بعد كل مقال أكتبه تصلني من الدكتور فؤاد عزب تغريدة أو مداخلة أو تعقيب يبدي فيه انطباعاته وفكره وآراءه .. وكانت تلك المداخلات بمثابة المكافأة التي أحرص على توقعها لأن لها نكهة خبير وطعم حرفي متميز .. تدفعني بقوة لاستشراف المستقبل في شتى المجالات .. وفي أحد الأيام سألني الدكتور فؤاد وقال .. لم لا تكتب عن مستقبل المستشفيات ..؟ فقلت له لا يفتى والخبير في المدينة.
وتحت وطأة إلحاحه الشديد .. ونزولا عند رغبته ووعدي له .. وبالرغم من أن القدر لم يمهله أن يقرأ مقالي اليوم .. سأقتحم حماه خلسة في لحظة مغيب حاضر .. وسأستشرف مستقبل المستشفيات .. لعل رسالتي تصل إليه كما يريد .. رحمة الله عليه.
أزعم أن أكبر تحول داهم فكر البشرية خلال العام الماضي .. هو النظرة الواقعية العادلة للأوضاع والرعاية الصحية والوقائية من الامراض والأوبئة التي تحصد البشر بالملايين .. إضافة إلى ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية والتي تعيق التوزيع العادل للموارد المالية على مختلف فئات المجتمع.
ودفعت تلك النظرة إلي الاستفادة القصوي من توظيف التكنولوجيا والصناعات الرقمية الذكية .. وذلك في تصنيع وإنتاج الأجهزة والمجسات الطبية المحسوسة والملبوسة والمحمولة والمتنقلة .. والتي تساعد وتدعم التطبيب عن بعد .. بكل تخصصاته وتطبيقاته .. من رصد وتحليل ورقابة الوظائف الحيوية الدائمة لجسم الانسان بكل الأعمار .. ومن ثم إرسالها إلي الأطباء ذوي العلاقة والمستشفيات المتخصصة .. بغرض مراجعتها ودراستها واتخاذ ما يلزم.
هذه الطفرة العملاقة في مفهوم التطبيب عن بعد تستلزم بالضرورة إعادة النظر في بعض تخصصات الأطباء ووظيفة المستشفيات وطرق عملها وإعادة صياغة ذهنية العاملين بها والكوادر الطبية بمختلف تخصصاتها .. وهذا يتطلب العمل على تجهيز المستشفيات القائمة الآن والحديثة منها بالبنية التحتية التقنية وبناء النظم وقواعد المعلومات المطلوبة لتعضيد ودعم عمل تلك الاجهزة الإلكترونية الرقمية.
تقول مكنزي .. إن هناك خمسة تحولات رئيسية ستغير وظائف المستشفيات والنظم الصحية على مستوى العالم
** ستتحول وظيفة المستشفيات من مفهوم علاج الأمراض إلى مفهوم ما يسمى بإدارة الصحة العامة للبشر .. ويعني الإهتمام بطرق العيش وأنماط الحياة والوقاية من الأمراض وإعادة التأهيل .. وهذا المفهوم أخذ طريقه إلى بعض دول العالم في التطبيق مثل سينغافوره وغيرها .
** البحث والتأكد من جدوى العلاج السريري في التشخيص والعلاج وضمان الجودة .. حيث أن التشخيص
الخاطئ يؤدي الى العلاج الخاطئ .. ويؤدي ذلك بالتبعية إلى إرتفاع أعداد الوفيات بالإضافة إلى زيادة أعداد الإصابات بعدوي المستشفيات .
** التحول إلى مفهوم التجزئة في تقديم الخدمات الطبية والرعاية الصحية الذاتية خارج المستشفيات ..
لقد أثبتت الدراسات أن المستشفيات العصرية ستتحول إلى النظام البيئى الصحي المتكامل .. مثل تقديم خدمات صحية أولية ومراكز للعمليات الجراحية الكبيرة وعلاج الحوادث والرعاية المركزة والحالات التي تتطلب المراقبة المباشرة الدقيقة والتنويم في المستشفيات ..
أما خدمات التجزئة الصحية فستتولى مهام اللقحات والإستشارات الطبية المتخصصة والعلاج الطبيعي والتصوير بانواعه والعمليات الجراحية الصغيرة والمعامل والمختبرات ..
** سيصبح المريض أكثر تمكنا وثقافة بأموره الصحية . ويكون قادرا على إتخاذ القرارات الخاصة به .. بعيدا عن المستشفيات ..
وأخيرا .. التركيز على القيمة المضافة ألتي تقدمها المستشفيات .. من خلال التواصل التكنولوجي الرقمي وقواعد المعلومات الصحية .. جميعها ستدفع نحو تقليص نفقات الرعاية الصحية وترشيدها وجودتها .