حاورته : رانيا الوجيه
معالي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الدخيل – مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وعضو مجلس الشورى السابق جاء من الطائف حيث ولد ومن حارة الباب بجبل الحفاير حيث نشأ وترعرع ودرس حتى المرحلة الثانوية ليكون ضمن اول دفعة من القسم الادبي تبتعث للدراسة في الخارج ويعود حاملا بكالوريوس وماجستير ودكتوراه في علم النفس ليدير جامعة للبترول والمعادن خلال الفترة من عام 1995 وحتى 2004 بعد ان تدرج في عدة وظائف إدارية واكاديمية بها ..
وخارج اسوار جامعة الملك فهد كان رئيسا لمجلس أمناء جامعة الخليج وعضو مجلس إدارة شركة أرامكو واللجنة الاستشارية للراحل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز .. كما اختير عضوا في مجلس الشورى خلال الفترة من عام 2006 حتى 2009 وتولى رئاسة لجنة ادخال اللغة الانجليزية في مناهج المرحلة الابتدائية. وفي كل موقع تولاه كان للدكتور الدخيل بصمته ورؤيته فهو من ادخل اختبار القدرات العامة في جامعة الملك فهد ليصبح بعد ذلك اختبار القبول الموحد للمرحلة الجامعية بجانب الاختبار التحصيلي للطلاب منذ عام 2006 كما اسهم في انشاء وادي الظهران للتقنية عام 2002 وثلاث كليات مجتمع في حائل وحفر الباطن والدمام .. ووضع نصب عينيه دوما كيف تخدم الجامعة محيطها.. حول ابرز محطات الحياة ومشوار العلم والعمل دار حوار “البلاد ” والذكريات وهذه تفاصيله:
• ولدتم في الطائف ودرستم حتى الثانوية بين مكة وجدة .. ليتكم تحدثونا عن اهم محطات النشأة والطفولة والمسار التعليمي .. وما الفرق بين المدن الثلاثة وانسانها بين الامس واليوم ؟
•• في ذلك الوقت قبل دخول الكهرباء كان من عادة قاطني مكة الانتقال للطائف في الصيف طلبا للجو البارد فيه ومن ثم انتقلت عائلتي الى هناك في صيف 1940 فولدت هناك في شهر يونيو من تلك السنة.
اما في مكة فكانت معظم اقامتنا في جبل الحفاير في حارة الباب على عكس معظم أهالي نجد الذين كانوا يقيمون في شعب عامر ومن ثم كان اختلاطنا مع أهل مكة كثيرا بل إن عمي رحمه الله تزوج من أحد بيوتات مكة.
وكانت بداية الدراسة في أحد الكتاتيب في أسفل جبل الحفاير ثم انتقلت إلى المدرسة الفيصلية المفتتحة حديثا في الشبيكة وتخرجت بعد ذلك في المدرسة العزيزية الثانوية التي كانت تسمى «تحضير البعثات».
خلال هذه السنين الأولى تعهدني والدي بالعناية الكريمة بالرغم من محدودية قدرة العائلة المادية.. فقد حرص أيما حرص على تنميتي بمتابعته المثابرة لتعليمي وحثه المتواصل لي للاهتمام بواجباتي المدرسية. ولكن الذي تفرد به الوالد عن كثير من الآباء هو تشجيعه المتحمس لي على القراءة الحرة. وكان تشجيعه بالتوجيه الدقيق والمثل الناصع. فقد ترعرعت وأنا لا اشاهده إلا وفي يده مادة يقرأها. وكان حتى وأنا في المراحل الأولى لدراستي يشير إلى مواد يعرف أنها ستثير اشتياقي ليقترح علي قراءتها. بل أنه عنما وصلت إلى مرحلة الإعدادية كان يمدني بالكتب التي يعرف أنها ستعظم شغف من هو في مرحلة المراهقة. كانت هذه الكتب في شكل قصص وروايات. وهو اختار أن أبدأ قراءاتي بهذه الروايات والقصص لكي يغرس في حب القراءة ولينمي عندي مهارة القراءة السريعة. وإمعانا في تشجيعي على القراءة ومرافقة الكتاب كان يصطحب أدباءً كباراً مثل الأساتذة محمد حسين زيدان ومحمود عارف ومحمد حسن عواد رحمهم الله جميعا لزيارة مكتبتي المتواضعة بل أن الأخير أهداني كتابه محرر» الرقيق» عن سليمان بن عبدالملك وطلب مني الكتابة عنه وهذا ما فعلته.
