جدة – نجود النهدي – حليمة أحمد
في حراك الحياة ثمة آهات مكتومة لنسوة جارت عليهن السنين بسبب طمع الازواج الذين يبادرون بهدم عش الزوجية بدافع الطمع، حيث يكشر الرجل عن أنيابه وتظهر حقيقته حينما يتعلق الأمر بالمال ،واجمعت عدد من الزوجات أن الطمع خرب بيوتهن، موضحات أن الرجل حينما يبدأ بطلب الاستحواذ على مخصصات زوجته المالية تبدأ المشكلات بين الزوجين، وحينما تحرم المرأة من التصرف في مرتبها أو إرثها فإن بعض الرجال يبادرون إلى طلاق الزوجة. “البلاد” التقت بعدد من النساء واستمعت إلى قصص كثيرة لاستغلال بعض الازواج لزوجاتهم المطلقات أو الموظفات ، إنها قصص من صميم الواقع ترويها بعض ضحايا استغلال الأزواج ، كما استعانت “البلاد” بالرأي القانوني والاجتماعي والديني في مثل هذه المسائل وجاءت الحيثيات أنه اذا ثبت وجود استغلال فعلا فقد يتم تكييف الفعل على أنه إيذاء، ويطبق عليه أحكام نظام الحماية من الايذاء.
في كل مرة يصرّ زوج «ع» التي تعمل معلمة في إحدى المدارس الحكومية أن يبتزها ويلح لأخذ قرض جديد باسمها من البنك؛ لمواجهة الضغوطات المادية ، كما يدعي ، وتشعر أنها أمام كائن لا يشبع من المال أبداً، ومخلوق هدفه الوحيد في الحياة أن يبتزها ماديا وعندما ترفض ذلك يمنعها من الخروج إلى عملها ويهددها بالطلاق، حتى تجد نفسها مجبرة على تنفيذ رغباته والخضوع إلى ابتزازه، وتخضع لتستمر الحياة الزوجية بينهما والتي أثمرت عن بنتين ولا تريد أن تكونا ضحية جشع والدهما المادي.
وتتحدث عن معاناتها «آ» احدى السيدات المطلقات وفي ذات الوقت هي موظفة مبيعات في أحد محلات مستحضرات التجميل الشهيرة، بقولها: لم أكن أعمل أثناء فترة زواجي وأنجبت ولدين وبعد الطلاق قدمت على الضمان الاجتماعي لمساعدة المطلقات، ولكن المبلغ الشهري من الضمان لا يكفي الحاجه وبالتالي بحثت عن وظيفة براتب مجزٍ ووفقني الله بها، ولأن حضانة الأولاد معي طالبت الاب بدفع النفقة الا انه لم يلتزم بها شهريا رغم أن النفقة مبلغها رمزي جدا، وكان رده صادما حيث قال لي لست في حاجة النفقة بما إنك موظفه وراتبك جيد جدا، وقمت بتهديده بأنني سأرفع دعوة نفقه في المحكمة ولكنه كان واثقا أنني لن أكسبها حيث أنه لا يمتلك وظيفة وعمله حر وليس هناك إثبات عن دخله المادي وأنه سيوضح للقاضي في المحكمة أن ليس له مصدر دخل من وظيفه ما.
كسل الزوج
وتأتي القصة الأخرى مع احدى السيدات التي طلبت الاحتفاظ باسمها قائلة: زوجي استقال من عمله منذ فترة ويعاني من الكسل الشديد وأصبح يعتمد على راتبي في دفع ايجار البيت ومصاريف الأبناء وكلما نصحني أهلي بالطلاق أعود لأفكر في مصير أبنائي مع رجل مهمل ليس له رغبه في العمل، ومع الإصرار على أن يبحث عن عمل وحجته في كل مرة ليس هناك وظائف متوفرة ، طلب مني في يوم أن أقترض مبلغا من البنك لشراء سيارة لكي يعمل عليها في إحدى تطبيقات التوصيل ” أوبر وكريم” وأنه سيقوم بتسديد الأقساط بنفسه ، ولكن كان عدم التزامه بوعوده مأساة بالنسبة لي حيث تم ايقاف خدماتي وتجميد حسابي البنكي وتراكمت الديون على كاهلي وأصبحت الآن في وجه المدفع.
