ربما لا يعرف الكثيرون أن الجزيرة العربية الصحراء الجرداء القاحلة حاليًّا التي لا يوجد في بيئتها سوى الرمال الحارقة والشمس الملتهبة معظم شهور العام، كانت في الماضي مروجًا خضراء، وغابات غنيَّة تُروى بالأمطار الغزيرة!! لكن هذا ما يقوله علماء الجيولوجيا حيث كشفت الدراسات العلمية الجيولوجية والأثرية التي أجرتها البعثة السعودية البريطانية (فيها علماء من جامعة أكسفورد) عن أدلة علمية تؤكد مرور جزيرة العرب بفترات مطيرة قبل آلاف السنين؛ مما أدى إلى وجود البحيرات والأنهار والغابات في أنحاء الجزيرة المختلفة، وساعد على نشأة العديد من الحضارات حول هذه الأنهار القديمة.
ويأتي إطلاق سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – لمبادرة “السعودية الخضراء” ليكون مشروعًا رائدًا يُعيد جزيرة العرب إلى سابق عهدها الأخضر المزدهر من خلال زراعة 10 مليارات شجرة، وهذا بالتأكيد سيكون له أثر إيجابي على بيئة ومناخ الجزيرة العربية كلها، فلا شك أنه عندما تتسع مساحة الغطاء النباتي وتزداد الرقعة الخضراء في منطقةٍ ما فإن درجات الحرارة فيها تعتدل بشكل كبير، إذ إن ذلك يُسهم في خفض درجات الحرارة، وخفض معدلات التلوث، ويساعد بإذن الله في تغيير المنظومة البيئية نحو الأفضل، ولا ريب أن بيئة المكان كثيف الأشجار ليست كالبيئة الصحراوية القاحلة!!
ويقول المتخصصون إن زراعة 10 مليارات شجرة في أراضي المملكة العربية السعودية يعادل إعادة تأهيل نحو 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، وهذا يعني زيادة الغطاء النباتي في المملكة، عبر رفع المساحة المغطاة بالأشجار إلى نحو 12 ضعفًا مما هي عليه الآن، وهذا الإنجاز البيئي الضخم يُعد ثورة خضراء بكل معنى الكلمة، سوف تخدم القضايا البيئية ليس فقط على مستوى المملكة وحسب بل على مستوى المنطقة العربية والعالم، وهذا بالقطع سوف يكون له أثره في حماية مناخ كوكب الأرض، ومكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري؛ وذلك لأن الأشجار والنباتات تقوم بتبريد الهواء المحيط بها بشكل طبيعي، كما تُنقي الهواء من جسيمات التلوث الميكروسكوبية الدقيقة، وتؤكد الدراسات العلمية الأهمية البيئية للأشجار في عملية تنظيف الهواء وتنقيته من الملوثات، وترطيبه وتبريده بشكل أفضل وأقل كلفة مقارنةً بوسائل تبريد الهواء الأخرى في المدن الكبرى.
وقد يتساءل البعض: كيف سيتم تأمين المياه اللازمة لزراعة هذا العدد الهائل من الأشجار لاسيما ونحن بلد صحراوي فقير مائيًّا؟ وهذا سؤال جيد ولا شك، لكنه يكشف عن جانب التحدي في شخصية سمو سيدي ولي العهد، فهو يدرك – حفظه الله – أن مبادرة السعودية الخضراء تحتاج إلى كميات غير قليلة من الماء، فضلا عن التحديات التقنية واللوجستية الأخرى لاسيما مع بيئة صحراوية قاحلة، ومن هذه التحديات الحاجة إلى نوعية خاصة من الأشجار المتكيفة مع مناخ المملكة، القادرة على مقاومة الجفاف، وتتحمل درجات الحرارة العالية، والتي تُروى بكميات قليلة من الماء، وقد أعدت المملكة عُدتها للتغلب على هذه التحديات، وسيتم تأمين المياه اللازمة لتنفيذ المبادرة من عدة مصادر، من بينها: مياه الأمطار، ومياه البحر المحلاة، والمياه المعالَجة، كما سيُستفاد من تقنية الاستمطار الصناعي.
أكاديمي وكاتب رأي
GhassanOsailan@