احتفلت المملكة العربية السعودية قبل أيام قليلة باليوم الوطني الــ(91) لتوحيدها، لتسطر عاما جديدا من عمر مسيرة مشرقة وحافلة بالإنجازات والطموح.. وترسم ملامحها الأولى وأرسى دعائمها الملك المؤسس – رحمه الله-، وسار على دربه أبناؤه -وعززها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين – حفظهم الله- ليصنعوا تاريخا تسطر بالعزيمة والإصرار ومجدا حفر على صخور وجبال هذا الوطن، ليبقى مفخرة تهتدي بها الأجيال وتقتدي به حضارات هذه الأرض جيلاً بعد جيل.
-تحتفل المملكة هذا العام بذكري اليوم الوطني تحت شعار “هي لنا دار” في ظل إنجازات حضارية في مختلف المجالات تحققت رغم التحديات التي فرضتها جائحة كورونا على العالم كله، ففي حين تعثرت كثير من الدول وتأثرها، ظلت إنجازات المملكة حاضرة تجسد عظمة الكبار في صناعة النجاح وتذليل الصعاب وقهر المستحيل والكفاءة والمرونة في وجه المتغيرات، والتفوق والريادة في الشدة كما الرخاء.. لتواصل تطورها على كافة الأصعدة لتحدث نهضة شاملة في كل المجالات، وتنتزع مكانة متقدمة بين الأمم والشعوب كأهم الدول تأثيرا في المنطقة والعالم.
بفضل الله وتوفيقه نجحت رؤية المملكة 2030 في تحقيق إنجازات استثنائية خلال السنوات الخمس الأولى من إطلاقها، فاقتصاديا كانت المملكة الأولى عالميًا في استجابة الحكومة ورواد الأعمال لجائحة كورونا.. حسب تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال، وتم تصنيف السوق السعودي ضمن أفضل الأسواق العالمية، وذلك بعد تنمية سوق المال السعودي من خلال طرح أسهم شركة أرامكو للاكتتاب، واستضافت المملكة مجموعة العشرين الاقتصادية بنجاح، فضلا عن
زيادة الاستثمارات في صندوق الاستثمارات العامة، حيث بلغت 58 مليار ريال عام 2019، و 96 مليار ريالا بنهاية عام 2020 م، يواصل برنامج صندوق الاستثمارات العامة طموحاته بخطى ثابتة نحو مضاعفة أصول الصندوق تحت الإدارة إلى 4 تيريليونات ريال سعودي تراكمياً بنهاية عام 2025 ليكون أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم والشريك الاستثماري المفضل، بما يرسخ مكانته في رسم ملامح مستقبل الاقتصاد العالمي.
وضمن برنامج جودة الحياة والذي يسعي لجعل المملكة من أفضل الأماكن للعيش، عبر الاعتناء بتطوير نمط حياة الفرد، وتحسين البنية التحتية جرت إصلاحات واسعة، تركت تأثيراً ملحوظاً على المواطنين والمقيمين، وساهم البرنامج في تحسين نمط الحياة من خلال تهيئة البيئة اللازمة لدعم واستحداث خيارات جديدة تعزز مشاركة المواطن والمقيم في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية.
(91) عاما والمملكة قلب العالم ومهبط الوحي ومنبع الرسالة تستقبل ضيوف الرحمن من جميع أنحاء العالم لأداء مناسك الحج والعمرة، وتولي جل اهتمامها وعنايتها بالحرمين الشريفين واليوم يشهد الحرمان الشريفان توسعات تاريخية وتطويرا للبنية التحتية، وتجند الدولة- أعزها الله- طاقاتها ومواردها لخدمة ضيوف الرحمن، وما التنظيم الدقيق والناجح لشعيرة حج هذا العام وسابقه، والذي واكب ظروفاً استثنائية بسبب الجائحة، إلا دليل علي قدرة المملكة وحرصها على تحمل هذه المسؤولية المقدسة بإقامة كبرى الشعائر الإسلامية، وفق إجراءات احترازية حققت أعلى معايير سلامة وصحة ضيوف الرحمن والعناية بهم.
وفي مجال الصحة استحقت المملكة بجهودها ان تكون ضمن أفضل الدول الرائدة في مجال الرعاية التخصصية على مستوى العالم العربي بتحسين الرعاية الصحية في المستشفيات في أنحاء السعودية وتدشين العيادات المتنقلة في كافة أنحاء المملكة وتصميم التطبيقات الإلكترونية التي تقدم الخدمات الصحية للمواطنين، وتوفير العلاج المجاني للمصابين بفيروس كورونا، بالإضافة لذلك تقديم إعانات شهرية للمتضررين في العمل جراء انتشار الفيروس، بجانب تنفيذ برنامج “أداء الصحة” الذي يهدف إلى تطوير أداء الخدمات الصحية بالمستشفيات، وتنفيذ مشروع التأمين لكافة المواطنين.