توثيق مالي
وعلى ضوء تلك الحالات ذكرت المحامية “أبرار شاكر” عن وجهة النظر القانونية في ذلك وعقوبتها؛ بدايةً يجب أن نعلم بأن الشريعة الإسلامية كفلت للزوجين حقوقاَ، ورتبت واجبات على كل منهما؛ فتعد النفقة من أبرز حقوق الزوجة، والنفقة تشمل: المأكل، والمشرب والمسكن، والكسوة، وليس ذلك فحسب، بل أن الزوج ملزم بالإنفاق على أبنائه لحين يصبحون قادرين على الكسب. والقاعدة في تحديد معيار النفقة سعة المنفق، وحاجة المنفق عليه. وعمل المرأة أو التحاقها بوظيفة، أو ملاءتها المالية، لا يسقط عنها حقها في النفقة، ولا حتى عن أبنائها.
أما إذا تم الطلاق بينهما فالنفقة تستمر على الزوجة لحين انتهائها من فترة العدة في حال كان الطلاق رجعياَ، وتستمر النفقة على الأبناء بكل تأكيد في كل الأحوال، فتستطيع الأم الحاضنة مطالبة طليقها بنفقة الأبناء من مأكل ومشرب وكسوة، حتى إن كانت عاملة أو موظفة. وإن كانت تقيم في سكن مستأجر مع أولادها فتستطيع المطالبة بنفقة “أجرة سكن” ويتم تحديدها قضائياَ بأجرة المثل وحسب سعة المنفق، وإن اضطرت أن تنفق على أبنائها تستطيع مطالبة والدهم بشرط توافر نية الرجوع عليه بالمبالغ.
الإحساس بالمسؤولية
وتضيف المحامية أبرار بقولها :لكن بشكل عام الحياة لم تعد كالسابق فالواجب الاجتماعي وإحساس المسؤولية يقضي بأن تكون هناك مشاركة بين الزوجين حتى بعد الانفصال.
وأضافت أن الاستغلال المالي بين الزوجين ليس ظاهرة، وغالباً حصوله مرتبط بسوء نية أحد الأطراف، بالإضافة لغياب ثقافة توثيق الحقوق بين الأطراف، فتقوم الزوجة بإقراض زوجها مثلاً دون توثيق حقها، أو أن تقوم بمساعدته في بناء أو تأثيث بيت الزوجية دون توثيق ما قامت بدفعه، أو تقوم مثلاً بشراء سيارة عبر تمويل شخصي باسمها بناء على طلب زوجها.
عموماً إذا ثبت وجود استغلال فعلاً فقد يتم تكييف الفعل على أنه إيذاء، ويطبق عليه أحكام نظام الحماية من الايذاء، والجدير بالذكر أن الاستغلال بين أفراد الأسرة الواحدة من قبل الأب أو من له سلطة يعد إيذاءً، كما أن امتناع الزوج أو تقصيره في الوفاء بواجباته أو التزاماته في توفير الحاجات الأساسية لأفراد أسرته يعتبر أيضاً إيذاءً يستوجب العقوبة النظامية التي تم تحديدها بالسجن ما بين شهر إلى سنة، أو بغرامة مالية ما بين خمسة آلاف ريال إلى خمسين ألف ريال، أو بأحد تلك العقوبتين.
وللمعلومية العكس أيضاً موجود، فاستغلال بعض الزوجات لأزواجهن موجود أيضاً، كأن تقوم بالحصول على رضاوة مثلاً ثم تطلب فسخ عقد النكاح، وما إلى ذلك.
ولتفادي الاستغلال المالي، أوصي بتوثيق العمليات المالية بين الزوجين، وذلك ليس حفظاَ لحقوقهما فقط، بل حفظاَ لحقوق الأبناء والورثة بعد عمر طويل.
