تتولى الملحقيات الثقافية في بلدان الابتعاث أدواراً ومسؤوليات كبيرة تتقسم ما بين أدوار ثقافية وأدوار علمية في مجملها. وبحكم التسلسل الإداري وتبعيتها لوزارة التعليم فذلك يحتم عليها الاهتمام بجوانب علمية كثيرة تحقق فيها مكتسبات للمؤسسات العلمية والبحثية وتعود عليها بفائدة كبيرة. وإن كان تركيزنا اليوم على الأدوار العلمية فبالتأكيد ليس إغفالاً للأدوار الثقافية التي لاتقل أهمية عن نظيرتهاالسابقة.
خلال الفترات الزمنية السابقة نجحت الملحقيات الثقافية في إدارة أمور المبتعثين وإنجاز المتطلبات لينعموا برحلة تعليمية مريحة تصل بهم لمبتغاهم ليعودوا للوطن وقد تسلحوا بالدرجات العلمية المختلفة التي تثبت تأهيلهم العلمي المتميز. ولكن الفرص العلمية المتاحة في البلدان التي تتواجد فيها الملحقيات الثقافية كثيرة ومتعددة والمؤسسات العلمية والبحثية متعطشة للتعاون مع نظيراتها في المملكة والمبتعثين السعوديين يمثلون عنصرا فعالا وورقة رابحة لمثل هذه الأشكال من التعاونات العلمية، فطالب الدراسات العليا والمبتعث عموما فرصة للاستفادة منه كسفير لوطنه في فتح آفاق أوسع وأرحب في مجالات كثيرة تعود للوطن بالفائدة.
وقد يؤسفنا اهتمام الملحقيات الثقافية بالأدوار غير العلمية للمبتعث وتركيز الضوء عليها بشكل غيب قيمة الأدوار العلمية وشتت المبتعثين من خوضها وتجربتها. فالنوادي الطلابية على سبيل المثال وفعاليتها أصبحت مجموعات مغلقة ونشاطات ضيقة محصورة بالمبتعثين فقط دون تواصل مع المجتمع المحلي وإجمالا لايمكنها بهذه الصورة أن تخدم مثل هذه الطموحات الكبيرة إن لم تكن عائقا في تحقيقها. وكذلك اهتمام الملحقيات بجوانب متفرقة مثل المحاضرات والندوات الموجهة وبشكل مغلق للطلبة السعوديين وتركيز الجهود وحشد الطاقات لها بالتأكيد سيعود سلبا وقصورا في هذه الجوانب التي سنستعرض بعضامنها في حديثنا التالي.
أولى هذه الأدوار هو دعم الشراكة بين المؤسسات البحثية والعلمية في المملكة ومثيلاتها في العديد من المجالات وخاصة التخصصات في المجالات ذات الأولوية في رؤية وطننا الطموحة ٢٠٣٠. هذا الدعم لن يتم إلا بربط أصحاب المصلحة وحشد الطاقات لذلك. فالمبتعث السعودي رابط فعال فهو ينتمي لمؤسسة بحثية أو علمية سعودية وفي نفس الوقت يعمل في مركز أو مجال بحثي في جامعة بريطانية، وهذا الترابط يوفر أسهل الطرق لإنجاح مثل هذا التعاون. لا يمكن للطالب أو الباحث التحرك والقيام بأدوار الملحقية فهو ليس موظفا فيها ولكنه سيدعم وبلاشك أي تحرك من جهة الملحقية بشكل إيجابي. الأهم هنا هو تحرك الملحقية للبدء في برامج تنفيذية تخدم مثل هذا الهدف الاستراتيجي.
من الأدوار المهمة أيضا والتي للأسف نراها في كثير من الجامعات الشرق آسيوية هي البرامج التعليمية المشتركة أو توفير تدريب للطلاب بالجامعات العالمية، وهنا دور الملحقية يكون كبيرا في التنسيق والبحث عن مثل هذه الفرص وتزويد الجامعات السعودية بها لتكتمل المنظومة ببرامج مشتركة تعود على خريج الجامعات السعودية وسوق العمل السعودي بفائدة كبيرة وخبرات متنوعة. ولا يمكننا أن ننسى أهمية فتح المجال لتبادل الزيارات بين أعضاء هيئة التدريس وذلك لتشارك الخبرات الأكاديمية ونقلها مما قد يثمر عن إجراء بحوث علمية مشتركة في المجالات ذات الأولوية في رؤيتنا الطموحة ٢٠٣٠.
أخيرا أدوار التبادل العلمي كبيرة والمسؤولية ليست بالسهلة لكن الملحقية تملك كافة الإمكانات لإنجاح مثل هذه الأدوار تحتاج فقط لذلك العزيمة والتركيز على الأهم فالأهم وعدم السعي وراء الطرق الأسهل للنجاح والبروز، فطريق النجاح الأمثل دائما أوله تحديات كبيرة تناسب قيمته التي ستعود لوطننا الغالي. اختم بأهمية التركيز على الأدوار التي يقوم بها المبتعثون في مجالات التبادل العلمي وإعطائها حقها المناسب من الأضواء والاهتمام بها لعظم عائدها على الأمد المتوسط والبعيد لوطننا الغالي وعدم ضياع البوصلة ما بين الأدوار الثانوية أو المكملة.
dokhyl@