لم يكن حبّنا كعرب للخيل والارتباط بها حديث عهد، فقد توارثنا ذلك جيلًا بعد جيل؛ لما تمثله من رمز للقوة والشجاعة والإقدام والأصالة، مستمدين ذلك من قوله تعالى في كتابه العزيز” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”. ومن قول الرسول الكريم، صلوات الله وسلامه عليه”” الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة”، ومن حث الفاروق عمر بن الخطاب” علموا أولادكم الرماية والسباحة والفروسية”.
كما كان لتغنى شعراء كباربها، وتخليد ذكرها، والمفاخرة بها دور في ذلك، ولعل البيت الشهير لشاعر العربية الكبير أبي الطيب المتنبي..
الخيل والليل والبيداء تعرفني…. والسيف والرمح والقرطاس والقلم.
أحد أهم وأشهر ماقيل في الخيل؛ حيث ظل طوال عقد ونصف يردده كل من يريد أن يعتد بنفسه، أو يفتخر بشجاعته.
كما لا يمكن لكاتب أن يتحدث عن الخيل دون المرور على قول عنترة بن شداد مخاطبًا حبيبته، ومفتخرًا بشجاعته وإقدامه أمامها، عندما قال:
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك…. إن كنت جاهلة بما لم تعلمِ.
ولم ينس مالك بن الريب في رثائه لنفسه عندما أحس بدنو أجله، من ذكر بكاء الخيل عليه، بعد موته بقوله:
تذكرت من يبكي علي فلم أجد…. سوى السيف والرمح الرديني باكيًا.
وأشقر محبــوكًا يجــر عنـــانه إلى…. المـــاء لم يترك له الموت ساقيا.
وهذا يؤكد أن ارتباط الإنسان العربي بالخيل يمثل فخرًا كبيرًا له ودلالة فائقة على شجاعته، فاهتم بتربيتها، وحفظ أسمائها وسلالاتها وأشهر فرسانها.
واليوم ونحن نستعد لانطلاق مهرجان كؤوس الملوك مساء غد الجمعة، وهو المهرجان الذي يؤكد من اسمه، ماتمثله الخيل لدى قادة هذه البلاد المباركة؛ بدءًا من مؤسسها الملك عبدالعزيز- طيب الله ثراه- الذي أولى الخيل عناية كبيرة، وأسس لها ديوانًا كاملًا؛ للعناية بها؛ حيث كانت خيوله من
أجود أنواع الخيول العربية، واسطبله من أكبرها، واستطاع عن طريق امتطاء صهوتها من توحيد هذه البلاد.
كما بدأ نادي الفروسية منذ عهده- طيب الله ثراه- ولكن لم يكن رسميًا؛ حيث كان هناك سباق يقام بين أبناء جلالته، وعلى خيل عربية أصيلة يملكها بعض من أصحاب السمو الأمراء من أبنائه، الذين اهتموا باقتناء الخيل الخاصة بهم ، وشاركوا بها في السباقات منذ ذلك الحين، إلا أن الاهتمام بهذه الرياضة شهد تراجعًا بعض الشيء، مما دعا الملك عبدالله – رحمه الله- الذي يعد الأب الروحي لرياضات الفروسية؛ حيث رأس النادي قرابة نصف قرن من الزمن، عندما كان رئيسًا للحرس الوطني، إلى دعوة محبي الفروسية والمهتمين بالخيل لإنشاء كيان يضم كل محبي الفروسية وسباقات الخيل، وتولى حينها خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أمير منطقة الرياض، آنذاك، التنسيق لتكوين هذا التجمع؛ وفي عام 1965م اكتمل هذا الجهد بإنشاء نادي الفروسية رسميًا بموجب قرار من وزارة العمل والشئون الاجتماعية؛ وصدر الأمر السامي الكريم من الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود حينها بتكليف الأمير عبدالله بن عبدالعزيز برئاسة هذا النادي، وبعد ذلك استمر ملوك هذه البلاد في الاهتمام بهذه الرياضة التراثية بشكل كبير.
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، حفظه الله، دخلت الفروسية السعودية، العالمية من خلال البطولة الأغلى عالمياً” كأس السعودية” بجوائز تتعدى 29.2 مليون دولار في نسختها الأولى، بينما ستصل جوائز النسخة الثانية إلى 30,5 مليون دولار، والتي ستقام الشهر المقبل- حسب ما أكده صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن خالد الفيصل رئيس مجلس إدارة النادي، وهذا خير دليل على تطور هذه الرياضة العريقة الأصيلة.