الدكتور / أوصاف سعيد
بمناسبة استقلال الهند الخامس والسبعين وبداية احتفالات (Azadi Ka Amrut Mahotsav)، أود أن أتقدم بأحر التهاني لجميع المواطنين الهنود والأشخاص من أصل الجنسية الهندية المقيمين في المملكة العربية السعودية.
وبالنسبة للمواطنين الهنود، يمثل هذا اليوم، يوم الكفاح والتضحية والإنجاز والفجر لبداية جديدة عندما أصبحت الهند دولة حرة وذات سيادة مستقلة لتقرير مسارها المستقبلي بعد الحكم الاستعماري الذي استغرق لمدة قرنين.
الهند المستقلة هي احتفال بتنوعنا الأصلي والتعددية الثقافية. ومن خلال مرور السنين، قمنا بتعزيز روح الحرية وعززنا ديمقراطيتنا بينما يستمر التواصل في مسيرتنا إلى التقدم والتنمية بقوة وطموح جديد ومع شعار “الأمة أولاً ، دائمًا أولاً”.
وصف السيد/ رابندراناث تيغور الهند بأنها بلد “حيث يكون الذهن بلا خوف والرأس مرفوعا ، والمعرفة بدون مقابل “. وحيث ان الملايين من الهنود في جميع أنحاء العالم يغنون النشيد الوطني أو(اغنية وطنية) الذي صاغه السيد/ رابندراناث تيغور للاحتفال بحريتنا ، فإن النشيد الوطني بحد ذاته هو تكريس حقيقي لروح الهند التعددية. إن ذكر الولايات مثل البنجاب والسنده وغوجرات ومراتها ودرافيدا وأوتكالا وبانغا في النشيد الوطني هو اعتراف بوجود مناطق جغرافية وأعراق وثقافات متنوعة في الهند التي تسلط الضوء على معنى الهند ككيان متشعب ومركب.
وفي هذا العام حيث نبدأ الاحتفال بمرور 75 عامًا على استقلالنا، نحتفل أيضًا بالذكرى السنوية شبه السنوية على تأسيس العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الهند والمملكة العربية السعودية. وعلاقاتنا مبنية على التاريخ الطويل لحركة الناس بين الهند والمملكة للتجارة والحج. كان أهل الحجاز مفتونين بتوابل الهند ولؤلؤ وأحجار كريمة وحرير وخشب الصندل والعود والعطور.
قام العديد من الحكام والنبلاء الهنود ببناء وهبات أكثر من مائة دار استراحة في مدينة مكة المكرمة والمدينة المنورة التي معروفة باسم “رباط”. كما يوجد بعضها حتى الآن مثل رباط بوهرا وبوبال واركوت كذلك رباط حيدر آباد وغيرها .
هناك رابط هام آخر بين الهند ومكة المكرمة وهو بناء المدارس والكليات من قبل الحكام الهنود في زمن العصور الوسطى منذ القرن الخامس عشر الميلادي، ومن أبرزها مدرسة بنغالية ومدرسة غلبارجية ومدرسة سلطان كامباي. وتبعتها في أوائل القرن التاسع عشر المدرسة الصولتية الشهيرة ، والتي لا تزال تعمل في مكة المكرمة.
كان هناك دائما احترام متبادل وتفاهم بين قيادتي بلدينا. في حين استمرت الزيارة التي قام بها الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود لمدة 17 يوما للهند في شتاء عام 1955، خلقت رهبة داخل المنطقة، وزيارة العودة التي قام بها السيد/ بانديت جواهر لال نهرو في سبتمبر 1956 عززت عزم البلدين على العمل معًا لتعزيز السلام والتقدم والحرية في جميع أنحاء العالم مع الالتزام بمبادئ مؤتمر باندونغ. وأثارت زيارة السيدة/ أنديرا غاندي في أبريل 1982 بعد انقطاع دام 26 عامًا إثارة كبيرة ليس فقط في المملكة ولكن أيضًا في المنطقة كلها.
وكانت نقطة التحول الرئيسية في العلاقات الثنائية وهي الزيارة التاريخية التي قام بها الملك عبد الله للهند في يناير 2006 كضيف رئيسي بمناسبة الاحتفال بيوم جمهورية الهند قرر البلدان من خلالها تطوير شراكة استراتيجية في مجال الطاقة. وبشرت زيارة العودة التي قام بها رئيس الوزراء الدكتور/ مانموهان سينغ للرياض في فبراير 2010 بعهد جديد من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. وستظل إعلانات “دلهي” و “الرياض” التي تم اصدارها خلال هذه الزيارات وثائق ثنائية مهمة.
ومع ذلك، تم وضع أساس الشراكة القوية متعددة الأوجه والاستراتيجية بين البلدين من خلال أربع زيارات ثنائية مهمة – زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ( ولي العهد آنذاك – ونائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع)، إلى دلهي في فبراير 2014، وزيارة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في فبراير 2019 وزيارتين لرئيس الوزراء السيد/ناريندرا مودي إلى الرياض في أبريل 2016 وأكتوبر 2019.
• كما يمثل تشكيل مجلس الشراكة الاستراتيجي بين البلدين في أكتوبر 2019م أعلى علامة من ارتقاء العلاقات الثنائية وآفاق جديدة منها. وبدأت اللجنتان على مستوى الوزارة – اللجنة السياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في اطار مجلس الشراكة الاستراتيجي (SPC) – المشاركة على مستوى كبار الضباط وكذلك على مستوى فرق العمل المشتركة، مع التركيز على مجالات متنوعة مثل التعاون الأمني والدفاعي والطاقة والتعاون الثقافي والزراعة والأمن الغذائي والصناعة والبنية التحتية والتكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات والصحة والتعليم.
