لا أنكر مطلقا مدى التقدم الذي أحرزته شركة المياه وغيرها من شركات الخدمات العامة .. من تطوير في البنية التكنولوجية التحتية والطرفية علي السواء .. والتي تقدم خدماتها مباشرة عبر التواصل الرقمي مع العملاء. ولكن للأسف أزعم وبشدة أن هذه النظم التقنية ينقصها أبسط أنواع الذكاء واللمسات الإنسانية المطلوبة في هذا المجال وجعل العميل سعيدا.
لقد فات على شركة المياه أن توفر كوادر بشرية تستطيع أن تتعاطف وتتفهم وتجد الحلول لمشاكل العملاء ، حتى لو كان العملاء هم السبب في الشكوى، فأبسط مفاهيم الخدمة أنها ليست معاقبة العميل أو وضعه في مواقف تعيسة ومحرجة ومعطلة لمصالحه .. بل يجب على الشركة أن توجد الحلول والبدائل الذكية لتي تساعد العميل على الخروج من مأزقه .. دون خسائر ومتاعب على الطرفين العميل والشركة على حد سواء.
هذا التوجه وهذه السياسات .. هي ما أسميها اليوم باللمسة الإنسانية التفاعلية أو التبادلية .. والتي تزاوج ما بين التكنولوجيا والمشاعر الإنسانية والذكاء الإجتماعي في التعامل مع العملاء .. وخصوصا أن شركة المياه ليست في مأمن من الأخطاء.
وبالرغم من أنني أناقش الموضوع من وحي مشكلة ارتفاع فاتورة المياه التي يعاني منها الكثير من العملاء .. وأعترف أن بعضهم يتحمل جزءا من المسؤلية .. لأسباب خارجة عن إرادتهم ويتفاجأون بها .. إلا أن العميل يتوق إلى أن يرى الشركة صديقة له .. تقف معه في الرخاء والشدة .. حتى ولو تطلب الأمر لي ذراع بعض السياسات والأنظمة والإجراءات خدمة وارضاءا للعميل .. وخصوصا أن خدمات المياه قضية حياتية لها علاقة بالصحة العامة ناهيك عن أن خدماتها إحتكارية ولا يوجد منافس لها .. وإلا إختلف الوضع تماما.
صحيح أن من حق الشركة أن تصر على التعامل مع عملائها عبر المنصات الإلكترونية التابعة لها .. ولا أنكر أنها وفرت مكاتب وموظفين للتواصل المباشر مع العملاء .. ولكن للأسف بعضهم عاجزون عن تفهم مشاكل العملاء .. كذلك ليست لديهم صلاحيات أو بدائل لتسهيل الأمور أو التصالح مع الشركة لحين إصلاح الخلل .. ويبدو أن المشكلة معقدة تبدأ من السياسات والنظم التي إنتهجتها الشركة وانتهاءً بحاجة الموظفين إلى التدريب والصلاحيات والبدائل التي تساعد على تمكين الموظفين من تقديم خدمات تجعل من تجربة العميل حكاية سعيدة.
هذا ويجب ألا يغيب عن شركة المياه أن خدماتها محتكرة .. وسيأتي اليوم الذي يرى فيه المشرع وتحت ضغوط شكاوي العملاء أن يكون هناك أكثر من مقدم للخدمة مثل الإتصالات تماما.
لذلك أرى أن رضا العملاء أمر حيوي ومهم ولا مساومة عليه .. لأن نوعية خدمات العملاء في بيئة احتكارية ،عادة ما تأخذ شكلا من التراخي وعدم التجاوب مع احتياجات وشكاوي العملاء .. أو طمأنتهم بأن مصالحهم وراحتهم هي أولوية قصوى لدى الشركة وموظفيها.
وباختصار شديد .. يتعين على شركة المياه رسم استراتيجية ادارية تدهش العملاء وتعمل على إرضائهم وتلبي احتياجاتهم .. إلى جانب تدريب مكثف للموظفين والعاملين .. وسياسات مرنة ونظم استقصاء لرأي العملاء عن خدمات الشركة ونشر الوعي الاستهلاكي الرشيد للمياه .. وكل ذلك يتأتي من خلال ذهنية الادارة المسكونة بخدمة عملائها وإرضائهم بل وتفوق توقعاتهم. ما أقترحه على شركات الخدمات عامة .. هو سد الفجوة بينهم وبين المجتمع .. استعدادا لولوج هذه الشركات لعصر المنافسة القادم.