جودة المعلم قبل جنسيته
• التحقت بالقسم الادبي في الثانوية بسبب مدرس الرياضيات الاجنبي .. ورغم ذلك ترى أن السعودة في مجال التدريس امر خاطئ .. كيف يستقيم هذا التناقض ؟
•• اهتمامي بالقراءة هو الذي دفعني للالتحاق بالقسم الأدبي, أما موضوع الرياضيات فلم يكن سببا رئيسا في اتجاهي لذلك القسم. بل إني حصلت على درجة كاملة في تلك المادة في السنة الأولى الثانوية مع معلم متميز آنذاك هو الأستاذ هاشم مقيبل رحمه الله وحرص مدير المدرسة العزيزية الثانوية الأستاذ سراج خراز رحمه الله أن أنضم للقسم العلمي ولكنني أخبرته بأن اشتياقي للتاريخ يدفعني نحو القسم الأدبي. أما رأيي في سعودة المعلم فإني أردت أن ينصب الاهتمام على الجودة بغض النظر عن الجنسية وسبق أن تحادثت مع كبار المسؤولين حول هذا الموضوع وأشرت آنذاك إلى قرار من حكومة كوريا الجنوبية بتخصيص اعتمادات مالية إضافية في ميزانيات الجامعات لتشجيعها على استقطاب الأفضل عالميا من أعضاء هيئة التدريس للجامعات فأيدوا هذا الاتجاه في جامعاتنا.
هذه مشكلة اختبار القدرات
• هل لا زلت مصرا على رأيك في ان من اسباب تدني مستوى المعلم هو هجرة ابناء الريف المكثفة الى المدن وعدم استيعابهم لنمط المعيشة في المدن مما نتج عنه – في نظرك – نوع من الارتباك والعشوائية ؟ وهل لازلت تخشى ممَّا يسميه علماء الاجتماع «أريفة المدن»؟ وهل لا يزال هذا الوضع قائما في ظل انتشار المدارس بمراحلها التعليمية المختلفة في القرى والجامعات في المناطق ؟
•• بالنسبة لأريفة المدن فإننا في هذه البلاد تجنبنا ولله الحمد هذه المشكلة إلى حد كبير عن طريق التنمية المتوازنة لمختلف أرجاء المملكة ومع ذلك فإننا في جامعة البترول حرصنا منذ البداية على توحيد معايير قبول الطلاب بالاعتماد على ركائز مقننة كما هو الحال في الجامعات الأمريكية مثلا .. وما قمت به خلال عملي مديرا للجامعة هو تطوير هذه الركائز لسبر القدرات العامة للطالب لتتناسب ومتطلبات الأداء في التعلم الجامعي محاكية تلك المستخدمة في الجامعات الأمريكية.
وقد رأى وزير التعليم العالي تعميم هذه التجربة على الجامعات الأخرى فنقل مركز الاختبارات إلى وزارة التعليم العالي. وتأتي المشكلة في هذه الاختبارات من طريقة تطبيقها.
الإنجليزية من الثالثة
• كنت رئيس لجنة ادخال اللغة الانجليزية ضمن مناهج المرحلة الابتدائية وكان رأيك الا يتم تدريسها الا بدءا من الصف السادس الابتدائي .. كيف ترى قرار وزير التعليم بتحديد موعد تعليم الإنجليزية في الصف الأول الابتدائي ؟
•• عينت رئيسا للجنة إدخال اللغة الإنجليزية ضمن مناهج الابتدائية وبعد دراسة مستفيضة أوصت اللجنة بأن يكون تدريس تلك اللغة بدءا من السنة الأولى الابتدائية ولكن على ضوء تواتر الاعتراضات على ذلك خوفا من منافستها للغة العربية ونظرا لعدم توافر العدد المؤهل من معلميها رأت اللجنة العليا لسياسة التعليم أن يكون البدء بتدريسها من السنة الثالثة الابتدائية, ولا أعرف ما تم بعد ذلك.
الابتعاث والتعلم عن بعد
• كنتم ضمن 21 طالبا في اول دفعة يبتعث فيها حاصلون على القسم الادبي عام 1961 .. لماذا كان الابتعاث مقتصرا على خريجي القسم العلمي حتى ذلك التاريخ ؟ وكيف ترون برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي ؟
•• كنت ضمن الدفعة الأولى من خريجي القسم الأدبي التي ابتعثت إلى أمريكا إذ كانت الدفعات السابقة إلى تلك البلاد تقتصر على خريجي القسم العلمي تلبية للاحتياجات الملحة للتخصصات العلمية والهندسية ووجه خريجو القسم الأدبي إلى مصر ولبنان ولم تتبد الحاجة إلى ابتعاثهم إلى أمريكا إلا فيما بعد.