المملكة العربية السعودية هي رابع أكبر شريك تجاري للهند بعد الصين والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة. وتعتبر الهند للمملكة العربية السعودية شريكًا موثوقًا وطويل الأمد في مجال الطاقة لضمان أمن الطاقة. بالنسبة للسنة المالية 2020-2021، شكلت التجارة في الهيدروكربونات مع المملكة العربية السعودية حوالي 61.14٪ من التجارة الثنائية للهند. المملكة العربية السعودية هي ثاني أكبر وجهة لمصدر النفط الخام بعد العراق للهند. استوردت الهند 34.2 مليون طن متري من النفط الخام في السنة المالية 2020-2021 ، وهو ما يمثل 18.20 ٪ من إجمالي واردات الخام. تعد المملكة العربية السعودية أيضًا ثالث أكبر وجهة لتوريد غاز البترول المسال للهند بعد قطر والإمارات العربية المتحدة حيث تمثلان 22.3 ٪ من إجمالي واردات غاز البترول المسال لعام 2020-2021.
من علاقتنا كالبائع والمشتري، انتقلنا نحو شراكة إستراتيجية في قطاع الهيدروكربونات باستثمارات من أرامكو السعودية في مشاريع النفط والغاز في المصب وميلها للمشاركة في احتياطيات البترول الاستراتيجية في الهند.
لدى كلا البلدين تعاون دفاعي قوي يركز على التعاون الأمني البحري والتدريب العسكري والتعاون المحتمل في مجال الصناعات الدفاعية. الزيارة الأولى من نوعها لرئيس أركان الجيش الهندي الفريق أم.أم نارافاني للمملكة العربية السعودية في ديسمبر 2020 كانت تهدف إلى زيادة تعزيز علاقاتنا الدفاعية الثنائية في مجالات مثل تبادل الاستخبارات العسكرية والأمن السيبراني ومكافحة الإرهاب.
وقد تم إجراء التمارين البحرية المشتركة الاولى المثمرة ” المحيط الهندي 2021″ في ميناء الجبيل بين البلدين في أوائل هذا الشهر والتي عززت التشغيل البيني بين القوات البحرية في البلدين وساعدت في فهم الإجراءات في عمليات الأمن البحري. والخطوة التالية هي إجراء التدريبات بين القوات البرية حول موضوع مكافحة الإرهاب في الأشهر المقبلة.
• لقد تم بين منظمة البحث الفضائي الهندي (ISRO) وهيئة السعودية للفضاء اجراء المحادثات لاستكشاف إمكانية توقيع مذكرة تفاهم على مستوى البلد في مجال التعاون الفضائي. وبالمثل، فإن التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية هو أيضًا مجال الاهتمام للبلدين.
الرعاية الصحية هي مجال آخر مهم في تعاوننا الثنائي في إطار مجلس الشراكة الاستراتيجي. قدمت الهند 4.5 مليون جرعة من لقاح كوفيشيلد (أسترازينيكا) للمملكة العربية السعودية كجزء من “لقاح مايتري” الخاص بنا. قدمت الهند أيضًا المعرفة الفنية ونقل التكنولوجيا لكوفاكسين، أول لقاح محلي للكوفيد-19 في الهند. كما أن التعاون في مجال تطوير اللقاحات والتصنيع المشترك للمستحضرات الصيدلانية، والتعاون في إنشاء مستشفيات فائقة التخصص في المملكة لا يزال من مجالات الاهتمام للقطاع الخاص في كلا البلدين.
أود أن أغتنم هذه الفرصة لأهنئ المملكة العربية السعودية على تسهيل توريد الأكسجين الطبي السائل والأكسجين خزانات الأكسجين خلال الموجة الثانية المدمرة من جائحة الكوفيد-19 في الهند.
التعاون في مجال الطب التكميلي والبديل هو مجال آخر واعد للتعاون بين بلدينا. يعد توقيع مذكرة تفاهم للتعاون في اليوغا بين البلدين على هامش اليوم العالمي السابع لليوغا شهادة على الشعبية المتزايدة لليوغا في المملكة. علما بان التوقيع على مذكرة التفاهم سوف تمهد طريقا في انشاء معايير ودورات اليوغا الرسمية في المملكة.
كما نسعى إلى إشراك شعبي البلدين في تعاون هادف في مجالات الرياضة، وخاصة الكريكيت وكرة القدم، بالإضافة إلى مجال الترفيه والسينما والسياحة.
أود أن أثني على الجالية الهندية المقيمة في المملكة العربية السعودية لتوليدها قدرًا كبيرًا من حسن النية في علاقتنا الثنائية من خلال إخلاصها وعملها الجاد والتزامها. كما كان التعاون الذي قدمه متطوعو المجتمع في جميع أنحاء المملكة اثناء مهمة (رحلات فاندي بهارت- Vande Bharat) جديرا بالذكر والملاحظة مما امكن السفر ما يقرب من 600000 هندي إلى بلدهم .
أود أن أغتنم هذه الفرصة لأعبر عن خالص امتناني لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في تعزيز العلاقة الثنائية وضمان رفاهية جميع المقيمين في المملكة، بما في ذلك المواطنين الهنود خلال هذه الأوقات الصعبة في أعقاب جائحة الكوفيد-19.
سفير جمهورية الهند لدى المملكة العربية السعودية