عن العيب قالوا وقالوا ، وعن العيب هاجوا وماجوا ، حكم ومواعظ ترددت على مسامعنا وعلى مدار حياتنا مثل : ” الفقر موعيب ” ، “والزواج من ثانية لا عيب ولا حرام ” ، ” والعيب على العايب ” ، وفي الشعر العربي قال الإمام الشافعي : ” نعيب زماننا والعيب فينا ..وما لزماننا عيب سوانا ” .
كثيراً ما نقول لأطفالنا : عيب أن تشاركوا الضيوف أحاديثهم ، وعيب أن تزعجوا الجيران بأصواتكم العالية ، وعيب أن تتشاجروا مع الصغار في الشارع ، وعيب أن تتصفحوا مواقع اليوتيوب وتشاهدوا ما لا يناسب عمركم ، وعيب أن تعبثوا في مرافق حدائقكم ، وعيب أن تكتبوا على الجدران والحائط ، وعيب أن تتنمروا على اليتيم وتنهروا المحتاج .
جميل أن نكون نحن الكبار قدوة خالية من العيوب ، فما الذي يدفع ببعض الأطفال أن يفعل العيب إذا كانت تنشئته في البيت مبنية على التفاهم والتحاور وغرس القيم والمبادئ ؟! ، بعض الآباء تدخن وتلوث هواء الغرف في حضرة أطفالهم ، فكيف لأبنائهم أن يقاوموا إغراء هذا الكيف بعد أن يعشعش النيكوتين في دماغهم !
وكيف لنا أن نمنعهم من اللعب على البلاستيشن التي تصيبهم بالانطوائية والاكتئاب ،ونحن نزودهم بأحدث اصداراتها من الأسواق. ومن جهة ثانية ، كيف نتشدق بالرحمة والانسانية إذا كنا منحازين فقط لاصحاب الامتيازات دوناً عن سائر الناس ، وكيف نتبجح بأننا أصدقاء البيئة والطبيعة إذا كان البعض منا لا يسقي شجرة ولا يزرع فسيلاً ، كيف ندعي الطهارة ونطالب بنظافة المكان ونحن نرمي ببقايا الطعام على الطرقات ونشوه مروج المتنزهات ؟!، أليس الانفعال والغضب هو عيب في سلوكنا ، يخفف من وهج تألقنا ويضيع مصداقيتنا ، أليس التعصب للرأي والحجر على عقول الآخرين هو عيباً في التصرف ونوع من الاستبداد ؟ أليس ذم الناس والطعن في ظهورهم هو عيب في الأخلاق وضرب من الغيبة والنميمة ، أليست التجاوزات المرورية وقطع الاشارات الضوئية هو عيب في المحافظة على النظام وتعدياً على حياة العابرين ، أليس التقليد الأعمى لصرعات الموضة التي تخدش الحياء هو عيباً في الذوق العام ومخالف للموروث الثقافي ، أليس التخلي عن أداء الواجب الوطني هو عيباً في التربية وخيانة عظمى في القانون ، أليست المماطلة والتسويف في أداء المهام هو عيباً في إدارة الوقت وتردي في الانتاج , أليست الواسطة والمحسوبية هي عيباً في تحقيق تكافؤ الفرص وشكلاً من أشكال الفساد ؟!
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : “رحم الله امرئاً أهدى إلي عيوبي ” ، فلننظر إلى عيوبنا ولا نكابر ولنصرح بما نحن فيه ولا نداهن . والله نسأله أن يلهمنا رشدنا وبصرنا بعيوبنا ويشغلنا بمداواتها يا أكرم الأكرمين.