كما أكدت المحامية ياسمين الرميخاني قائلة: بالنسبة لـمسألة أن الرجال يستغلون المطلقات ماديًا كونها مكتفية ماديًا بوظيفة أو لديها تركة أياً كان لديها ،نعم هذا الشيء حاصل ووارد ولكن الشيء الذي يجب أن يعلم به الجميع إذا كان لهذه المطلقة نفقة على الزوج أو نفقة سابقة مستحقة او نفقة مثلا فترة العدة أو نفقة متعة كل هذه الأمور لا تسقط بكونها مكتفية ماديا أو أنها موظفة، وإن كان هناك أطفال فكونها موظفة او لديها مال فلا يلزمها النفقة على الأبناء شرعا إطلاقا حسب إجماع الفقهاء إلا في حالة واحدة وليست بالإجبار، وأحيانا يتم الاستغلال لجهل المرأة ، ولضعفها، لعدم قدرتها على اتخاذ إجراء قانوني، أيضًا لا شك أن أحد الأسباب تفشي هذا الاستغلال أحيانا جهل الرجل بواجبه الشرعي في النفقة ومنهم يعلم الشرع ولكن لا يعلم أن هناك إجراءات قانونية أو وجود تعديلات في الإجراءات أصبحت الآن تُعطي المرأة حقها كاملاً وتثبت إثباتا قانونيا بصكوك تنفيذية.
تراكمات أسرية
من الجانب الاجتماعي يوضح الأخصائي الاجتماعي ومعالج الإدمان الدكتور “حمدان الغامدي” قائلا: تعتبر ظاهرة عدم صرف الازواج على زوجاتهم نتيجة لأنها موظفة أو مطلقة وحيث أن نفقة الأبناء تعود بالدرجة الأولى على الاب وبسبب بعض التراكمات الأسرية والمشاكل العائلية التي تحدث بين الزوج والزوجة فإن ذلك يؤدي لعدم التنسيق فيما بينهم مما يضعف التوافق والوئام.. فعدم رغبة الزوج في عمل الزوجة يعود إلى أنه أقل منها في المستوى التعليمي أحيانا ما يشعره بالنقص وبذلك فإن عملية التحكم في نوعية تفكير الزوج لهذا الجانب تبدو قاصرة وضعيفة مما يؤدي لعدم قدرته على مواكبة المرحلة الزواجية.. ويدخل من ضمنها اشتراطات العمل وفق مقابل وهو جزء من راتب الزوجة لأنها تقضي جزءاً من وقتها خارج المنزل.. وهذا فيه نوع من الابتزاز وعدم التوافق الأسري أيضا قد يكون أحد الأسباب هو تدني راتب الزوج أو أنه بلا عمل وبالتالي فإن كل هذه التفاصيل تعتبر أسبابا رئيسية في عملية انتشار هذه المشاكل ولا زلت أسميها في إطار مسمى “المشاك ” لا تعد ظاهرة، ولكن متى ما ظهرت وأصبحت بشكل متفشٍ أعتقد انها انتقلت إلى مرحلة الظاهرة وهذا الأمر يحتاج أحيانا إلى أن يكون فيه نوع من تدخل بعض الشخصيات التي تعمل توافقا أسريا بين الزوج وزوجته إما برضا الزوج أو رضا الزوجة شخص يتفق عليه الطرفان.
نفقة الزوجة
ومن الناحية الدينية أوضح الدكتور” عبدالرحمن الرفدي” عميد كلية التربية بجامعة الأمير سطام بمحافظة الخرج؛ عن الرأي الشرعي في قضية الاستغلال؛ أوضح بقوله: إن نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والاجماع، أما ما يتعلق بالمرأة العاملة الموظفة المكتسبة، ولها راتب أو مدخول مالي عن طريق تجارة أو مهنة، وسمح لها زوجها بالعمل أو التجارة أو نحو ذلك من الأعمال المناسبة لها- فإن كانت قد اشترطت عليه في عقد الزواج أن يسمح لها بالعمل ومعاشها لها، فعليه أن يقوم بواجبها من جهة النفقة الزوجية، لأنه قد دخل بها، وأصبحت زوجته، وهو على علم وعلى شرط، والمسلمون على شروطهم، وعليها أن تقوم بالواجب إذا جاءت من الدراسة تقوم بواجب البيت وواجب الزوج، وهو يقوم بالواجب المنوط به كزوج، ويتعاونا على البر والتقوى.
وإذا لم تكن قد اشترطت على زوجها شيئًا في عقد الزواج، ثم تنازعا في مسألة النفقة والراتب، فالمحكمة تفصل بينهما، وإذا اتفقا على أنها تعطيه نصف الراتب أو الراتب كله أو ربع الراتب بسبب سماحه لها بالعمل؛ فهذا شيء بينهما إذا اتفقا على شيء فلا بأس، وإن تنازعا فالمحاكم تفصل النزاع أو بعض العقلاء من الأقارب أو من أهل الرأي يتوسط بينهما ويصلح بينهما حتى لا يترافعا إلى المحاكم. والله أعلم.
