البلاد: عبد الهادي المالكي- مها العواودة – أحمد الأحمدي- مرعي عسيري- حمود الزهراني
فوضى تحتاج لتنظيم يشهدها سوق العقار في أعقاب تزايد أعداد المسوقين الوافدين بشكل لافت، والاعتماد على النسخ واللصق لكافة العروض السابحة في فضاء الإنترنت، على أمل الفوز بجزء من عمولة، قد تأتي، أو لا تأتي، فالعملية ليست مكلفة والمسوق المتطفل لن يخسر شيئا..
هكذا بالضبط يبدو سوق العقار في بعض المناطق الطرفية والمخططات الحديثة، التي ارتفعت بشكل كبير بفعل حركة وهمية لا تمثل السعر الحقيقي للمنطقة؛ خاصة في أبحر الشمالية بجدة، على سبيل المثال، فيما جاءت مبررات الارتفاعات غير المعقولة بإشاعات المشاريع؛ حتى تجاوزت أسعار الأراضي البعيدة أسعار أحياء قائمة وسط المدينة، بما فيها الأحياء القريبة من المطار، ومحطات السكك الحديدية. ملاك العقارات منزعجون من عرض أملاكهم دون علمهم ونشرها في مواقع غير منضبطة، وبأسعار لا يعرفون عنها شيئا على الإطلاق، ما يعني فعليًا أن سوق العقار يحتاج لتنظيم يحكم أسعار الأراضي، وفقًا لعقاريين ومواطنين، استطلعت “البلاد” آراءهم حول الفوضى التي يعج بها السوق، بفعل المواقع الإلكترونية التي تسمح للجميع بنشر ما يريدون.
ويرى خبراء عقاريون ومواطنون، أن سوق العقار بحاجة لتنظيم دقيق، لأن ما يحدث الآن يدل على فوضى كبيرة، يتضرر منها ملاك العقارات والمشتري في آن واحد؛ لأن صاحب الأرض ربما يعرض أرضه، أو عقاره مثلًا بمبلغ 500 ألف ريال ليتفاجأ بمضاعفة السعر عبر السماسرة ثلاث مرات أو تزيد، وبالتالي تكون أسعار الأراضي غير حقيقية، مطالبين بالحد من هذه الظاهرة التي يتضرر منها المجتمع.
وفي ظل الفوضى الحالية بسوق العقار، ودخول وافدين في عملية البيع والشراء من وراء حجاب، أكد الخبير الاقتصادي، عضو مجلس الشورى الدكتور فضل بن سعد البوعينين لـ”البلاد”، أن القطاع العقاري من القطاعات التي يمنع عمل غير السعوديين فيها؛ وبالتالي فإن عمل الوافد في القطاع العقاري مخالف للنظام، موضحاً أن القصور الذي تسبب في ظهور سيطرة الوافدين على السوق العقارية؛ سببه عدم تطبيق النظام، وليس قصورًا في التشريع، ما يستوجب قيام الجهات المعنية بمسؤولياتها الرقابية والتنفيذية.
وقال: إن تغلغل الوافدين في السوق لم يحدث بين ليلة وضحاها، بل خلال سنوات مضت حتى باتوا يسيطرون على مفاصل السوق، ويتسببون في أزمة سكانية حقيقية، ما يستوجب العمل على معالجة هذه الظاهرة فورا. وأضاف “تسبب الوافدون في تدمير السوق العقارية وتحويله إلى سوق مضاربة من خلال التلاعب بالأسعار، وتطبيق بيوع ممنوعة نظاما”، مشيرا إلى أنه رغم وجود الأنظمة التكنولوجية المرتبطة بقطاع الإسكان، إلا أن هؤلاء يعملون باستقلالية تامة وبنظام التستر الذي يعتبر من الأنظمة المجرمة محليا. وتابع: “من دون تطبيق النظام وفرض الجزاءات ومحاسبات المقصرين والمخالفين فلن تعالج مشكلة الوافدين في السوق العقارية، فالأنظمة تحترم وتنفذ، وبالتالي الأمر يحتاج إلى تنفيذ صارم وتعزيز للرقابة وتغليظ العقوبة على المخالفين”.
ولفت الدكتور البوعينين، إلى أن القطاع قادر على استيعاب عدد كبير من السعوديين ليس كموظفين فحسب، بل كمستثمرين أيضًا، وهذا يحتاج إلى جهود كبيرة ومراقبة مشددة للقطاع، وتتبع لكل المنخرطين في التسويق العقاري من الوافدين.
