لم يسطر التاريخ مثل شخصيته، في نفسه أو في تعامله مع الآخرين، بل لا أبالغ عندما أقول اكتسب كمال التعامل مع الصديق والعدو، والقريب والبعيد، رغم أنه عاش بدون أب فلم يشعر بعطفه، وبدون أم فلم يكبر في احضانها الحانية، وبدون أخ يكون له سندا، وبدون أخت يشكي لها حزنا.
يذهب إلى مكان بعيد وحيدا، يعيش لحظات التأمل رافعا رأسه إلى السماء ، حاول أقرب الناس اليه إسقاطه،والتقليل من مكانته، فلم يسلم من الهمز واللمز، فأعظم ألم ممكن يتعرض له إنسان عندما يأتي من القريب، رغم ذلك كان لطيفا مع الجميع سهل العشرة، جميل الابتسامة، صادق القول، تراه فلا تستطيع أن تقاوم شعور الحب الذي يملأ قلبك، فلا يرتد إليك طرفك من رؤية الهيبة والوقار والجمال والرحمة التي تضيء وجهه، أنه يملك جاذبية تفوق جاذبية الأرض لكنها في بشر.
تزوج من امرأة أنجبت منه ستة “أبناء وبنات” ، ولكن الأجل لم يترك له ولدا، لتدمع عينه ويحزن قلبه، تقلب في أقدار الله، فذاق طعم الجوع والفقر، وعانى من تنمر أبناء بلده حتى اضطر لترك منزله، رغم ذلك كان قويا، مؤمنا بتحقيق هدفه.
قد يتبادر للذهن السؤال عن هذه الشخصية العظيمة التي استطاعت امتلاك قلوب الملايين من البشر على وجه الأرض، إنه محمد صلى الله عليه وسلم، شديد الرأفة والشفقة وعظيم الرحمة بالمؤمنين. قال الحسين بن الفضل: لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلاّ للنبي محمد فإنه قال: (بالمؤمنين رؤوف رحيم). قال عنه العالم الألماني “كارل هيرنش بكر” في كتابه “الشرقيون”: “لقد أخطأ من تحدث بالسوء عن النبي محمد ، لأنه لم يفهم مبدأه السامي، إن محمداً جدير بالتقدير ومبدأه حري بالاتباع، وليس لنا أن نحكم قبل أن نعلم، وأن محمداً خير رجل جاء إلى العالم بدين الهدى والكمال.
عندما يكتب الكاتب ، ويتحدث المتحدث، ويخطب الخطيب ، عن مكارم الأخلاق، فهو سيدها، وزعيمها ومعلمها صلى الله عليه وسلم. فقد قال الكاتب الإنجليزي “برنارد شو”: “إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال، فإنه أقوى دين على هضم جميع الديانات، خالداً خلود الأبد، وفي رأيي أنه لو تولى أمر العالم اليوم، لوفق في حل مشكلاتنا، بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها.
ويكفيه عليه الصلاة والسلام مدح الله تعالى له “وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ”. ماذا يمكن للبشر أن يقولوا فيه بعد هذا المدح من الله؟.
فاصلة
لا خير فيَّ إن لم أكتب عن أحب بشر خلق في هذه الدنيا، فكان رحمة ليس فقط لنا بل للعالمين جميعا، إنه قدم للبشرية كل سلوك رائع يتعاملون به مع أنفسهم والآخرين ، فاليسر على العسر، والرفق على التشديد، والحب على الكره، واليقين على الشك، والتفاؤل وحسن الظن على التشاؤم، والتواضع على الكبر، والإصرار على الكسل والاستسلام، والتسامح والسلام على العنف والاعتداء، أن سيرته مدرسة تبهر كل العلماء بمختلف تخصصاتهم.
Faheid2007@hotmail.com