جدة – ياسر بن يوسف
يجمع خبراء الإدارة والاقتصاد والتنمية في جميع أنحاء العالم على أهمية العنصر البشري المدرب والمؤهل في تنفيذ خطط التنمية وبناء الاقتصادات القوية، بل يذهب بعضهم إلى أن الاعتماد على العنصر البشري بات في حكم المؤكد، مؤكدين على أهمية الموارد البشرية المؤهلة والمدربة في تجسيد مختلف الخطط والبرامج والاستراتيجيات، وبدون ذلك لا مجال للحديث عن تحقيق التنمية الشاملة، سواء من جانب الدول والحكومات أو الشركات والمؤسسات بكل مسمياتها وتخصصاتها.
وفي هذا الصدد أكد عدد من المتخصصين والخبراء في المملكة أن الأعوام الماضية شهدت حراكاً تنموياً غير مسبوق لتحقيق مستهدفات الرؤية التي وضعت الإنسان في صدارة أولويات ملحمة البناء والتطوير والتحديث مشيرين إلى أن الاحتفاء بالذكرى الرابعة لبيعة سمو ولي العهد تجديد للولاء والوفاء والوعد الصادق بمواصلة مسيرة التنمية لتحقيق الآمال والتطلعات.
رئيس جامعة الفيصل بالرياض الدكتور محمد بن علي آل هيازع أكد أن هذه المناسبة الغالية علينا جميعًا تأتي والإنجازات تتوالى وفق رؤية طموحة رسمها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمستقبل مشرق للمملكة، مضيفاً:” يقف العالم وقفة احترام وتقدير لقائد ملهم، يقدم فكراً استراتيجياً لصناعة المستقبل، ومواجهة التحديات، منفذاً على أرض الواقع إنجازات جبارة ، لوطن ينافس على الصدارة في شتى المجالات.
وأضاف:” نقطف ثمار خمسة أعوام من الرؤية المباركة اليوم ، وقد فاقت النتائج التوقعات ، راسمة مستقبل الأجيال القادمة المشرق ، واضعة بناء الإنسان في قائمة الأولويات ، تعليم متميز ، جامعات من أفضل جامعات العالم، مستوى عال لجودة الحياة للمواطنين والمقيمين على السواء في كنف المملكة وربوعها الغالية.
وأضاف الدكتور محمد آل هيازع، خلال أربعة أعوام شهدت المملكة قفزات هائلة ، حيث تمت هيكلة العديد من القطاعات الحكومية ورفع مستوى الشفافية والحوكمة والتحول التقني ضمن استراتيجية عمل مستدام وفق الرؤية الوطنية 2030 التي أطلقها ولي العهد لتصبح علامة فارقة في تاريخنا الوطني.
وقال آل هيازع: ” نستذكر في هذه المناسبة الغالية المعاني العظيمة التي انبرى لها سموه بعزيمة القائد المسؤول، فقاد عملية الإصلاح ، وصنع التغيير، وألهم الشباب؛ لتحقيق المستقبل الواعد في مسيرة ازدهار البلاد، في ظل الرعاية والقيادة الحكيمة والتوجيهات السديدة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- أيده الله “.
وأضاف، إن جائحة كورونا كانت شاهداً على بعد نظر القيادة واهتمامها بصحة الإنسان وسلامته وحكمة القيادة في التعامل مع هذه الأزمة العالمية، والتخفيف من آثارها الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والرياضية، فكانت في طليعة دول العالم المتقدم ، حيث اتخذت إجراءات عملية شهد العالم على نجاعتها ، فلم تكن مقلدة بل كانت سباقة في ايجاد الحلول لمعالجة الأزمات بأنواعها، وتحقيق النجاحات التي نعيشها ولله الحمد.
انطلاقة جديدة
وقال رئيس هيئة تقويم التعليم والتدريب الدكتور حسام بن عبد الوهاب زمان إن ذكرى البيعة لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، تجسد مرحلة تاريخية في المملكة، وانطلاقة جديدة نحو المستقبل القائم على الاستثمار في الإنسان بوصفه قوة دافعة في العلم والاقتصاد والثقافة، ومواجهة التحديات التي طالت العالم كله، وابتكار الحلول العصرية التي تناسب الحدث ومكانه وقوته.