وفيما يخص إيهام التجار للناس بارتفاع أسعار العقار، أكد البوعينين أن هذه حيلة تسويقية يستخدمها الوافدون بطريقة خبيثة مضرة بالسوق، وهي جزء من (النجش) الذي نهى عنه الشرع الحنيف وحرمه، منوهاً إلى أن مؤشر الأسعار يجب أن يرتبط بوزارتي العدل والإسكان، لا بتناقل أخبار المسوقين وأعوانهم، أو الوثوق باتصالاتهم المنظمة التي تهدف إلى رفع الأسعار وتضخيمها دون أن يكون هناك تداول حقيقي يعزز تلك القيمة، مؤكدا أهمية الثقافة العقارية لمواجهة هذه الحيل الخبيثة. واستطرد: “مؤشر الأسعار الرسمي يفترض أن يعكس الأسعار الحقيقية للعقار بأنواعه، وأن يكون متاحا، وميسرا الوصول إليه وفهمه”.
أسعار غير حقيقية
أما الخبير العقاري حامد محمد سالم الأحمدي، فيرى أن الأسعار المطروحة حاليًا في سوق العقار أغلبها غير حقيقي بسبب استغلال البعض للمسوقين الوافدين لإيهام المستهلك بأن هناك مشاريع كبيرة ستقام في بعض الأحياء والمخططات، ما يؤدي لارتفاع غير مبرر في سعر العقارات، لافتًا إلى أنه يعمل في هذا المجال لأكثر من 40 عامًا لذلك يتحدث عن دراية بوجود فئات من جنسيات مختلفة، تعمل في سباق على تسويق العقار. وأضاف “ما زاد الطين بلة هو ظهور مواقع التواصل الاجتماعي والوسائل الإلكترونية التي سهلت التسويق، فأصبح الوافدون يروجون للعقارات بأسعار على حسب أمزجتهم، وبالتأكيد من فتح لهم هذا المجال هم بعض ملاك العقار أنفسهم الذين يفضلون التعامل مع الوافدين أكثر من المواطنين (الساعي)”.
وقطع الأحمدي بأن مكاتب عقار كثيرة أقفلت أبوابها بسبب تسليم الملاك عقاراتهم للوافدين، وعندما يسأل الشخص عن صاحب العقار يأتيه الرد بأنه في اجتماع أو أي عذر آخر، بينما هو غير موجود على الإطلاق، ويدير أملاكه أحد الوافدين، ويتحكم في أسعارها وبالتالي لا يمكن للمواطن الوصول إلى مالك العقار بصورة مباشرة، لذلك يحدث التلاعب في الأسعار، وإلا لماذا يكون سعر عقار في وسط المدينة منخفضًا، بينما تجد عقارًا آخر في حي طرفي وأرضه “سبخة” يباع بسعر أعلى ؟
واعتبر الخبير العقاري أسامة بن عبد الجليل فرغلي، أن ما يحدث الآن فوضى بمعنى الكلمة، ولا بد من إيقافها في أسرع وقت، مؤكدا أهمية وضع ضوابط للنشر الإلكتروني في مجال العقار؛ حتى يتوقف العبث الذي يحدث الآن، مشيرًا إلى أن هناك بعض الشركات تعتمد على مسوقين عقاريين بطريقة غير رسمية ما يجعل الأسعار خيالية.
ضوابط تحكم البيع
وقال رجل الأعمال العقاري، مبارك العدوسي: إن السوق العقاري مفتوح ولكن لابد من ضوابط تحكم عملية البيع والشراء، بتحديد أسعار ثابتة في المخططات على حسب مواقعها البعيد منها والقريب، لكي لا يكون هناك مفارقات غريبة في عمليات البيع والشراء، وكل يسعر على حسب هواه.
بينما يرى عضو اللجنة العقاربة بالغرفة التجاربة الصناعية في جدة عوض الدوسي، أن عملية احتكار العقار من بعض التجار، ووافدين في مناطق شمال جدة مثلا (أبحر وخليج سلمان)، وشرق المحافظة حتى عسفان، يجعل أسعار العقار في ارتفاع غير مبرر، كما أن هؤلاء يوهمون المشترين بأن هناك مشاريع كبيرة ستنشأ في هذه المناطق ما يؤدي لارتفاع الأسعار بشكل جنوني، مطالبا الجهات المعنية بالتدخل السريع؛ لإيقاف مثل هذه الممارسات.