وضعت قيادة المملكة قضية التعليم بشتى مراحله ومختلف مناهجه ضمن اولوياتها، سعيا لبناء جيل واعد يمتلك قدرات ومهارات متنوعة، وثقافات مرتكزة على تعليم راسخ، ومواكب للتطور التكنولوجي الهائل، حيث تقدمت الجامعات السعودية في التصنيفات العالمية وتم تطوير مراكز البحث العلمي في الجامعات والمنشآت التعليمية؛ بزيادة مساحتها وقدرتها الاستيعابية، وتلبية متطلبات العملية التعليمية بها لتحسين أدائها العام وشهد التعليم نقلة كبيرة باستثمار التقنية في تطوير التعليم، وذلك من خلال طرق مختلفة، منها نشر تطبيقات التعلم الإلكتروني، والتعلم عن بُعد ، والاهتمام بالمبتعثين بالخارج، إضافة الي العديد من المبادرات النوعية لتطوير التعليم الجامعي والبحث العلمي والاهتمام بالابتكار وبرامج الذكاء الاصطناعي.
تبقي المملكة العربية السعودية قوة مؤثرة علي مستوى العالم حيث تجاوزت مبادرتها الحدود والقارات، ومن أمثلة ذلك إعلان سمو ولي العهد عن أكبر مبادرتين عالميتين للمناخ وحماية البيئة، وهما: «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر» حيث ترسمان توجه المملكة (وفق رؤية 2030) والمنطقة نحو حماية الأرض والطبيعة، ووضعها في خريطة طريق ذات معالم واضحة، وتسهمان بشكل قوي في تحقيق المستهدفات العالمية، ومن الأمثلة ايضا تدشين، “مبادرة الرياض” التي تهدف لإنشاء شبكة عالمية لمكافحة الفساد، ولا ننسى كذلك أن المملكة لعبت دورا محوريا في استقرار أسعار النفط وهو الشريان الرئيسي لاقتصاد العالم.
الى ذلك أسهمت المواقف السياسية الحكيمة والثابتة للمملكة في تجاوز المنطقة للعديد من التحديات، وشكلت الدبلوماسية السعودية عنصر دفع قويا للصوت العربي والإسلامي في دوائر القرار العالمي على اختلاف منظماته ومؤسساته وضاعفت الدبلوماسية السعودية جهودها على الساحتين الإقليمية والدولية عبر انتهاج الحوار والتشاور وتغليب صوت العقل والحكمة في سبيل درء التهديدات والأخطار والحيلولة دون تفاقمها والعمل على تهدئة الأوضاع وتجنب الصراعات المدمرة وحل المشاكل بالوسائل السلمية، كما شاركت المملكة بشكل كبير في تقديم الدعم والإسناد المستمر لدول الجوار.
على الصعيد الإنساني حققت السعودية المرتبة الثالثة عالمياً والأولى عربياً من حيث الدول الكبرى المانحة للمساعدات الإنسانية لدول العالم، بمبلغ 841.393.791 مليون دولار أميركي، ولم تقف الايادي البيضاء لمملكة الخير والإنسانية مواقفها النبيلة عند حدود، ولم تخضع لإملاءات أو توجه لأهداف سياسية، أو توسعية، لم تقتصر على جوارها الجغرافي أو امتدادها العربي الإسلامي، بل حرصت أن تكون سباقة في مد يد العون لنجدة الجميع في الكوارث التي تلم بهم، إدراكا من المملكة لمسؤولياتها نحو المجتمع الدولي وانطلاقا من مبادئها وديدنها في نجدة الملهوف أين ما كان.
ولم تقتصر مظاهر التنمية السعودية على المجالات السابقة فحسب، فثمة جوانب اخرى تمثلت بتوفير الرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي وتطوير المجتمعات المحلية وتعزيز دور المرأة في المجتمع وجملة من المشروعات تظل شاهدة على رأسها تطوير البنية التحتية لعدد من المشاريع القومية وغيرها من المنجزات التي لا تحصي ولا يتسع المجال لذكرها بجانب العمل المستمر في المشاريع التي راهنت عليها المملكة في رؤيتها 2030، وفي مقدمتها مشاريع البحر الأحمر ونيوم وذا لاين، ومترو الرياض، والبرنامج الوطني للطاقة المتجددة، ومشروع القدية، والقمر الصناعي شاهين سات، وبرنامج تطوير الدرعية التاريخية.
أخيرا: تبقى ذكرى اليوم الوطني مناسبة خالدة ومحطة مهمة تقف عندها الاجيال.. وفرصة سانحة لتجديد العهد لقيادتنا الحكيمة، والتي “هي لنا دار” نفتخر بالانتماء لها ، والذود عن ترابها، ومناسبة عظيمة للاعتزاز بتاريخنا ومنجزاتنا.. والتمسك بطموحنا الذي يناطح عنان السماء، سائلين الله أن يحفظ قيادتنا وبلادنا، ويديم عليها الأمن والاستقرار” والازدهار.
سفير خادم الحرمين الشريفين لدى السودان