جدة ـ نجود النهدي
أكد مختصون أن دعوة مجلس الشوري لهيئة الغذاء والدواء لتعريب اسماء الادوية عبر انشاء معجم مرجعي باللغة العربية لاسماء الادوية والزام الشركات المصنعة والصيدليات بآليات هذا التعريب، تؤكد اهتمام المجلس بصحة افراد المجتمع لافتين في الوقت نفسه إلى أن تعريب اسماء الادوية في المطلق من الاهمية بمكان لأنه يشعر الانسان العربي بأهمية لغته وتكريسها وانهاء توجهات التغريب.
وعبروا عن شكرهم لمجلس الشورى على اهتمامه بكل ما يخص افراد المجتمع ، لافتين في الوقت نفسه إلى ان توصية تعريب اسماء الادوية دليل على اهتمامه بصحة افراد المجتمع والانحياز للغة العربية . ومؤكدين في الوقت نفسه أن هناك قائمة طويلة من العلماء والخبراء الذين يمكنهم اجراء عملية التعريب.
في البداية تحدثت الأستاذ الدكتور مريم إبراهيم الغبان استاذ النقد والأدب الحديث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة قائلة: تعريب المصطلحات جهد لغوي – ثقافي ، حصوله يترك آثارًا ظاهرة على جميع الأصعدة (الوطنية، والإجتماعية، والقومية)، وبقدر ما يحقق التعريب من مكاسب، فإنه بواجه العديد من الصعوبات والتحديات؛ لأن معظم الأدوية مستوردة، وتحمل أسماءً أجنبية،وعلامات تجارية، لذا يصعب تعريبها.
ثمة رؤية أخرى ترى أن التعريب عملية غير مجدية، وترافقها مصاعب جمة؛ لعل أبرزها أن تغيير أسماء الأدوية يشكل صعوبة بالغة بالنسبة للأطباء والصيادلة، فقد اعتادوا علىأسماء معينة.
من جهة أخرى يمكن أن نقول: تداول الأسماء العربية لا يمنع كتابة الاسم الأجنبي على الدواء، لا سيما أن الدواء له اسم كيمائي، وآخر علمي، إضافة إلى الاسم التجاري، ولعل إلزام الشركات المنتجة بكتابة الأسماء المعربة للأدوية يحد من هيمنة الآخر اقتصاديًا،وطبيًا.
وبغض النظر عن الصعوبات والعقبات التي تواجه عملية التعريب من جهات عدة إقتصاديًا ، ومهنيًا، وعلميًا، ولغويًا، فإن التعريب في حد ذاته يحقق مكاسب عديدة منها: أنه يسهم في بناء الإنسان العربي بناء سويًا، ويعمق وعيه الصحي؛ ويخرجه من حالة العزلة، بسبب نقص كفايات اللغة الانجليزية أو فقدها.
ولعل انتشار الأسماء العربية للأدوية، وتداول الخبرات حولها، يقود إلى صحوة في مجالات صناعة الأدوية، ويودي إلى ظهور حراك معرفي، يعزز القدرة الإنتاجية والإبداعية لدى الأجيال القادمة، لأن أنشطة التعريب المتلاحقة ستؤدي إلى تأسيس بنية معرفية، وثروة لغوية وفيرة من المصطلحات والمسميات العربية، تقودنا إلى تصحيح مسارنا العلمي، ومواكبة التقدم العالمي في مجال الطب وصناعة الدواء.
أيضا التعريب يسهم في تعزيز الوعي الذاتي، وترسيخ الهوية العربية، بسبب انخراط عدد كبير من المواطنين القارئين لما يُكتب باللغة العربية عن الأدوية وآلية صناعتها ومحتوياتها. بعض الأدوية يتم تحضيرها من قبل مبتكرين عرب، فلماذا لا تسجل أسماؤها بالعربية.
