الإبداع سمة الشعوب والأمم المتقدمة، والإبداع في مجالات التطوع كمال العطاء والحضارة. حيث أتت الرؤية السعودية ٢٠٣٠ بمفاهيم حضارية تؤصلها في المجتمع، ويعد المجال التطوعي من أولى هذه المجالات التي وضعت لها الرؤية هدفا طموحا يتمثل في مضاعفة أعداد المتطوعين بقرابة ١٠٠ مرة عن أعدادهم وقتها والمقدر بقرابة ١١ ألف شخص ليصل العدد إلى مليون متطوع بحلول عام ٢٠٣٠ م. وتمثل اهتمام الرؤية بالعمل على فتح اَلسُّبُل أمام المتطوعين للعمل حتى تصبح مهماتهم التطوعية أقل مجهوداً وأكثر تأثيراً وفاعلية مما كانت عليه قبل ذلك.
قد يكون من أفضل الطرق لزيادة فعالية الأعمال التطوعية هي اكتساب الخبرات من الدول الأخرى وامتزاجها بثقافتنا ومعاييرنا المجتمعية والدينية لتنتج منتجا تطوعيا فريدا وفعالا حسب ما رسمته الرؤية في نظرتها الاستراتيجية. يمثل العدد الكبير من المبتعثين في مختلف أنحاء العالم فرصة فريدة بما اكتسبوه من خبرات عالمية واحتكاكٍ بمجتمعات متنوعة في وجهات النظر وأدوات التقييم. هذا الثراء والخليط بلا شك ينتج عنه نظرة فاحصة وناقدة للعمل التطوعي تساعدنا على الخروج بمنتجات إبداعية تتلافى أوجه القصور وتعزز نقاط القوة. وبذلك الثراء والحضور المميز شاهدنا تميز المبتعثين بأعمالهم التطوعية بصورة بارزة ومشرفة وتم تكريم الكثير منهم من شخصيات وقيادات بلدان الابتعاث التي يدرسون بها. للملحقيات الثقافية أدوار كبيرة في تعزيز هذه القيم ورسم الخطط التنفيذية لبلوغ هذه الأهداف وتعظيم الاستفادة من المقدرات والطاقات المتوفرة لدى المبتعثين. تختلف دول العالم في أنظمتها وقوانينها لكن مما قد يكون سمة عامة هو توفر قنوات رسمية في هذه الدول للمتطوعين. فمثلا في بريطانيا تتوفر هناك قنوات تطوعية مجتمعية وبشكل مدعوم ومنظم من جهات ومؤسسات لها باع طويل في تنظيم مثل هذه الأمور. وأيضا تتوفر للطلبة في الجامعات البريطانية الجمعيات العلمية بشتى أنواعها ومنها الجمعيات السعودية في الجامعات البريطانية. وبالتأكيد هذه المؤسسات تجمع الكثير من التنوع في الخبرات الممزوج بممارسات مختلفة وأهداف تطوعية متنوعة.
من المؤسف حقا ان يكون التعاون مع هذه الجمعيات من قبل الملحقيات مغيبا وبل من الممكن ان يصل الى القطيعة أحيانا ومحاولة البعد عنها وعدم التفاعل معها ومع أنشطتها والتي هي نتاج أفكار أبنائنا وجهودهم. أنشئت النوادي الطلابية في الملحقيات وصرفت عليها ميزانيات طائلة على مر عقود من الزمن ولكنها أثبتت فشلها في خلق بيئة تطوعية متنوعة يتبادل من خلالها افكار وممارسات احترافية وراقية. بل على النقيض من ذلك صنعت هذه النوادي مجتمعات مغلقة للطلبة وأقفلت فرصا كثيرة على مبدعين من أبناء الوطن في التميز والعطاء وأصبحت عبئا أثقل كاهل الملحقيات إداريا ومالياً. يجدر بنا وقد رسمت لنا الدولة حفظها الله مسارات واضحة برؤية صريحة ان نغير نظرتنا للعمل التطوعي ونرفع من سقف طموحنا ونعزز الاحترافية فيه، ودعم ابنائنا المبتعثين لينهلوا ليس من العلم فقط وإنما من الخبرات وأفضل الممارسات الشائعة التي تتناسب مع قيمنا ورؤيتنا وتعزز موروثنا وتثريه. وعلى الملحقيات ان تتجه للتعاون مع الجمعيات العلمية والجمعيات السعودية فهي ممثلنا في الجامعات وصورتنا التي نفاخر بها. هذا ما خطه قلمي في واقع الملحقيات الثقافية لدعم رؤية المملكة ٢٠٣٠ في شقها التطوعي وهو استكمالاً لسلسلة بدأتها بالأدوار العلمية للملحقيات الثقافية في صحيفة البلاد بعددها ٢٣٣٨٣ وتاريخ ٢١ ذو القعدة لهذا العام.
e.dkil@hotmail.com