ومضى الدوسي قائلًا: “لك أن تتخيل أراضي كانت موجودة قبل 40 سنة بصكوك شرعية وبعضها بوثائق، وكانت تباع لوقت قريب بمبالغ في متناول الجميع من 5 إلى 10 آلاف ريال، والآن يتراوح سعرها ما بين 500 إلى 600 ألف، وأخرى تجاوزت مليون ريال، فضلًا عن أن هناك أراضي طرفية تباع بأسعار أعلى من الموجودة داخل النطاق العمراني، ففي أبحر الشمالية التي تعاني أراضيها من “السبخات” وصل سعر الأراضي إلى مبالغ خرافية بسبب الأوهام التي يبيعها الوافدون للمشترين”، مطالبا بتنظيم حملة على أصحاب مكاتب العقار لضبط الوافدين المشتغلين في بيع العقار بطرق ملتوية. وتابع “لو تم القضاء على هذا العبث سيتمكن المواطن من شراء قطع سكنية بسعر معقول والبناء عليها، وربما لا يكلفه ذلك كله أكثر من 800 ألف ريال”.
إضرار بالسوق
وأكد الخبير العقاري منصور أبو رياش الشريف، أن الوافدين أصبحوا مسوقين لبيع العقار بأساليب تضر البائع والمشتري؛ باعتبار أن مالك العقار قد لايجد مشتريا بسعر عالٍ في ظل حاجته لمبلغ مالي لظرف ما، بينما المشتري هو الآخر يتضرر من الغلاء الكبير لأسعار الأراضي، وربما لا يتحصل على مسكن له حتى تضيع الأموال من بين يديه، لهذا لابد من إيجاد حل مثالي للممارسات الجارية حاليا، بإيقاف استغلال المسوقين وتحديد أسعار العقارات وفقا لقرب المكان أو بعده من وسط المدينة، وجودة خدماته.
أما عضو النادي العقاري بالمنطقة الشرقية بندر علي الفليت، والمهتم بالشأن العقاري إبراهيم عيسى، والخبير العقاري سعيد محمد اليزيدي، فقالوا: إن المكاتب العقارية أصبحت الآن مليئة بالعمالة الوافدة غير المؤهلة التي تعمل لحسابها الشخصي، يساعدهم في ذلك بعض المواطنين الذين يوفرون الغطاء القانوني لهم، ما ساهم في ارتفاع أسعار العقارات. وأردفوا “هذا الوضع يحتاج لمعالجة عاجلة لردع المخالفين سواء الوافد أو المواطن”.
ويقول المسوق العقاري موسى علي العسيري: إن التستر موجود من بعض المواطنين على الوافدين، وهو السبب في ارتفاع أسعار العقار في المدن الرئيسة؛ كالرياض، وجدة، ومكة المكرمة، وغيرها من المدن الكبيرة. وتابع: “للأسف حالات التستر تسببت في هزات كثيرة لسوق العقار من ناحية الهبوط أو الارتفاع، ولا بد من إيقاف هذا التلاعب؛ حتى يستقر سوق العقار عند أسعار معقولة، وغير مبالغ فيها”.
ملاك أراضٍ: لابد من وقفة إصلاحية
اعتبر عدد من ملاك الأراضي، أن سوق العقار يحتاج فعليا لوقفه لترتيبه كما ينبغي، عبر تنظيم محكم يخلصهم من العشوائية، مع عدم إهمال رأي أصحاب الشأن، لأن الأمر يحتاج إلى دراسة وافية من قبل مختصين اقتصاديين وعقاريين، ولا يهمل كذلك رأي أصحاب الفكر من ذوي الدخل المحدود؛ لكي تصل الجهات المختصة إلى رؤية عادلة لتوفير سكن لعامة الناس بأسعار معقولة وميسرة، وتوفير أراضٍ زراعية وصناعية للمستثمرين الجادين الفاعلين ليكون السوق عادلاً ومتزناً، طبقا لما ذكره أحد صاحب المخططات والمسوق العقاري المحامي عبد العزيز فؤاد عسيري.
وقال عسيري، إن وجود الوافدين بسوق العقار، يجب أن يقابل بوعي المجتمع لكي لا تتأثر أسعار الأراضي بالمغالاة من جانبهم، معتبرا أن تهافت البعض على القروض السكنية أيضا له أثر سلبي على سوق العقار، خاصة وأن هناك عقارات لا يتعدى سعرها 400 ألف ريال بينما تباع بالتقسيط بمبلغ 1.2 مليون ريال، لذلك لا بد من وقفة إصلاحية تعود بالنفع على محدودي الدخل.
وقال يحي آل عريدان، ورياض حسن سعيد البشيري: إن التحكم في سوق العقار صعب للغاية لأن العرض والطلب غير محكومين بأسعار معينة، وكل شخص يريد تحقيق أرباح عبر عقاراته، لذلك فإن إيجاد تنظيم سيجنب المواطنين جشع البعض.
مكاتب عقار: التسويق العشوائي وأحلام الثراء سبب الأزمات السكنية
أكد أصحاب مكاتب عقارات، أن مشكلة التسويق العقاري العشوائية تضايقهم كثيرًا، بسبب سيطرة العمالة الوافدة على هذا النوع من التسويق الذي يضر بالسوق، مطالبين بتنظيم دقيق يخلصهم من هذه العشوائية.
