البلاد – مها العواودة
لقد دفعت ثمنا باهظا نتيجة تهوري وانسياقي وراء إعلانات بعض مشاهير السوشيال ميديا المزيفة ومازلت أعاني حتى اللحظة. كانت تجربة قاسية ظننت في بدايتها أنني سأعيشها بفرح وسعادة ولكن سرعان ما بدا الأمر على حقيقته. كنت مبتعثا إلى أميركا وأطمع في الحصول على الجنسية، ولأن اسهل الطرق لذلك حسب الإعلانات التي يبثها مشاهير السوشيال هو الزواج من امريكية وبالفعل اقترنت باول واحدة ظننت انها تحقق هدفي دون اي معايير من جانبي .. المهم الجنسية فقط .. كانت سمراء تكبرني بعدة سنوات بعدها تركت دراستي وعدت إلى المملكة برفقتها فقد حصلت الزوجة على فرصة عمل في منظمة دولية داخل المملكة وفور انتهاء عقد عملها طلبت الطلاق وتركت الأطفال وغادرت.
هذه باختصار ودون تفاصيل حكاية شاب سعودي يدعى (م.س) و هو وباعترافه أحد ضحايا اعلانات السوشيال ميديا غير المسؤولة، يبدي ندمه بكل مرارة ويحذر غيره من الشباب وأبناء الوطن من الانجرار وراء الإعلانات المزيفة والوهمية في مواقع التواصل الاجتماعي .. وقصص معاناة كثيرة تتشابه في المجمل وان اختلفت في تفاصيل المعاناة .. ومع تكرار التجارب المريرة شرع المختصون يدقون ناقوس الخطر ويحذرون من العواقب الوخيمة لانتشار ظاهرة تشجيع السفر للخارج سواء للسياحة أو الزواج وتجميل هذا الفعل في بعض الأحيان من خلال مقاطع فيديو لمشهورين وطالبي شهرة بأسلوب فج لا يخلو من رسائل هدامة للمجتمع والقيم والأخلاق عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.
خطر مزدوج
وينبه المستشار في مجال السياحة والطيران محمد بن عبدالله العمري الى أن مثل هذه الإعلانات بلا شك تؤثر بشكل سلبي جدا على السياحة الداخلية خاصة عندما يتزامن ذلك مع ما يطرح في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي من ان أسعار الفنادق والخدمات في المصايف السعودية مرتفعة ولابد ان نعرف في الوقت ذاته ان هذا الارتفاع وراءه عوامل كثيرة ربما تجبر المستثمرين على رفع السعر منها عدم وجود تسهيلات للمشاريع الفندقية القائمة وارتفاع فاتورة الكهرباء والماء وعدم السماح لأصحاب المنشآت الفندقية بالعمالة الموسمية.
واستدرك: لكن عندما نتكلم عن وجود تأثيرات سلبية فإننا لا ننسى أن معظم الفنادق في الطائف والباحة وعسير ارتفعت فيها نسب الاشغال هذا الصيف الحالي بسبب الأجواء والخدمات تزامن ذلك مع عدم وجود سفر متاح لدول سياحية خارجية من هنا لابد للقائمين على السياحة من القطاع الحكومي والغرف التجارية الجلوس على طاولة نقاش مع المستثمرين وشرائح من المواطنين لبحث ما يواجه المواطن من صعوبات وضعف خدمات وما يواجه المستثمرين من معوقات وبالتالي الخروج بأفكار تهم السياحة الداخلية وتحد من تأثير هذه الإعلانات المضللة على سياحتنا وعلى التغرير بابناء الوطن وتوريطهم في مآزق نعرفها ويعرفها كل من خاض التجربة مثل هذا الشاب.
دور هام للإعلام الجاد
وتحمل نادية قربان، أستاذ علم التاريخ في جامعة الملك عبدالعزيز وعضو مجلس إدارة جمعية الإرشاد السياحي الإعلام الجاد وبالذات عند تنامي دعوات السياحة للدول الخارجية عبر شبكات التواصل الاجتماعي مسؤولية مواجهتها بحزم وتوعية الناس وتحذيرهم من المخاطر التي يمكن أن تواجههم جراء تلك الإعلانات المدفوعة عبر أجهزة المشاهير المحمولة بدون حسيب أو رقيب اما عن جهل او رغبة في مزيد من الشهرة والكسب المادي.