خلل الشخصية
وأكد الكاتب والمستشار النفسي الأسري والسلوكي” عبده الأسمري” أن استغلال الزوج لراتب زوجته يعكس خللا في شخصيته واختلال في سلوكه.. واعتلالا في تعامله.. فالشرع الحنيف وجه بأن يكون الزوج مسؤولا عن زوجته وابنائه ومصاريفهم.. وأن يوفر لهم كل متطلبات المسكن والملبس والمأكل والمشرب وغيرها من الاحتياجات.
واستغلال مال الزوجة سلوك مشين لا يتوافق مع السلوك القويم لأن الزوج مكلف بحقوق المصاريف لأهل بيته.. ويعكس سلوك استغلال الشخصية المستغلة والمتعدية على حقوق الاخرين وينم عن “أنانية ” و”بخل ” و”جشع ” و”طمع “والظاهر سلوك الاستغلال ولكن بتحليل لهذا السلوك ستظهر الكثير من السلوكيات الفرعية السلبية التي تبرز شخصية الزوج المستغل.
والأدهى والأمر من ذلك أن الاستغلال احيانا يأتي من باب الحيل والخداع والاحتيال وهذا سلوك سلبي متفرع من السلوك الرئيسي وهو سلوك الاستغلال وقد يؤدي ذلك – والقصص كثيرة جدا- الى حدوث حالات طلاق والشواهد في المجتمع كثيرة ومتعددة بسبب اكتشاف حيل الزوج في الاستغلال أو أن الزوجة ضاقت ذرعاً بتصرفات الزوج وطالبته بالتغير او توقف السلوك ولم يفعل وقد ينتقل الامر ليكون شائعاً بين الأبناء مما يهز الثقة بين الأب والأبناء مستقبلا من خلال الكشف عن شخصية الأب المستغل وهذا يسبب فجوة اجتماعية وهوة نفسية بين أفراد الأسرة ولربما انتقلت المشكلة إلى أطراف أوسع لتمتد إلى عائلة الزوج والزوجة مما قد يوسع حدة الخلاف وايضا يشيع النظرة السلبية التي سيظهرها هذا الزوج جراء سلوكياته الخاطئة ..وليس ذلك فحسب فان شيوع مثل هذا التصرف قد يؤدي ومن خلال انتشار القصص عن هذه النوعيات من الازواج الى احجام العديد من النساء عن الزواج خوفاً من الاستغلال لرواتبهن اضافة الى أن هذا الاستغلال قد ينشئ لدى الزوجة حالة من الخوف على مستقبلها وتفكير مستمر لمواجهة هذا السلوك مما يشوه العلاقة بين الطرفين ويرمي الزوجة في حالات من القلق والتوتر والتفكير الذي لا ينتهي في كيفية التعامل مع هذه الشخصية.
ضغط المجتمع
وذكرت المهتمة بالشؤون الاجتماعية نجاة فران الدواعي والأسباب الاجتماعية في شيوع مثل هذه السيناريوهات بقولها: أولا اسباب اجتماعية: وهذه نتيجة ضغط المجتمع والتقليل من قيمة الزوجة وخلق حياة تنافسية فيها الكثير من فرض السيطرة والقوة هذه الصورة تنتج صراعا مصدره الصورة الذهنية المخزنة في اللاوعي ، فالزوج ينظر لزوجته بدونية تفقدها حتى حق الحياة الكريمة، واحياناً تكون الزوجة هي من لديها هذه النظرة تجاه حقها في ان تاخذ ما يقع على يدها من حقوق الزوج ،كما ان فهم القوامة المغلوط احياناً يخلق تفكيرا مشوها باسم الدين.
ثانياً اسباب نفسية: لها علاقة بضعف الشخصية وعدم الثقة بالنفس والرغبة في اثبات الذات وتغطية الاحساس بالنقص.
ثالثاً اسباب مرضية: وهذه لها علاقة باضطرابات الشخصية واضطراب الاندفاعية والعدوانية تجاه احد الزوجين.
رابعا اسباب قانونية: وهذه تتعلق بالانظمة والقوانين اما نتيجة جهل بالقانون او صعوبة حركة الزوجة للمطالبة بحقوقها وان كان هذا السبب بدأ بالتلاشي نتيجة للاصلاحات الحديثة.