البلاد – مها العواودة، رانيا الوجيه
حماية النزاهة.. مكافحة الفساد، ومحاسبة المفسدين، أهداف تعمل المملكة بحزم لتحقيقها عبر هيئة الرقابة ومكافحة الفساد التي تضرب بقوة كل من تسول له نفسه المساس بالمال العام، وفي هذا الإطار أطلق الديوان العام للمحاسبة، ممثلًا بالمركز السعودي للمراجعة المالية والرقابة على الأداء (تدريب)، بالتعاون مع هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، المرحلة الثانية من مبادرة “المال العام أمانة”، التي تستهدف منسوبي الجهات الحكومية من خلال عقد مجموعة من اللقاءات وورش العمل ينفذها عدد من المختصين والخبراء من الديوان وهيئة الرقابة ومكافحة الفساد في مقار الجهات الحكومية وعلى مدار أشهر متتالية، للتوعية بأهمية المحافظة على المال العام.
وأكد أن المبادرة تأتي لتحسين دور العاملين في القطاع الحكومي للقيام بمهام وأعمال حماية النزاهة ومكافحة الفساد في الأجهزة الحكومية بكفاءة وفاعلية، من خلال تحسين دور المراجعة الداخلية، وتفعيل الرقابة الداخلية، وحوكمة العمليات المالية، وتعزيز النزاهة والشفافية بجميع أشكالها.
وأكد أستاذ القانون الجنائي الدكتور أصيل الجعيد، أن التعرض للمال العام بأي من الجرائم كالاختلاس وغيرها يعد جريمة شنعاء تسرق الفرص والممكنات من الأجيال القادمة، وفي هذا الإطار تعمل الجهات الرقابية بسلاح تطبيق القوانين العقابية التي أصدرها المشرع السعودي وجزء من هذه السياسة الجنائية سياسة وقائية، تتمثل في زيادة الوعي بالممارسات القانونية والمحاسبية لتكون ذات معايير واضحة وأدلة تنظيمية تبين الصلاحيات لكل ذي منصب مسؤول بشكل مباشر أو غير مباشر عن المال العام لهذا انطلقت مبادرة “المال العام أمانة”، الهادفة لتوعية المجتمع بالقوانين العقابية وتحديدا قوانين مكافحة الفساد، وتكريس وتمكين الوعي والإدراك بأهمية الحفاظ على المال العام.
ولفت إلى أن الأجهزة الرقابية كالديوان العام للمحاسبة وهيئة الرقابة ومكافحة الفساد عليها مسؤوليات اجتماعية لا لتنفيذ القانون فقط ومحاسبة المجرمين، بل توعية الجمهور لأن الفساد قبل أن يكون آفة وجريمة فهو ثقافة سلبية لا تزول بسلاح القانون العقابي، إنما بالتوعية بالممارسات العملية وبأهم مؤشر من مؤشرات الحوكمة وهو معيار السلامة المالية. وأضاف “يقدم الديوان العام للمحاسبة وهيئة الرقابة ومكافحة الفساد نموذجا مشرفا للأجهزة الحكومية الأخرى حيث أنهم استرجعوا أموال طائلة مؤخرا من أيادي الفاسدين ولا يفلح الفاسد حيث أتى ولن ينجو فاسد مهما كان”.
من جهته، قال المستشار في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الدكتور محيي الدين الشحيمي: “تعد مؤسسة ديوان المحاسبة من المؤسسات الاستقلالية الرقابية المهمة في رقابته على أداء الأجهزة والوزارات وتحديدا في محورية الرقابة على كافة الإيرادات المالية فهو الجهاز الأعلى للرقابة المالية والجزء الأساسي من الرقابة يكمن في التوعية والشراكة والتعاون قبل استعمال الاليات العقابية الرقابية”، مؤكدا أهمية هذه المبادرة المسؤولة بالوعي والتدريب وتأسيس ورش العمل واستثمار للخبراء والتنفيذيين، والتي تجعل من المال العام ضمير لكل مواطن بإلزامية الحفاظ عليه وحمايته وصونه والعمل بشكل شفافية لتجنب أي قضية من قضايا الفساد والمحسوبية لتعزيز الشفافية من خلال تفعيل الرقابة المحلية وحوكمة العمليات المالية.
ويرى رئيس دار الدراسات الاقتصادية بالرياض دكتور عبدالعزيز إسماعيل داغستاني، أن المال العام ثروة المجتمع، والكل مؤتمن عليه والدولة راعية له، تنظم وتحوكم المحافظة عليه وإنفاقه في الأوجه الشرعية والنظامية، وتضمن عدم المساس به بطرق غير مشروعة، وتقيم الأجهزة الرقابية الداعمة لذلك وتضع ما يضمن الشفافية والوضوح في إنفاقه والنزاهة في صرفه، وهذا هو المبدأ الذي قد لا يسلم من تجاوزات ومخالفات تعمل الأجهزة المختصة على متابعتها ومحاسبة مرتكبيها، وهي في الوقت نفسه تعمل على نشر الوعي بأهمية المال العام والأمانة وتبيان مزالق الخلل وما يشكله من تداعيات مالية واجتماعية وأخلاقية. وتابع “التوعية ضرورية حتى تكون حجة للمحاسبة والعقاب، فالدولة تدعوك للالتزام بالنظام ليكون ذلك حجتها في معاقبة من يخرج عنه، والتركيز على التوعية يساند النظام ويدفع إلى أحقية المحاسبة والمساءلة وأن النظام يسود ولا بد من تطبيقه لتتساوى الحقوق كما تتساوى الواجبات”.
وأشار المحلل الاقتصادي ياسر الخولي، إلى أن إلى القافلة انطلقت نحو رؤية 2030 وترليونات الريالات خصصت لإعادة تعريف الاقتصاد السعودي، وبكل تأكيد هناك نفوس ضعيفة تعمل في ثنايا هذه القافلة تثقل سرعتها وتكدر رحلها، بيد أن الدولة تقف بحزم لاجتثاث المفسدين في كل القطاعات. واستطرد قائلا: “لابد من معالجة مفاهيم عديدة للفساد، فكما حققت مبادرة (المال العام أمانة) النجاح في المرحلة الأولى عبر رفع مستوى الشفافية وتحقيق معدلات عالية في حصار الاستيلاء على المال العام ها نحن نواكب انطلاقة المرحلة الثانية التي ستكون مهمة للغاية لمنع إهدار المال العام”.