البلاد – مها العواودة – رانيا الوجيه
يوما بعد الآخر، تبرهن المملكة العربية السعودية على نجاح قراراتها في محاربة جائحة كورونا وانتقالها إلى بر الامان بالتدريج ، حيث أن كافة القرارات التي اتخذتها لاحتواء الجائحة اثمرت مكاسب باهرة ومذهلة تمثلت بإعلان الجهات المسؤولة مؤخرا صدور الموافقة الكريمة على تخفيف الاحترازات الصحية وبهذا الاجراء تدخل المملكة في المرحلة الأخيرة من مواجهة الجائحة بعد أن تمكنت باقتدار من كسب المراحل السابقة بأقل الخسائر ، واتساقا مع هذه الجهود فإن الضرورة تقتضي أن تكون الاجراءات الاحترازية بمثابة أسلوب حياة وثقافة في كافة تفاصيل الحياة اليومية وان تكون عنوانا للسلامة والبعد عن المخاطر.
وفي هذا السياق أكد مختصون أن قرار تخفيف الاحترازات جاء نظرا للتقدم في تحصين المجتمع وهبوط عدد الحالات المصابة الجديدة وتخفيف الضغط على أسرّة العناية الحرجة في المستشفيات، لافتين إلى ضرورة أن يلتزم المجتمع بكافة اطيافه بالاحترازات ويجعل منها اسلوب يومي في حياته في المكاتب والاسواق والمطاعم واماكن الترفيه والملاعب الرياضية ، لافتين في الوقت نفسه إلى ان اجراءات المملكة في احتواء الجائحة يعد نموذجا عالميا مبهرا.
وكيل وزارة الصحة المساعد للصحة الوقائية الدكتور عبد الله عسيري أوضح أن الاحتياطات التنفسية مطلب في كل زمان ومكان.
داعيا إلى أهمية لبس الكمامة الطبية في الأماكن المزدحمة والمغلقة وضرورة غسل اليدين جيدا والاستمرار في التعقيم والتطهير كقاعدة وأسلوب حياة وسلوك ملازم لنا في ظل استمرار وجود الفيروسات وذلك لحماية النفس والغير.
برتوكولات اساسية
من جانبه قال الدكتور وائل باجهموم استشاري الأمراض المعدية ورئيس أقسام الباطنة بمستشفى الملك فهد «ليس بالضرورة ابدا استمرار كل الاحترازات خاصة بعد انتهاء اي وباء فعلى سبيل المثال لسنا بحاجة الى ارتداء الكمامة في الاماكن المفتوحة ذات التهوية الجيدة فيظل عدم وجود وباء او بمعنى آخر انخفاض نسبة انتقال العدوى «.
مؤكدا أن هناك بعض الاحترازات الاساسية والتي تعد من العادات الحميدة حتى في حالة عدم وجود وباء منتشر او حتى في انخفاض نسبة العدوى كعادة غسل الأيدي وهي عادة جيدة تدعو لها كل المنظمات الصحية للمحافظة على المجتمع في كل الأوقات.
كما أوضح أن اختلاف الاحترازات في أحوالها وسهولة تطبيقها وحتى في حالة وجود بعض الفيروسات والميكروبات والتي قد تسبب أمراضا عرضية للبعض فان تطبيقها يعتمد بشكل كبير على سهولتها وإمكانية العمل بها والحاجة إليها مثلا في وجود وباء لمرض معين.
اما في الحالات العامة فان تعايش الانسان بما اتاه الله من مناعة طبيعية يعد كافيا ودائما ندعو الى الوسطية في التعامل في كل الامور الحياتية فلا افراط ولا تفريط ولكل وقت طلباته وحاجاته الملحة للالتزام بالاحترازات المناسبة في حينها.
فليس من المعقول العيش في الخوف غير المبرر وفي المقابل ليس من المبرر ولا المعقول إهمال كل الاحترازات الأساسية (كغسل الايدي) والتي تعد من العادات الصحية الحميدة في كل وقت.
وتابع « المحن والظروف الصعبة كأزمة كورونا تهدي لنا الدروس والعبر والتي تفيدنا صحيا بإذن الله لمواجهة اي خطر في المستقبل».