وأضافت «المملكة غنية بالمواقع والمناطق التي لم تستثمر بعد في السياحة سواء كانت دينية أو آثار او مناطق جبلية أو سواحل او معالم صناعية متطورة وغيرها لم تستغل بالصورة المطلوبة لذلك جاء إنشاء الهيئة العليا للسياحة لتشكل رافداً وطنيا متخصصا.
وأضافت: يجب تخطي التحديات التي تواجه السائح ومن هنا لا بد ان تكون هناك حلول وخطوات سريعة لجودة الخدمات المقدمة للسياح منها الاهتمام بالمناطق السياحية في كل منطقة لها مميزاتها باعتبار السياحة نوعا من الصناعة والاهتمام بالنقل والمواصلات بين المدن والعمل على إيجاد مناطق جذب سياحي في كل مدينة وتوفير المعلومات السياحية والأدلة المطلوبة.
السياحة والبيئة التنافسية
ويقلل ثامر الحربي محاضر في كلية السياحة بجامعة الملك عبدالعزيز من تأثير هذه الإعلانات على السياحة الداخلية، ويقول ان تحديد الوجهة السياحية سواء داخلية أو خارجية، له محددات كثيرة، من بينها القدرة المادية، إلا أنها في الأخير تخضع للميول الشخصية للسائح.
وأضاف: إذا كان لمثل هذا الكلام من تأثير فهو على المترددين الذين لم يتخذوا قرارهم بعد بالسياحة الداخلية بشكل حاسم وفي كل الأحوال يمكن إبطال هذا الترويج للسياحة الخارجية من خلال خلق بيئة تنافسية حقيقية للسياحة الداخلية، من خلال جودة الخدمات والأسعار، فمن يلجأ للسياحة الخارجية ربما يرى أن ما يقدم له من خدمات هو أعلى جودة، وبالتالي هو يكون على استعداد أن يدفع مقابل ذلك بمعنى أن تكون الخدمة توازي ما يدفعه، وهي ميزة يمكن أن نقدمها داخليا بسهولة».
وتابع أن ما يشاع عن أن السياحة الداخلية مكلفة قياسا بالسياحة الخارجية غير صحيح، لأن السياحة الخارجية أيضا مكلفة للغاية، ولكن علينا أن نقدم للسائح ما يوازيها من خدمات، حتى يشعر بالرضا، بمعنى أن نوفر للسائح تجربة سياحية متكاملة، وبجودة عالية ذات مواصفات عالمية.
الأمن الفكري أولا
وتعتبر الدكتورة جمانة الببيلي – مدربة ومستشارة نفسية وتربوية أسرية ومديرة مركز الإرشاد الجامعي بجامعة جدة – ان السياحة من الظواهر الاجتماعية المعاصرة والتي نالت اهتماماً بالغاً في السنوات الماضية، فأصبحت أحد أهم المتطلبات الملحة للإنسان المعاصر الذي يعيش في عصر تملؤه الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية وبالتالي يلجأ إلى السياحة بحثاً عن الراحة والتغيير، وتقول: لُوحظ في الفترة الأخيرة تشجيع السفر والسياحة الخارجية من خلال منصات التواصل الاجتماعي من بعض طالبي الشهرة، مما قد يؤدي لبعض المخاطر المستقبلية على المجتمع السعودي، كتأثر الشباب بثقافات وعادات وتقاليد وقيم المجتمعات السياحية الخارجية وخاصة غير الإسلامية، بالإضافة لبعض المظاهر التي يمكن أن يمارسها الشباب أثناء السفر والتي قد تكون سلبية وربما حمل بعض الشباب بعد العودة لوطنهم نوعا من الأفكار والمعتقدات والمخاطر ويحاولون تنفيذها على أرض الواقع.
واضافت: مسؤوليتنا نحن أبناء هذا الوطن الغالي الحفاظ على الأمن الفكري لدى شبابنا بناة الأمة والمستقبل».
السعودي فريسة سهلة
ويحذر الدكتور أحمد المسند استاذ علم الاجتماع من ان انجرار المواطن وراء إغراءات وإعلانات وترويج بعض مشاهير السوشيال ميديا لأماكن سياحية في الخارج أو الزواج من جنسيات معينة من خلال فيديوهات وصور مخلة بالآداب ومخالفة للدين وبالاً على المنجرين كما يعد تفكيرا معوجا يحتاج إلى تعديل».
