الإقتصاد

التقدم الرقمي يحقق نجاحات مستدامة

قبل أن تخيّم تداعيات “فيروس كورونا” على واقع حياتنا اليومية، كانت التغييرات الأساسية المدفوعة بالتكنولوجيا الرقمية بالفعل تزعزع وتحدث تحولات ملحوظة عبر جميع القطاعات حول العالم. وفي الحقيقة، سواءً تعلق الأمر بالرعاية الصحية، أو الطاقة، أو الاتصالات، أو العقارات، أو النقل، فإن التغيرات التي شهدتها السنوات الخمس الماضية كانت أكثر بكثير مما حدث في العقدين أو الثلاثة عقود التي سبقت ذلك – ومن المتوقع أن تزداد وتيرة هذا التغيير.
وبالنسبة للمؤسسات بمختلف أحجامها ومجالات أعمالها، فإنها تحتاج – وعلى نحو ضروري – لاتخاذ إجراءات من شقين: أولاً، من الضروري تحويل التركيز من تطوير الإستراتيجية إلى تحديد وبناء القدرات/الكفاءات المناسبة للقطاع. وهنا يعتمد وضع الاستراتيجيات على الفرضية والتكهنات والتنبؤ. وعلى النقيض من ذلك، فإن بناء القدرات المناسبة – داخلياً ومن خلال الشراكات – من شأنه تعزيز مرونة الشركات وقدرتها على مواكبة المتطلبات التي قد تنشأ مستقبلاً.

ثانياً، يجب على الشركات إعادة التفكير في كيفية اتخاذ القرارات، إذ لطالما أدت إجراءات التسلسل الهرمي إلى حصر عملية صنع القرار بيد كبار الرؤساء والمديرين، ولكن في سياق التغيير المستمر، لم يعد هذا النموذج مناسباً للمرحلة الحالية والقادمة. فالمؤسسات التي تمكنت من الصمود – بل الازدهار – خلال جائحة كوفيد – 19 هي تلك التي عملت على تعزيز قدرة موظفيها على اتخاذ القرار. والمنطق يقول: الموظفون ذوو المستوى الأدنى هم الأقرب إلى السوق، لذا فإن تمكينهم من اتخاذ القرارات يعني أن الشركة يمكن أن تتفاعل بشكل أسرع مع متطلبات المستهلكين.
وبالطبع، لم تكن هذه الاحتياجات وليدة مرحلة الجائحة – على الرغم من أنها سرّعت الحاجة وجعلتها أكثر إلحاحاً، وبالنسبة للشركات التي تختار تحسين قدراتها الرقمية وتعزيزها، فمن الممكن جداً أن تحقق نتائج تحولية حقيقية. وبلا شك تساهم الرقمنة في تعزيز إمكانات الشركات وتحسينها لخلق مزايا إضافية للأعمال بنسبة 30٪ إلى 40٪ من الاستثمار نفسه. وسواء تعلق الأمر بتطبيقات مشاركة الرحلات أو توصيل الوجبات الجاهزة عبر الإنترنت أو الخدمات الصحية الرقمية، فقد تغيرت الطريقة التي نعيش ونعمل بها، مع آثار واضحة على مجموعة كاملة من القطاعات. وبالفعل، تتعامل شركات النقل اليوم مع عدد أكبر من المسافرين بنسبة 50٪؛ كما تقوم المطاعم بإعداد وجبات وقوائم طعام مضاعفة، بينما تخدم المستشفيات عدد أكبر من المرضى بنسبة 30٪.

ومع ذلك، فإن عملية تعزيز هذه الإمكانات ليست بالأمر الهين. وبينما تواجه الشركات العديد من التحديات المتعلقة بالرقمنة وتغييرات ما بعد الجائحة، يمكن للاستشاريين الإداريين المساهمة في دعم الشركات في رحلاتها نحو العصر الرقمي.
ومن خلال الحصول على الدعم المناسب، ستتمكن الشركات من تكثيف قدراتها وإحداث التحولات المطلوبة في نماذج أعمالها. وعلى الرغم من الصعوبات والاضطرابات التي شهدها العام الماضي، فقد كان هناك جانب إيجابي يتمثل في أن 10٪ إلى 20٪ فقط من الإمكانات التي نراها اليوم كانت موجودة قبل الوباء، أما كل ما تبقى فهو إدراك لذلك.
بقلم توماس كوروفيلا
مدير وشريك في “آرثر دي ليتل” الشرق الأوسط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *