أن يخصص فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس جانباً رئيسياً من خطبته ليوم الجمعة الماضية 7 رجب 1442هـ (19 فبراير 2021) للحديث عن شؤون وشجون المتقاعدين فذلك مؤشر مهم على أن هموم المتقاعدين بلغت ذروتها، وأن حاجاتهم واحتياجاتهم بلغت قمتها، وأنه صار من حقهم أن يعاد النظر في الأنظمة التي تنظّم حقوقهم وترفع مكانتهم الاجتماعية.. وأن يحذر فضيلته في خطبة الحرم من الزراية بالمتقاعدين فذلك تحذير يفترض أن يؤخذ على محمل الجد.. (الزراية تعني تحقيرهم والسخرية منهم، والتقليل من شأنهم)..
لن تعيد للمتقاعد حقوقه بيانات دعاية وتوضيح، ولا تغريدات رفض وعدم قبول.. ما يعيد للمتقاعد معنوية مرتفعة هي أنظمة ترفع من قيمته وتُعلي شأنه في مجتمعه.. أنظمة لا تجعله محل سخرية ومحط نكتة.. أنظمة تمنحه مادياً ومعنوياً حقوقاً أفنى عمره منتظراً إياها قبل أن يتقاعد.. لك أن تتخيل أن هناك من يتردد أن يُطلق عليه لفظة متقاعد، وينفر من هذه التسمية، ولا يريد الانضمام لجمعيات المتقاعدين.. فلماذا؟ على الجهات المعنية أن تُجري مناقشات مستفيضة لمعرفة كيف تكونت الصورة النمطية السلبية عن التقاعد والمتقاعد.. وأن تقترح تعديل الأنظمة لتكون مرحلة التقاعد أمنية ومحل فخر للموظف..
نريد ميزات مادية ومعنوية تجعل المتقاعد يعتز ويفتخر أنه متقاعد، وتجعل سمة التقاعد محل فخر يتمناه كل إنسان وليس هذا بكثير على أناس خدموا مواطنيهم وأفنوا أعمارهم في خدمة وطنهم.. وإن قيل إنهم كانوا يحصلون على رواتب.. فقد كانت مؤسسة التقاعد تقتطع نسبة من رواتبهم طوال حياتهم الوظيفية وتستثمرها، ومن حقهم أن تعود عليهم عوائد تلك الاستثمارات.. وفي هذا الصدد فلا أقل من أن تستمر آخر علاوة سنوية حصل عليها الموظف قبل تقاعده، ولا أقل من أن يُدرج في التأمين الطبي فيما تبقى من عمره..
وعندما يقرر فضيلة الشيخ السديس في خطبته أنه: لا خير فيمن لا يعرف للسابق فضله، فإنما يقرر حقيقة علينا أن نتوقف عندها.. وعندما يذكّر فضيلته أن الأمم والمجتمعات جعلت للمتقاعدين مؤسسات وجمعيات تعنى بشؤونهم وتتكفل بحقوقهم وتحقق خدماتهم، وعندما يصفهم بأنهم: بيوت خبرة، ومكاتب استشارية متنقلة.. فمرة أخرى يقرر فضيلته حقيقة في حق المتقاعدين لعلها تجد من يتبنى إعادة النظر في كل شؤون وشجون المتقاعدين.. وكما يقال الوفاء من أهل الوفاء، والمتقاعدون جديرون بالوفاء.
ogaily_wass@