وأرى أن قيمة الابتعاث لا تقتصر على التعليم ولكن أيضا التثقف باكتساب العادات الحميدة للمجتمعات التي استقبلت الطلاب في جوانب عديدة أهمها احترام الوقت والانضباط في السلوك. لذا فإن التعلم عن بعد لا يحقق الاستفادة القصوى من الابتعاث.
أدرت الجامعة بعلم النفس
• حصلت على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في علم النفس .. ألم تجد صعوبة في إدارة جامعة للبترول والمعادن؟
•• تخصصي في علم النفس أفادني كثيرا في إدارة الجامعة لأني ركزت في ذلك التخصص على علم النفس السلوكي الذي اكتسبت منه وفيه مهارات التحكم في السلوك. وعندما درست مادة السلوك في المنظمات في مرحلة الدراسات العليا ركزت على مهارات التحكم في السلوكيات المستقاة من علم النفس السلوكي من أجل تحقيق الانضباط في سلوك منسوبي الجامعة من الطلبة والعاملين.
الأمل في الأمير عبدالعزيز
• ما الذي كان يميز جامعة الملك فهد للبترول والمعادن عن غيرها من الجامعات ؟ وهل هذا التمايز لا يزال قائما؟
•• هناك اثنان لهما الباع الأطول في تحقيق تميز الجامعة, الأول هو أحمد زكي يماني الذي ساهم بتوجيه من الملك فيصل رحمه الله في خلق البيئة القانونية التي مكنتها من التفرد والانطلاق الحر ومن ثم التميز. أما الثاني فكان الدكتور صالح أمبة الذي رسم استراتيجيتها وخلق بيئة إدارية استفادت كثيرا من المرونة القانونية لنظامها ومن ثم تحققت انطلاقتها وتميزها. ولكن الحسد من محيطها والتصرفات الخاطئة والمتعالية من داخلها أدى إلى إلغاء نظامها الفريد. ولنا أمل كبير الآن في وجود ابنها البار صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان رئيسا لمجلس أمنائها في أن يحافظ على تميزها ويطوره.
لهذا طالبت بإلغاء مكافآت الطلاب
• كنت من بين المنادين بوقف صرف مكافآت طلاب الجامعات وتخصيصها لمن لم يحالفه دخول الجامعة بسبب درجة او اثنتين .. لماذا؟
•• لم يكن هناك منادون بإيقاف صرف المكافآت لطلاب الجامعات بل كنت آنذاك الوحيد الذي نادى بذلك والذي دعاني إلى ذلك هو القصور المتفاقم في الميزانية الذي أدى إلى تحجيم القبول في الجامعة. وقد كان المبلغ المخصص لهذه المكافآت من الضخامة بحيث يغطي ميزانيات متكاملة لعدة جامعات ومن ثم أتى اقتراحي ذلك لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من المتقدمين للقبول وإنشاء جامعات جديدة لهذا الغرض وهو ما تحقق فيما بعد بترشيد تلك المكافآت.
لم يحدث
• هل صحيح انه في عهدكم تم تحجيم عدد من القيادات الإدارية والتعليمية بالجامعة ؟
•• حسب علمي فإني حظيت ولله الحمد بسمعة حسنة لدى العاملين في الجامعة ولا أعرف أني قمت بتحجيم أي من القيادات المؤهلة في الجامعة.
استقلالية الجامعات
• طالبت قبل نحو عشر سنوات بأن تكون الجامعات جهات مستقلة تدار من قبل المسؤولين عنها بالتعاون مع الجهات المستفيدة منها وألا تكون لوزارة المالية سلطة في تعيين اعضاء هيئة التدريس بها .. ما حيثيات هذا الطلب في حينه ؟ وكيف ترى الآن نظام استقلال الجامعات؟
•• النظام الجديد للجامعات طبق إلى حد كبير اقتراحاتي في كتابي «التعليم العالي: ماله وما عليه» بخصوص استقلالية الجامعات وسبل إدارتها.
الكراسي والمحيط الجامعي
• عملتم على انشاء الكراسي العلمية في الجامعة .. هل نجحت هذه الخطوة في تهيئة البيئة العلمية والبحثية ؟ وهل دعمت روح الابتكار كما أريد لها ؟
•• بالنسبة للكراسي والرحبات العلمية فقد كان هدفي منهما هو تكثيف التواصل بين الجامعة ومحيطها وقد تركت الجامعة وهاتان الفكرتان في مراحلهما الأولى ولذلك لا أعرف عن وضعهما الحالي.