وأخيرًا التعريب طريق الكشف والإبداع، وتداول المعرفة باللغة الأم أدعى إلى استيعابها بالنسبة للفرد، وأدعى إلى توطينها على مستوى الأمة، وقد حققت حضارة العرب والمسلمين (سابقًا) انفتاحًا كبيرًا على علوم السابقين، وهذا سببه النشاط البارز لحركة التعريب والترجمة، والتفاعل مع اللغات الأخرى كالفارسية والهندية واليونانية في مجالات طبية مختلفة تتعلق بأسماء الأعشاب والمستحضرات الطبية ونحوها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما المرتكزات النظرية، وما الجهود التطبيقية التي يعتمدها مشروع تعريب أسماء الأدوية؟
ذلك لأن نجاح هذه الجهود سيكون مرهونا بتداولها بين أبناء اللغة في الخطاب المنطوق والمكتوب، والمرجو أن يهتدي هذا المشروع إلى وضع تسميات سلسة، تساعد على حفظ المسميات، ومن ثم استدعاؤها بيسر وسهولة، وأن يراعي حدود الاقتراض اللغوي، وآليات التعديل والتغيير، ويراعي مدى التقارب والإختلاف بين اللغتين.
أيضا ثمة عوامل أخرى يرتهن إليها نجاح هذا النشاط منها: التكرار والألفة والتعود،والأهم من ذلك آلية الصياغة المعتمدة، وما يتم توظيفه من سوابق ولواحق في بدايةالكلمات وآخرها؛ ليسهل تداولها، وتصنيفها في مجالات دلالية مختلفة.
امتحان الزمالة
من جهته يتحدث الدكتور هشام سليمان أبو عودة الأستاذ بكلية الصيدلة بجامعة الملك سعود بالرياض (سابقاً) قائلاً: في كتاب حركية الدواء الذي أصدرته سابقاً، وضعت جميع أسماء الأدوية وجرعاتها ومستويات التركيز العلاجية في البلازما وغير ذلك من المؤشرات الحيوية في نهاية الكتاب على هيئة جداول باللغتين العربية والإنجليزية.
أما عن القول بأن الدول التي قامت بتدريس العلوم الصحية باللغة العربية قد فشلت في ذلك فهذا ما لا أتفق عليه.. فهي لم تفشل إطلاقاً والدليل سوريا.. أما الفشل الظاهري فقد كان من المجتمع ذاته الذي يحب التأمين والتأمرك والتحدث بالإنجليزية متجاهلاً أفضل لغة على وجه الأرض.. ودليل عدم فشل التدريس باللغة العربية هو امتحانات الزمالة البريطانية للأطباء، فنسبة نجاح الأطباء الذين درسوا بالعربية أكثر من ضعف هؤلاء الذين درسوا بالإنجليزية (مع التحفظ على ذلك لأنك لو حضرت إحدى المحاضرات في تلك الدول ستجدهم يشرحون باللغة العربية مع ذكر المصطلح فقط باللاتيني) … هذه الإحصائية ليست من بنات أفكاري؛ بل هي إحصائية ذكرها الدكتور صالح العذل عندما كان رئيساً لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالرياض وذلك من خلال ملف متكامل عن التعريب نشرته مجلة “المجلة” في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.
ولكي تضحك كثيراً إذا أحببت ذلك، استضافت القناة الثانية أحد بروفيسورات الطب من إحدى الدول العربية الشهيرة التي تدرس الطب بالإنجليزية ؛ فكانت مهزلة حيث لم يستطع تركيب جملة واحدة صحيحة بالإنجليزية (وهذه ليست مبالغة إطلاقاً).. كيف تتوقع من فاقد الشيء أن يعطيه؟ وحتى صحف ذلك البلد كتبت مقالات كثيرة عن أن الأطباء فيها لا يجيدون الإنجليزية إلا من رحم ربي.. نخدع أنفسنا عندما نقول أن الجامعات لدينا تقوم بالتدريس باللغة الإنجليزية وأنتم سيد العارفين.
واقول لن تقوم لنا قائمة إلا إذا قمنا بالتدريس بلغتنا الأم .. الياباني يدرس باليابانية،ودولة الاحتلال تدرس بالعبرية وهي لغة شبه ميتة، والفرنسيون بالفرنسية ودول كثيرة تدرس بلغتها الأم.
الموضوع طويل وقد لا يهم الكثيرون ولكن لا ننسى أن الله جل جلاله قد كرم هذه اللغة وأنزل بها القرآن، ونحن من سذاجتنا أهملناها رغم أنها أساس جميع اللغات وهناك أدلة كثيرة على ذلك.