وأضاف إن ما شهدته المملكة خلال سنوات البيعة المباركة لسموه، يعد إنجازاً وتفرداً، فالإنجاز لسرعة تنفيذ الفكرة وجعلها حقيقة على أرض الواقع، أما التفرد فلريادة الفكرة، وجِدتها مثل “ذا لاين” ومبادرة سموه، حفظه الله “السعودية الخضراء” والشرق الأوسط الأخضر، وزراعة 50 مليار شجرة في أكبر مشروع تشجيري حول العالم، لحماية كوكب الأرض والبيئة في العالم كله.
وأشار إلى أن المملكة بفضل الله ثم بدعم خادم الحرمين الشريفين، وجهود سمو ولي العهد، تمكنت من تخطي وتجاوز الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا، وتقديم الخدمات الصحية للمواطنين والمقيمين، والأهم من ذلك تقديم الخدمات الطبية لطلاب المدارس الابتدائية أثناء فترات الدراسة، إضافة إلى النجاح المبهر التاريخي للمملكة في استكمال وزارة التعليم لرحلتها رغم الصعوبات، ورغم تعليق الدراسة في كبريات دول العالم، إلا أن الدولة السعودية وقيادتها الحكيمة استكملت المسيرة وأبهرت العالم بمنظومة تقنية رائعة، ساهمت في عبور الأزمة بنجاح كبير، بل أصبحت البنية التقنية السعودية من أهم مقومات البنية التحتية في المملكة بشكل عام.
تأهيل الشباب
من جانبها أكدت فدوى البواردي الكاتبة في مجال التقنية والتخطيط الاستراتيجي أن من عوامل تحقيق الاقتصاد المستدام وجودة الحياة في المملكة، تماشياً مع رؤية 2030، هو تأهيل الشباب وتعزيز قدراتهم وتطويرها لقيادة دفة التنمية الاقتصادية، ويتحقق ذلك من خلال بناء منظومة تعليمية مرنة ترتبط بشكل مباشر مع احتياجات سوق العمل في القطاع الحكومي والخاص، وكذلك إتاحة الوظائف الجيدة وفتح المواقع القيادية أمام الشباب وتوفير فرص التدريب في الداخل والخارج، وتوجد الكثير من الجهود المبذولة بالمملكة في هذا الاتجاه.
وأضافت:” نبدأ بـ “برنامج صندوق الاستثمارات العامة لتطوير الخريجين” وهو مبادرة تطوير عالمية المستوى، بالشراكة مع بعض الجامعات والمراكز التعليمية الرائدة دولياً.
ويهدف البرنامج إلى جذب وتطوير الكفاءات الوطنية لتتواكب مع احتياجات السوق الحالية والمستقبلية، وذلك لتحقيق أحد أهداف صندوق الاستثمارات العامة 2021-2025م وهو بناء قدرات رأس المال البشري في عدة مسارات، تشمل الاستثمار والمالية وإدارة الأعمال والمشاريع والاستشارات والأمن السيبراني وتقنية المعلومات”.
المبادرة الداعمة للتأهيل
وتابعت :” توجد العديد من المبادرات الداعمة التي تقدمها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في مجال تأهيل الشباب للقيادة وتوفير الوظائف الجيدة لهم، واحدى هذه المبادرات إنشاء صندوق تنمية الموارد البشرية “مشروع هدف” لتطوير قيادات المستقبل الشابة الوطنية من منسوبي القطاع الخاص، وتوليهم قيادات المنشآت في المملكة، وذلك بعد تدريبهم على أساسيات القيادة والتميز والابتكار والتوجيه والمتابعة مع خبراء متميزين عالمياً، كما تقدم الوزارة خدمة أخرى وهي “المنصة الوطنية الموحدة للتوظيف” والتي تشتمل على قاعدة بيانات لطالبي العمل في القطاعين العام والخاص، كذلك برنامج “قمم”، وهو مبادرة مدعومة من بعض الشركات المحلية والعالمية الرائدة للبحث عن الطلاب المتميزين وتدريبهم وتطويرهم من قبل قياديين وتنفيذيين في القطاعين العام والخاص. ويحصل الخريجين على وسام تميز، وتُقدم سيرهم المهنية إلى شركات كبرى في المملكة.
