ليلة الثلاثين من رمضان الفائت .. طارت ملايين الرسائل عبر وسائط التواصل الاجتماعي في رسالة مضمونها سؤال واحد .. جابوا العيد ؟ !
هذا السؤال جعل شريط الذكريات يدور ويلف في حنايا وجداني وعقلي وقلبي .. هذا السؤال كانت أمي ..رحمة الله عليها .. تردده ليلة العيد المتوقعة .. حيث صوت إطلاق المدافع هو الإعلان الرسمي لثبوت رؤية هلال العيد.
تلك الليلة .. تخيلت أمي بل شاهدتها بعيني وهي تضع اللمسات الأخيرة في تزيين المنزل البسيط ..المكون من مجلس وصفة .. كي تظهره بطابع جميل آخر غير الذي تعودنا عليه .. حيث كانت تقلب مفارش البيت على وجهها طوال شهر رمضان ثم تعيدها الى وضعها الطبيعي ليلة العيد حتى يكون للمنزل طلعة وطلة بهية جديدة.
كانت تقضي تلك الليلة في المطبخ لإعداد طعام لأربعة أيام العيد .. التي تغلق فيها المحلات تماما إلا من تنقلات الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء مشيا على الأقدام من حارة إلي حارة .. لتقديم تهاني العيد.
تلك الليلة .. كانت تتجلى فيها بساطة أمي .. ودبيازة أمي .. وأكل أمي .. ولبس أمي .. بل كنت أرى فرحة أمي في عينيها وهي تعد ملابس وجزمة العيد التي سنرتديهما في اليوم الأول للعيد.
في تلك الليلة كنت أرى وأشاهد بريق عينيها وهي تصنع الفرحة بكل جوارحها ولمساتها وكلماتها دون تكلف أو غلو أو تزلف أو تصنع .. تلك النظرات كانت الصدق بأرقى معانيه في الحب والعطف والحنان والفرحة والوئام الذي يغمر تلك الليلة البسيطة غير المعقدة والمكبلة .. بشوكولاتة وسلوفان باتشي .. وورود أوركيديا .. ومارون جلاسيه الصمدي وثياب بلان ..وغتر وأشمغة دنهل .. وعطور القزاز .. وشرقيات القرشي.
عيد أمي كان بسيطا .. لأنه نابع من الرضا والقناعة بما قسمه الله لنا .. لأن بدائل الحياة وأشيائها كانت محدودة ليس فيها حيرة الاختيار أو الإحساس بالحرمان والنقصان.
وأعود إلى بساطة عيد أمي .. وأحاول أن أسقطه على حياتنا اليوم .. إنها شديدة التعقيد والتكلف .. بالرغم من أننا يمكن أن نعيش ببساطة مطلقة نصنع ونضع بذورها بأنفسنا .. فالحياة السهلة البسيطة تختزل الوقت والجهد والتفكير .. وتجعلنا نركز اهتماماتنا على الأساسيات والضروريات في الحياة كما عاشتها أمي .. فالإسراف في مطالب الكماليات يجعلنا نعيش حياة مرتبكة قاسية يشوبها عدم الرضا وتحرمنا نعمة القناعة.
البساطة في الحياة .. توفر المال والجهد والوقت .. بل تجعلنا نستمتع بما لدينا .. وتزيل الضغوط المالية عن كاهلنا .. بل تجعلنا نعيد ترتيب أمور حياتنا واهتماماتنا وفق أولوياتنا.
البساطة في الحياة .. تجعلنا نرى الواقع على حقيقته وأن الكثير من سلوكياتنا أو تصرفات الآخرين وتعلقهم بالمظاهر الكاذبة .. ما هو إلا مبالغة وتحويل أنماط حياتهم إلي أمور شاذة ومزيفة.
بساطة الحياة تجعلنا نقطة انجذاب لأناس وأصدقاء جدد وحقيقيين لأنهم واقعيون .. ولأن جل إهتمامهم هو العلاقة الصادقة والإهتمام الحقيقي.
يا أصدقائي .. معا نستطيع أن نوازن بين متطلبات أنماط الحياة العصرية الحديثة .. وبين رغباتنا في أن نعيش حياة ملؤها السعادة والبهجة والفرح والسرور الذي نتمناه ونستحقه.