جهد ومال
من جهته يقول الدكتور عمر الذييب.. الاستاذ بكلية الصيدلة بجامعة الملك سعود سابقاً: من وجهة نظري ان القيام بتعريب اسماء الأدوية العلمية هو جهد ومال ووقت ضائع.فكل المناهج العلمية يتم تدريسها باللغة الإنجليزية ولا وجود لمراجع عربية كافية في هذاالمجال..وكل امتحانات الهيئة السعودية للتخصصات الصحية تتم باللغة الانجليزية.وحتى الدول التي سبقتنا في التعريب (سوريا).. قد فشلت في ذلك.وأرى ان يتم الاكتفاء بكتابة الاسم التجاري للدواء بالعربية مع ترجمة النشرة الداخلية للدواء كما هو معمول به حالياً.
تعريب المعلومات
في السياق نفسه اوضح الدكتور احمد شاكر الأستاذ المشارك بقسم علم الأدوية بكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة قائلا: مهم جدا حتى يكون معلومات الدواء الأساسية فى متناول الجميع.ومستعدون للتعاون فى اي شيء ولنا خبرة طويلة بفضل الله فى تعريب المعلومات الدوائية، وقد شاركت فى دستور الأدوية المصرى النسخة العربية.
الاسم التجاري
من جانبه أوضح مستشار الإعلام الصحي الدكتور الصيدلي صبحي الحداد قائلاً: المهم ترجمة الاسم التجاري لكي يعرف المريض اسم الدواء الذي يتناوله.اما ترجمة الأسماء العلمية فستكون ترجمة حرفية للإسم الإنجليزي باللغة العربية كماهو حاصل مع بقية اللغات وسيكون مفيدًا فقط في حال التدريس الكلي باللغة العربية لجميع المناهج الصحية .
وضع مرادفات
طبيب الأطفال بأحد المراكز الصحية بجدة الدكتور اسحاق الشيخ ، يعلق قائلاً: لو تم إقرار هذا الطرح. ستكتب الأدوية بحروف عربيه بدلا من الإنجليزية.
مثلا اوجمنتين، بنسلين،كلورامفينيكول . دينتينوكس نقط مغص .بسكوبان . فيرموكس.. ولا يمكن لأعظم مجمع للغة العربية وضع مرادفات للأدوية . لإنها أسماء مؤلفة ولا تعني شيئا معينا في الغالب .. حتى الذين درسوا الطب والصيدلة في سوريا. يكتبون الأدوية بأسمائها الوضعية المتعارف عليها باللغة الإنجليزية.. ولا أعتقد -من وجهة نظري- أن هذا الطرح سهل وقابل للتطبيق.
المعنى اللفظي
وحول الفائدة من تعريب أسماء الأدوية يقول جيلاني النهاري بالتموين الطبي والإمداد بمستشفى الملك فهد بجدة سابقاً :لا أجد فائدة كبيرة من ذلك ، وربما كتيب يطبع طبعة أولى ويوزع، ولن تكون هنالك طبعة ثانية. وأعتبر هذا القرار مبادرة لحفظ ماء الوجه تجاه لغتنا العربية.
وحول نفس الموضوع- تعريب اسم الدواء يقول الصيدلي الدكتور محمد ابراهيم آل وادية نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الادوية والصيدليات باحدى شركات الادوية: على ما اعتقد هو ليس تعريبا بالمعنى الحرفي ولكن المعنى اللفظي، وقد بدأ بالفعل هذا الشيء منذ فترة ليست البعيدة وأعتقدان الهدف هو تعريف الدواء لغير المتقنين للغة الإنجليزية.
مصطلحات عربية
أما الدكتور الصيدلاني محمود عبد المالك فقال ذلك المعجم والتعريب موجود، حيث في سوريا كانوا يستعملون المصطلحات العربية في كل شيء حتى في علم التشريح والعلوم الطبية كافة، لكن لا أتوقع انه يمكن عمل نفس الفكرة في المملكة فيصبح الأسبرين مثلاً: استيل حمض الصفصاف..
وكما ذكرت يوجد هنالك معجم طبي موحد باللغة العربية، وظيفته شرح المفردات الأجنبية ومايقابلها من مفردات باللغة العربية الفصحى، وطبعا تعريب المصطلحات الطبية كاملة بما فيها أسماء الادوية والتراكيب العلمية لها
بإعادتها الى أصلها النباتي أو الكيميائي الأولي ، وحالياً ليس كل الأدوية ذات مصادر نباتية مما يصعّب الأمر كثيراً.