وقال أبو مالك العتيبي، صاحب مكتب عقار: ما يقوم به الوافدون في سوق العقار مسيء للغاية خصوصا في شمال جدة وبعض المدن الأخرى، فهم يعملون تحت أسماء وهمية، وبعضهم يتستر عليه المواطنين لجني المزيد من الأرباح، وبالتالي يقع الضرر على المشتري، لافتًا إلى أن هناك بعض الوافدين يعملون تحت مظلة بني جلدتهم الحاصلين على الجنسية السعودية منذ زمن بعيد، لذلك نتمنى أن تكون هناك رقابة صارمة لإنهاء هذه الممارسات الضارة. ويوافقه في الرأي علي العلوي في أن التسويق الإلكتروني هو “أس البلاء”، ويتسبب في ارتفاع الأسعار بطريقة غير مبررة، خصوصا في بعض الأحياء الطرفية على حساب وسط المدينة. وأضاف :”نحن كمواطنين أصبحنا غرباء في هذه المهنة بسبب سيطرة الوافدين على سوق العقار بشتى الطرق، كما أن بعض المطورين العقاريين ساعدوا على ذلك، فإذا مر أحدهم بجوار مكتب ورأى داخله “سعودي” فلا يدخله ويبحث عن المكتب الذي يعمل به مقيم بسبب المقابل الضعيف لـ(السمسرة) وهو لا يدري أن الوافد يضاعف له السعر مرتين أو ثلاثة وبالتالي لا يفرق معه مبلغ (السمسرة)”.
ويرى فهد الدغريري، وهو الآخر صاحب مكتب عقار، أن الحاجة باتت عاجلة لمعالجة تشوهات سوق العقار، التي تسببت فيها العمالة الوافدة، لينعم المواطن بأسعار تتناسب والأراضى أو العقارات التي يود شراءها.
“الطرف الثالث” نصب واحتيال
ظهرت في سوق العقار عمليات نصب واحتيال غريبة من نوعها، وفقا لسلامة الزيد، الذي أكد أن أحد معارفه تعرض للتحايل والنصب عندما أراد شراء قطعة أرض.
وروى الزيد الحادثة لـ”البلاد” قائلًا: “أحد معارفي رغب في شراء قطعة أرض، وذهب لمكتب عقار، فأبلغوه أن طلبه موجود، ولكن عليه أن يعود بعد يومين للاتفاق، وبالفعل ذهب لهم في الوقت المحدد، وعرضوا عليه السعر، فأكد لهم أنه لا يملك هذا المبلغ الكبير، فعرضوا عليه شراكة (طرف ثالث)، مع اقتسام الفائدة بعد بيع الأرض مرة أخرى بعد 10 أيام، وبالفعل تم ذلك واتصل مكتب العقار عليه بعد أيام قليلة وأبلغوه بأن لديه مكسب 100 ألف ريال، وسألوه إن كان يريد البيع، فأجابهم بالإيجاب”. وأضاف :”بالفعل تم البيع واستمر الحال على هذا المنوال، ولكن صديقي لا يعرف شريكه ولا يدري كمية الأموال التي يكسبها من بيع هذه الأرض غير أنه ينال نصيبه فقط ويصمت”.
ولفت الزيد إلى أن الأمثلة كثيرة جدا في هذا الشأن، لذلك لابد من المراقبة الدقيقة من قبل الجهات المختصة لسوق العقار، ومعرفة من هو “الطرف الثالث” الذي يستغل المواطنين لتحقيق أرباح كبيرة في حين ربما يمنحهم القليل منها؛ لأنه لا يكشف عن السعر الحقيقي الذي بيعت به الأرض. وتابع :”نحتاج إلى أكثر من جهة لتتبع المشكلات الحقيقة في سوق العقار ومعالجتها لإيقاف التلاعب بأسعار الأراضي والفساد الذي تحاربه الدولة”.
وقال الزيد: إن المضاربات في أسعار الأراضي من قبل الوافدين رفع الأسعار بنسبة 40%، مؤكدًا أن لديه تجربة شخصية عندما أراد شراء أرض لابنته؛ إذ وجدها قبل فترة بمبلغ 600 ألف ريال وبعد فترة وجيزة ارتفعت ذات الأرض إلى مليون ريال، وهو ارتفاع ليس له مبرر غير التلاعب بالأسعار ورفعها لمعدل غير طبيعي، مستغلين الإشاعات حول مشاريع سوق تنشأ في أحد المخططات مثل أبحر الشمالية، وغيرها من الأحياء الأخرى التي تزيد أسعارها بطريقة غريبة.