ويوافقهم الرأي استشاري الأمراض المعدية الدكتور نزار باهبري الذي أكد على أهمية الاستمرار في لبس الكمامة وغسل اليدين والتعقيم كأسلوب حياة وسلوك ملازم لنا في ظل استمرار وجود الفيروسات.
إلغاء التباعد
الشيخ محمد السبر الداعية الإسلامي قال» تتوالى نعم الله على عباده، بالانفراجات المتوالية، والبشائر المتتابعة، فبعد أن شهدت المراحل الأولى خلال عامين مضيا من التعامل مع جائحة كورونا قيودًا على الحركة، وإغلاقًا للكثير من المرافق والمنشآت؛ بدأت مراحل العودة التدريجية للحياة شيئًا فشيئًا، حتى تيسر بفضل الله ومنته التخفيف من الاجراءات وإلغاء التباعد وقدمت المملكة العربية السعودية نتائج مبهرة ونجاحات متميزة في التعامل مع هذه الجائحة بروح الواقع والاحتواء والخروج بأقل الأضرار ما كان مثار إعجاب ومثالا يحتذى في التعامل مع هكذا جائحة، وكلنا أمل في أن تطوى فصول هذه الجائحة بإذن الله ثم بتعاون وتعاضد الجميع».
ويرى مما يتوجب السعي للمحافظة على هذه الانجازات والمكاسب على كافة الصعد، من خلال الالتزام التام بكافة الإجراءات الوقائية التي حددتها الجهات المختصة، وعدم الاستهتار أو التهاون إزاءها، ولنكن عونًا لدولتنا ومؤسساتها في تحقيق ذلك.
ولأهمية التوعية، ونشر المفاهيم الصحيحة في هذا المضمار يرى ضرورة استلهام دروس الجائحة ومنها الطب الوقائي من الأمراض والأوبئة من خلال العزل والحجر الصحي والنظافة والطهارة وتحقيق الأمن الغذائي وغير ذلك، للأدلة القرآنية والنبوية والقواعد الشرعية التي توجب على المسلم المحافظة على النفس، وعدم الإضرار بها، كما قال تعالى: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.
والوقاية من الأمراض المعدية بالعزل والحجر وعدم المخالطة، هديٌ نبوي قال : «لا يُورِدَنَّ مُمرضٌ على مُصحٍّ»، بل تعدت عناية الشرع الحنيف في هذا الباب حتى شمل منع إيذاء الآخر ولو برائحة مؤذية، فقال النبي : «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ »رواه البخاري ومسلم.
حماية المجتمع
وأضاف الشيخ السبر «لقد سعت الدولة – وفقها الله – منذ اليوم الأول إلى مكافحة الوباء وحماية المجتمع منه، وتعزيز الوعي المجتمعي للالتزام بالإجراءات الاحترازية، كما سنت الأنظمة الحازمة لمنع الإخلال بذلك، وخاضت الدولة، معركة شاملة ضد هذا الوباء، وأبلى جنودها بلاء حسنًا، سواء جنود الخط الأمامي من أطباء وممرضين ورجال شرطة ومتطوعين وغيرهم، أو عامة الأفراد من مواطنين ومقيمين، الذين ساهموا في إنجاح هذه الجهود بالتزامهم بالإجراءات الوقائية.
فللعاملين في المجال الطبي والأمني أجزل الشكر وأعطره، على ما يبذلونه من جهود حثيثة ومتواصلة في قيادة سفينة المجتمع لتخطي الأزمة بأقل الأضرار، بل بإنجازات نوعية متوالية».
كما أشار إلى أن الدور المجتمعي الامتثال للنظام في مناحي الحياة واستشعار أهمية مسؤولية الجميع في الحفاظ على أنفسهم وأسرهم والالتزام بالفحوص الطبية والتطعيمات والأدوية.
ومحافظة الجميع على إجراءات السلامة لبنة أساسية لإنجاح جهود الدولة في التصدي للوباء، وهو قبل ذلك واجبٌ شرعيٌ فهم في طاعة لله تعالى، وطاعة لولي الأمر، ويساهمون في حفظ ضرورة من ضروريات الإسلام الكبرى، وهي حفظ الأنفس، وصيانتها من الهلاك.
