ما أجمل – ونحن مقبلون على شهر رمضان المبارك – أن نتأمل مسألة التغيير!! فلا ريب أن رمضان فرصة كبيرة للتغيير والتحول للأفضل، بل إن الحكمة من فرض الصيام هي تغيير سلوكياتنا وأخلاقياتنا وتحقيق التقوى، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
والتغيير عملية صعبة ولا شك، لكنها ليست مستحيلة، فها نحن في رمضان نخرج عن المألوف ونُغير عادة الجسد وما استقر عليه في تناول الطعام والشراب، ويصاحب التغيير الفردي تغيير جماعي، فالأفراد والأسر والمجتمع كله يغير نمط الحياة المعتاد الذي يسير عليه طوال العام، فيأكل الصائمون في وقت واحد ويمتنعون عن الطعام في وقت واحد، وهذا التشارك الوجداني يؤلف بين القلوب والمشاعر، ويوجد التراحم والتعاطف في المجتمع.
في رمضان تتغير النفس البشرية من الشح والبخل والأنانية رغبةً في نيل الأجر والجزاء من الله تعالى، وهذا التغير الإيجابي ينشر التراحم والتكافل في المجتمع، فيحدث تغير في المنظومة الاجتماعية كلها وتسمو أخلاق المجموع، فيتطهر المجتمع من خبثه ويتخلص من أدرانه التي تراكمت على مدار العام كالأحقاد والمطامع والصراعات، ويعود للمجتمع ترابطه وتسامحه وتكافل أبنائه وتراحمهم.
إن شهر رمضان المبارك فرصة لأن نتعلم التغيير الإيجابي، فكما يُغير كثير من الناس أنفسهم ويقلعون عن المعاصي في رمضان يمكنهم مواصلة هذا بعده، ويمكن أن يترك كل واحد منا العادات السيئة في حياته، ويقلع عن الغيبة والنميمة، والكذب، والإساءة إلى الجيران، وغير ذلك من الآفات الأخلاقية والاجتماعية والأمور السلبية التي ينبغي أن نقلع عنها!!
ويتململ كثير من الناس من صعوبة التغيير ويتعذرون بذرائع وحجج شتى، لكن هذا في الواقع غير صحيح، وحين يقول شخص: إنه لا يمكن أن يتغير، فكلامه خاطئ، يُرسخ طاقة سلبية في أعماق نفسه تمنعه من التغيير، ويمكن لأي إنسان أن يتغير إن أراد، يحتاج فقط إلى امتلاك الإرادة القوية والعزيمة الصلبة لكي يكون قادرًا على تحقيق التغيير الإيجابي، فمع دخول شهر رمضان يتخذ المسلمون قرارا بالتوقف عن تناول الطعام والشراب وفعل سائر المفطرات، وينتهون عنها ويتركونها لأنها صارت من المحرمات الممنوعة في النهار، ويقبلون عليها في الليل لأنها تكون من المباحات، إذن مسألة التغيير تعتمد على اتخاذ القرار وتنفيذه بإرادة قوية وعزيمة صلبة.
إن شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة يتدرب فيها الأفراد والمجتمعات على التغيير إلى الأصلح والأنفع، ومن نِعم الله تعالى على هذه الأمة أنه جعل الصيام يتكرر كل عام، وليس فريضة مرة واحدة في العمر كالحج، وهذا يمنحنا الفرصة لتحقيق التغيير المنشود كلما خبت العزائم أو ضعفت الهمم.
وحتى نستثمر شهر رمضان على النحو الأمثل لابد أن نملأه بالطاعات والصالحات والأعمال الإيجابية النافعة، ولا نهدره في متابعة البرامج والمسلسلات، ويجب علينا أن نُقبل على العبادة ونحرص على مواصلة أعمالنا في شهر رمضان كالمعتاد، أما نومُ نهاره وقضاءُ ليله في تناول الطعام ومتابعة القنوات يُفرِّغ هذا الشهر المبارك من مضمونه.
أكاديمي وكاتب رأي
GhassanOsailan@