجامعات والكليات، والبعثات العلمية والباحثين، والوزارات والهيئات الحكومية، وشركات ومؤسسات القطاع الخاص.وتمخضت جهود هيئة التراث في “السجل الوطني للآثار” عن مجموعة من الإحصائيات التي تؤكّد ما تزخر به المملكة من مواقع أثرية تاريخية.
وتؤسس وزارة الثقافة ممثلة في هيئة التراث لمرحلة من العناية والمحافظة على الآثار عبر خطوات مدروسة وعمل ممنهج واحترافي، بحيث يكون “سجل الآثار” مصدراً للمعلومات، ومقصداً لتوفير البيانات عن الآثار والمواقع المسجلة، وجهة توثيقية وتثقيفية في الوقت نفسه، بما يتيح زيادة فرص الاهتمام بتاريخ المملكة ومكوناتها، ويحفّز على استثمار المعلومات والمواقع في صناعة الصورة الذهنية عند المجتمع المحلي والدولي، كذلك أداة ربط ورابطة بين الإنسان والمكان، وبين الماضي والحاضر.
ملتقى الحضارات الانسانية
أكد أمين لجنة التنمية السياحية بمحافظة شقراء نايف المطيري اهتمام الحكومة الرشيدة بالمواقع الأثرية والتاريخية حيث تولي التراث والمواقع التراثية اهتماما بالغاً لوجود عدد كبير من المواقع الأثرية المنتشرة في ارجاء البلاد والبعض منها ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو لأهميتها الأثرية وقيمتها التاريخية والتي كان لها شأن كبير في الحضارة الإنسانية في ضوء الأهمية التاريخية والثقافية والهندسية والمعمارية والدفاعية وجميعها وجدت وبرزت من احتياج الإنسان وهي دلالة على امتداد البلاد في جذور التاريخ كملتقى للحضارات الإنسانية.
وتابع: “الشواهد على اهتمام حكومتنا الرشيدة في التراث رؤية المملكة “2030” والتي تهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة ودعمها المتواصل لكافة الجهود الدولية لحماية التراث العالمي وكذلك فوز المملكة بعضوية لجنة التراث العالمي فضلا عن دعم قطاع السياحة من أجل أن تكون المملكة من أكبر خمس دول سياحية في العالم.
بدأ مشروع التنقيب الأثري بموقع “زُبَالا”
أعلنت هيئة التراث عن تنفيذ أعمال مشروع التنقيب الأثري في موقع “زُبَالا” جنوب محافظة رفحاء بمنطقة الحدود الشمالية، ضمن أعمال ومشاريع التنقيب الأثري التي تنفذها الهيئة في مناطق المملكة. ويعد مشروع التنقيب الأول على إحدى محطات درب زبيدة التاريخي بعد إعلان صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة التراث، اهتمام الهيئة بالدرب ثقافيا وتراثيا، حيث جاء إطلاق “برنامج درب زبيدة” في شهر رمضان الماضي ويتضمن في مساراته الدراسات والأبحاث والنشر العلمي ،إلى جانب العمل على إطلاق مشاريع أخرى جديدة للتنقيب على الدرب ضمن هذا المسار.
وحظيت “زُبَالا” بذكر وافر في المصادر التاريخية لكونها ملتقى للقوافل التجارية والحجاج بوصفها إحدى المحطات الرئيسة على طريق الحج الكوفي المعروف بدرب زبيدة، ووصلت إلى أوج شهرتها وازدهارها خلال العصر العباسي، وقد أوردت المصادر العربية المبكرة بعض مظاهر الحضارة بها مثل احتوائها على أسواق متنوعة وحصن لحماية المدينة ومسجد جامع.
وكان موقع “زُبَالا” قد خضع لتنقيباتٍ أثرية منذ عام 2015م، حيث كشف الفريق خلال أعمال الحفر الأثري عن نتائج متعددة، من ضمنها مسجد مستطيل الشكل، كما تم العثور على عدد من القطع واللقى الأثرية؛ المكونة من الفخار والخزف والحجر الصابوني وأدوات أخرى دقيقة مصنوعة من المعادن والزجاج تشير طرق صناعتها وزخرفتها إلى إبداعات الحرفيين القدماء، ووجود علاقة تجارية وتفاعل بين “زُبَالا” وما حولها من حواضر العالم الإسلامي. وتهدف هيئة التراث من المشروع إلى الكشف عن ملامح الموقع وتوثيقه والمحافظة عليه، ضمن مسؤولياتها تجاه التراث الثقافي وحمايته والعناية به وإبراز الدور الحضاري للمملكة على مختلف العصور الزمنية والفترات التاريخية.