عقوبات وغرامات
ويرى من وجهة نظره دكتور هاني الحضرمي استشاري وأستاذ مشارك للتشخيص الجزيئي بجامعة الملك عبدالعزيز: أرى من خلال ما نشاهده في سلوكيات افراد المجتمع أنها قد اعتادت على الالتزام بالإجراءات الاحترازية ، ولكن بعد اعلان وزارة الداخلية بتخفيف تلك الاحترازات أتوقع أن نسبة كبيرة من المجتمع ستتهاون بالالتزام ومن الصعب عليهم أن يتعايشوا مع تلك الاحترازات وأن يلتزموا بها بشكل كبير ، ولذلك لابد من تسنين عقوبات وغرامات لمن سيتهاون بشروط تخفيف تلك الاحترازات واستمرار ارتداء الكمامة والتباعد في الأماكن المغلقة، ومن جانب اخر نجد أن موضوع استخدام المعقمات قل استخدامها بين افراد المجتمع من قبل أن يصدر قرار تخفيف الإجراءات.
النظافة الشخصية
من جهته أوضح الدكتور اسماعيل محمد التركستاني استشاري العدوى والمناعة مستشفى التأهيل الطبي بالمدينة المنورة.
نعم، أدركنا من خلال الفترة الصعبة التي مرت بها المجتمعات البشرية وهي فترة الجائحة الكونية ان الاهتمام بالنظافة الشخصية للفرد هام جدا في حماية الفرد نفسه وحماية المجتمع من انتقال الأمراض التنفسية في تلك المجتمعات بصورة عامة وبين الأفراد بصورة خاصة.
لقد شاهد الجميع، ان المرض يمكن أن ينتشر وينتقل من فرد الي اخر وذلك بتجاهل بعض الأمور البسيطة التي تتعلق بالنظافة الشخصية مثل استخدام المناديل الورقية عند العطاس او الكحة او غسيل الأيدي عند ملامسة الأسطح المكشوفة.
ثقافة المجتمع بصورة عامة وثقافة الفرد بصورة خاصة بتطبيق بعض العادات الفردية البسيطة التي يمكن من خلال ممارستها ان تساهم بشكل كبير في حمايتنا بإذن الله من الكثير من الأمراض التي يمكن أن تنتقل وذلك نتيجة الإهمال في تطبيق بعض الثقافات البسيطة في المجتمعات وبين الأفراد.
تحفيز وحرص
ويحلل من الناحية الاجتماعية الأخصائي الاجتماعي عادل ثقفان موضحا بقوله: كون العادة هي العملية التي من خلالها تصبح السلوكيات تلقائية، ويمكن أن تتشكل العادات دون أن ينوي الشخص اكتسابها، ولكن يمكن أيضًا تنميتها – أو التخلص منها – لتناسب أهداف الفرد الشخصية بشكل أفضل.
يطور الناس عادات لا حصر لها، سواء كانوا على دراية بها أم لا. ويمكن أن تساعد الطبيعة غير المباشرة لهذه السلوكيات الأشخاص على تلبية احتياجاتهم بشكل أكثر كفاءة في الحياة اليومية. فالعادات تُبنى من خلال التعلم والتكرار والتحفيز والحرص..
ويُعتقد أن الشخص يطور عادة ما أثناء السعي لتحقيق الأهداف من خلال البدء في ربط إشارات معينة بالاستجابات السلوكية التي تساعد في تحقيق الهدف.
الفرق بين العادة والروتين
بين العادة والروتين بينما يتضمن الروتين سلوكًا متكررًا، إلا أنه لا يتم إجراؤه بالضرورة استجابةً لدافع متأصل، مثل العادة. قد تغسل سيارتك بشكل روتيني أو تذهب إلى صالة الألعاب الرياضية دون الشعور بالاندفاع للقيام بذلك لأنك تشعر أنك بحاجة إلى القيام بهذه الأشياء. غالبًا ما يكون تطوير العادات الصحية أصعب مما يرغب فيه المرء. ولكن من خلال التكرار، من الممكن تكوين عادات جديدة والحفاظ عليها، وهذا ما حدث نتيجة للاحترازات خلال جائحة كورونا والتي جعلتنا ننتقل من الالتزام بالنظافة والتعقيم لخوفنا من الإصابة إلى عادة حسنة تنعكس على ثقافتنا الصحية والوقاية من الأمراض.