مؤسسات رائدة
وقالت البواردي :” ومن الأمثلة على المؤسسات الرائدة تأتي مؤسسة “مسك الخيرية” في المقدمة ، حيث تنص رسالتها على “تحقيق الريادة في البرامج المبتكرة الموجهة للشباب ومؤسسات الشبابية في المملكة السعوديّة ، وذلك من أجل تمكين القادة وروَّاد الأعمال والعلماء من جيل المستقبل”. وتدعم “مسك الخيرية” تمكين الشباب السعودي، من خلال بناء الشراكات مع المنظمات المحلية والعالمية، في مسارات الثقافة والتعليم وريادة الأعمال”.
وتابعت:” ومن أجل تأهيل الشباب لقيادة دفة التنمية، شهدنا توسعاً أفقياً في برامج الابتعاث للوصول إلى فئات جديدة، جنباً إلى جنب مع التوسع العمودي بتقديم تخصصات جديدة للابتعاث مواكبة لاحتياجات سوق العمل، مع الحفاظ على جودة المخرجات، وكمثال على ذلك ما قامت به وزارة الثقافة مؤخراً من برامج ابتعاث في مجالات جديدة بالمملكة ومنها المكتبات والمتاحف والمسرح والتصميم وغيرها.
ودعت البواردي إلى إعادة النظر في جدوى وجدية المخرجات الجامعية كونها تُعد من أساسيات التقدم والازدهار عبر سد الفجوة بين متطلبات سوق العمل ومخرجات وجودة التعليم. وقد صاحب ذلك استحداث تخصصات دراسية جديدة ومنها الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والطاقة المتجددة والمدن الذكية، وكذلك من الخطوات الهامة التي تم اتخاذها هو التطوير النوعي في البحوث العلمية ومهارات التواصل لأعضاء هيئات التدريس .
وخلصت البواردي إلى القول : اختتم مشاركتي بمقولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بأن “التعليم في السعودية هو الركيزة الأساسية التي نحقق بها تطلعات شعبنا نحو التقدم والرقي في العلوم والمعارف”، وبالتالي يتم به تأهيل الشباب لقيادة دفة التنمية.
أهمية التدريب والتأهيل
وفي ذات السياق قال الدكتور عصام خليفة عضو جمعية الاقتصاد السعودي: “لا يمكن بل من سابع المستحيلات أن تدور عجلة التنمية وترتقي وتتقدم الأمم والشعوب وتتحقق الرفاهية الاقتصادية بدون وجود عناصر بشرية مدربة ومؤهلة تأهيلاً علمياً في مختلف التخصصات وعلى وجه الخصوص في جوانب التقنية والتكنولوجيا الحديثة باعتبارهما ركيزتين أساسيتين قامت عليهما الحضارة الغربية الحديثة بكل مخرجاتها من المعرفة والآلات التي ذللت مصاعب الحياة على كوكب الأرض وقربت المسافات وصيرت العالم قرية كونية صغيرة .
قواعد التنمية المستدامة
من جهته قال الاقتصادي طارق المصري : “الحمد لله أننا في المملكة نعيش في هذا العهد الزاهر الذي شهدت فيه بلادنا تأسيس قواعد متينة للتنمية المستدامة بكل محاورها حيث أوجدت بنية تحتية متينة من كهرباء وطرق وجسور وجامعات وكليات ومعاهد تقنية متخصصة وعلى رأسها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، إلى جانب مشاريع الاتصالات الحديثة وشبكة الانترنت التي تعد سرعاتها من بين الأفضل عالمياً ، كل ذلك أثمر عن اتاحة الفرص أمام الشباب السعودي من الجنسين للالتحاق بالجامعات والكليات والمعاهد للحصول على تعليم حديث يغير حياتهم ويمكنهم بالتالي من تغيير وجه الحياة نحو الأفضل وتجويد الحياة على كل شبر من أرضهم باعتبارهم عناصر بشرية لا يمكن الحديث عن حاضر مزدهر ومستقبل أكثر ازدهارا بدون تمكينهم من نيل التعليم والتدريب والتأهيل لقيادة دفة الوطن نحو مستقبل أكثر إشراقاً.