في العقدين الأخيرين من القرن الميلادي الماضي، كانت الرعاية الصحية مدعومة بالخبرات الوافدة. مع مرور ما يزيد عن ثلاثة عقود زمنية، شاهدنا ارتفاع اعداد الممارسين الصحيين السعوديين في مختلف المهن الصحية مثل التمريض والاخصائيين في مختلف حقول الرعاية الصحية مثل المختبرات الطبية (الكيمياء الحيوية، المناعة والفيروسات)، الاشعة الطبية والعلاج الطبيعي.
في تلك الفترة الزمنية، التحق عدد كبير من خريجي الكليات الجامعية (ذكور واناث) بمختلف المهن الصحية. أيضا، تبنت وزارة الصحة في تلك الفترة استراتيجيات تأهيلية وتدريبية للارتقاء بمستوى أداء منسوبيها من الممارسين الصحيين وذلك من خلال برامج الابتعاث الخارجي والايفاد الداخلي. كانت نتائج تلك البرامج الاحلال الكبير للخبرات الوافدة من اصحاب الشهادات العليا بالخبرات السعودية اصحاب الشهادات العليا للعمل كاستشاريين في تخصصات المختبرات الطبية، العلاج الطبيعي والاشعة الطبية.
من المعروف والمعتمد (مهنياً) ان فئات عمل الممارس الصحي تنقسم الى ثلاث فئات (اخصائي، اخصائي اول واستشاري) وذلك حسب شهاداتهم الجامعية. الأخصائي هو الممارس الصحي الحاصل على شهادة البكالوريوس الجامعي، ويرتقي بعد ذلك في مسماه الوظيفي حسب حصوله على شهادات جامعية عليا مثل الدكتوراه حيث يصنف مهنيا استشارياً. من المستحيل الانتقال من تصنيف اخصائي الى استشاري الا بالحصول على شهادة الدكتوراه المعتمدة من قبل وزارة التعليم (حسب ما سمعت، قامت الهيئة السعودية للتخصصات الصحية بتغيير هذا التصنيف).
اغلب المؤسسات الصحية (الخاصة) لا تتبنى استراتيجية ابتعاث او ايفاد، المفهوم التشغيلي (الاقتصادي) لتلك المؤسسات يعتمد على تشغيل أصحاب المؤهلات المحدودة (الثانوية، الدبلوم والبكالوريوس)، والتعاقد مع الخبرات الوافدة (أصحاب الشهادات العليا) من الدول العربية المجاورة، وممن احيلوا الى التقاعد (65 عاماً) للعمل كاستشاريين! الان نحن مقبلون على مرحلة الخصخصة، لا ندري ماهي فرصة الممارس الصحي السعودي في الحصول على ابتعاث خارجي؟ هل ستكتفي شركات الرعاية الصحية بالممارس الصحي السعودي الذي أصبح تصنيفه المهني من فئة (فني) في التخصصات المشار اليها؟.
باختصار، حتى وان كان هناك ابتعاث خارجي، فلن يكون الحال كالسابق، وهي الفترة التي أحب ان أطلق عليها (العصر الذهبي) للممارس الصحي السعودي. قد يكون (العصر الذهبي) في مرحلة القصقصة (اسف اقصد الخصخصة) هي للقيادات الصحية! كيف؟ عقود عمل القيادات الصحية ستكون عقوداً ماسية ذات رواتب وميزات مالية عالية ولفترات زمنية طويلة تتجدد باستمرار للقائد الصحي (بعض منهم تراه فقط في المناسبات الصحية). مثالاً على ذلك، الراتب الشهري لقائد صحي يصل الى 120 ألف ريال شهرياً يضاف اليها بدلات مالية اخرى تصل بمجمل الراتب الى أكثر من 180 ألف ريال شهرياً! طبعا، لن تظهر تلك العقود للعلن، العقد يُرسل في ظرف ويعود في نفس الظرف مباشرة بعد توقيعه (خوفا من وسائل التواصل)، للحديث بقية!
استشاري وباحث في الشأن الصحي
drimat2006@hotmail.com