مؤكدا على خطورة مثل هذه الاعلانات والنشر غير المسؤول الذي يوقع في شباكه العديد من ضعاف النفوس وصغار السن والمراهقين ويضلل العديد من أبناء المجتمع.
ولفت إلى وجود نوعين من المروجين لمثل هذه الإعلانات أحدهم يقصد هدم المجتمع والمبادئ والقيم والآخر يجهل حجم الأضرار والأخطار على المجتمع.
ونبه الى أن دوائر الفساد وشبكات النصب والاحتيال لها وسائل كثيرة يجب الحذر منها.
وقال إن الكثير من الدول التي نقصدها ينظرون للسائح السعودي بطمع وبشكل عام السائح غالبا ما يكون فريسة سهلة للانقضاض عليها.
وقد يخسر الأموال وربما نفسه بسبب التسرع وتسليم قياده بسهولة لأشخاص يظن انهم سيقدمون له العون.
وأشار إلى أن البعض منهم قد يلجأ لكشف ما حصل معه لتحذير أبناء الوطن وعدم الوقوع في نفس الخطأ والبعض لا يريد إظهار تجربته السلبية.
الزوج المخلوع ومآسي أخرى
وبالعودة مرة اخرى الى مآسي الضحايا من هذا النوع الذي ذكره الدكتور المسند من انه يروي معاناته ليتعظ منها غيره، يروي لنا مدير للموارد البشرية في أحد البنوك ما حدث له بعد ركضه وراء الإعلانات وكلام المروجين حيث تزوج من فتاة عربية عاشت معه في السعودية وأنجبت عدة أطفال وكانت هي ايضا تعمل في مجال التجارة بدعم منه وبعد عدة سنوات من الزواج وعقب أن قوي عودها تنكرت له بعد أن سحبت منه أموالا كثيرة وكونت لها ثروة وشيدت واشترت عدة عقارات في بلدها الأصلي ثم قامت بخلعه وتخلت عن ابنائها وتزوجت رجلا آخر من نفس جنسيتها الأصلية.
ويروي آخر وهو متزوج من اثنتين وله منهن 9 أبناء تزوج الثالثة من إحدى البلدان العربية حيث وقع في وحل ترويج مشاهير السوشيال ميديا وأنجبت بنتا وحيدة وبعد سنتين طلقها وعاد بابنته إلى المملكة. بعدها دخل في مشاكل ومحاكم في بلد زوجته بسبب صغر سن الطفلة وحاجتها لرعاية الام فحكمت عليه المحكمة بضرورة احضار البنت للام أو تنازل الام عن حضانة البنت واضطر لدفع مبلغ كبير للأم مقابل التنازل.
ويروي ثالث انه سافر إلى إحدى الدول الأوروبية وأكد أنه تعرض لعملية نصب وسرقة منذ وصوله حيث أشار إليه السائق بالذهاب إلى مطعم مميز الخدمات وفور وصوله إلى المكان تم اصطحابه من قبل النادل إلى غرفة مميزة -حسب قولهم-وهناك تم أخذ أمواله التي يحملها تحت التهديد ولم يستطع فعل شيء. في حين يروى آخر أنه وأثناء زيارته إلى تركيا مع أسرته تعرض لألفاظ نابية من قبل شاب تركي كاد أن ينهال عليهم بالضرب بعد أن اعترض طريقهم وهم في بهو فندق بإحدى المدن التركية.
اما رانيا الشمراني وهي أيضا أحد ضحايا إعلانات بعض المشاهير فتقول شاهدت إعلانات كثيرة ومثيرة ومشجعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لزيارة تركيا وانجرفت وراءها سريعا لكن سرعان ما تبدد هذا الضباب وانكشفت الحقيقة حيث الاستغلال الواضح لنا كسعوديين في الأسعار وأجرة التاكسي مقارنة بغيرنا من الزوار والسياح.
فأرى التشجيع للسياحة الداخلية هو الأفضل في ظل وجود الأمن والأمان في بلادنا الغنية بالآثار والمناظر الجذابة.