جدة ـ رانيا الوجيه
في الراهن نجد أن شركات التأمين على اختلاف أنواعها عرضة للاحتيال التأميني، خصوصا عندما نأخذ في الحسبان الإقبال المتزايد على استخدام العمليات الرقمية، والعمل عن بعد بسبب وباء كورونا.
ومن الملاحظ أن قطاع الرعاية الصحية، على وجه الخصوص، قد أصبح في الآونة الأخيرة مستهدفاً بشكل متزايد. الأمر الذي يدعو لاستخدام الذكاء الاصطناعي والتحليلات التي أصبحت ضرورة ملحة ولا غنى عنها، خصوصا أن هناك حالات احتيال ومشاكل في استخدام بطاقات التأمين الطبية التي تصرف من الشركات للموظفين والعمال ، حيث أنه في بعض الأحيان يكون هناك عمل متعمّد من قبل حامل بطاقة التأمين الطبي أو المنشأة المؤمنة أو المستشفيات ومقدمي الخدمة الطبية للحصول على منافع غير مستحقة لهم أو لغيرهم عبر الخداع أو إخفاء مستندات مطلوبة أو تقديم معلومات مغلوطة بشكل متعمد.
وقد تم رصد بعض الأشخاص الذين يقومون بإعطاء بطاقات التأمين الطبي الخاصة بهم لغيرهم سواء ذويهم أو أصدقائهم من مبدأ المساعدة الإنسانية في العلاج، وبالتالي أصدر قرار من مجلس الضمان الصحي باعتماد الهوية الوطنية أو الإقامة عند الذهاب للمستشفيات والعيادات الطبية التي يشملها التأمين للحد من هذه الاحتيالات المتعمدة.
السؤال الذي يطرح نفسه يتمثل في كيفية إيقاف مثل هذا النوع من النصب، حيث أكد مختصون أنه حاليا تم تنفيذ ربط مباشر بين الجهات المعنية ورفع الوثائق لحسم الاثبات الرسمي سواء كانت الهوية الوطنية أو الإقامة، وأنه في حالة ضبط أي حالة احتيال فإنه يتم إيقاف خدمات التأمين فضلا عن تحميل المتسبب تكاليف العلاج نقدا.
وفي الرواية الأولى تعترف احدى السيدات (تحتفظ البلاد باسمها) أنها كانت سابقا في بعض الظروف تعطي كرت التأمين الصحي لأختها لتعالج به طفلها ، باسم ولدها، وعندما أكتشف زوجها الأمر منعها من تكرار هذا الفعل وأوضح لها أنه من الممكن أن يسجل في ملف ابنهما الصحي أمراض لا يعاني منها ، مما يضعهما في مشاكل عديدة هما في غنى عنها .
إلغاء التأمين
أما الحالة الثانية فكانت لموظف يأخذ بطاقة التأمين الصحي من زوجته ويعالج بها والدته، ورغم أن الهدف إنساني إلا أنه لا يجوز قانونيا كونه يقع تحت عقوبة عمليات النصب والاحتيال. وعندما تم الكشف عن هوية الزوجة أثبتت إدارة الموافقات الطبية أن حاملة الكرت الصحي ليست صاحبة الهوية الحقيقية وتم الغاء التأمين ودفع جميع تكاليف العلاج نقدا.
إيقاف الخدمة
(البلاد) تواصلت مع احد المستشفيات الخاصة للتعرف على بعض سيناريوهات الاحتيال بالبطاقات الصحية حيث قال مدير الموافقات الطبية في المستشفى الدكتور عادل السرحي: نعم هناك حالات تم الكشف عن هويتها وبالتالي نعتمد على آلية طلب الهوية مع الكرت الصحي للتأكد من البيانات ، واذا كانت المريضة منقبة تقوم الممرضة بالكشف عنها والتأكد من أنها نفس الشخص حامل الهوية والكرت الصحي، وعندما يتم رفع طلب لشركات التأمين عادة تلك الشركات تفعل رقم المريض الشخصي .. وحالات التحايل واستخدام كرت التأمين لشخص آخر تم رصدها وكان الاجراء بتبليغ شركة التأمين وإيقاف الخدمة وإلغاء البطاقة فورا، وعلى المريض المتحايل أن يدفع تكاليف الكشف والعلاج نقدا.
ربط مباشر
عثمان القصبي المدير التنفيذي للتمكين والإشراف في مجلس الضمان الصحي قال : تعتبر بطاقة التأمين إثباتا ان للشخص تأمينا صحيا، وحاليا تم تنفيذ ربط مباشر بين الجهات المعنية ويتم رفع الوثائق لحسم الاثبات الرسمي سواء كانت الهوية الوطنية أو الإقامة، وهذا الإجراء يمكن أولا من القضاء على عمليات الاحتيال مثل ان تكون هناك شركات أو مؤسسات تستخرج تأمينا صحيا لموظفيها دون أن يحصلوا على بطاقات التأمين حيث يتم إبلاغهم بهدف التقليل من استخدام التأمين، إما بشكل متعمد أو غير متعمد وبهذه الإجراءات أيضا نضمن حق أي شخص مسجل في التأمينات الاجتماعية حسب المادة رقم 14، والذي ينص على أن يأمن أرباب العمل على موظفيهم، ونتطلع في المستقبل أن يكون هناك ربط مع منصة التعاملات الصحية “النفيس ” في إطار التحول الرقمي للقطاع الصحي في المملكة وتحقيقًا لإحدى أهداف رؤية المملكة ٢٠٣٠، يقوم المجلس بالعمل على منصة نفيس بالتعاون مع المركز الوطني للمعلومات الصحية، وهي منصة تعنى بتسهيل تبادل المعلومات، الصحية للمرضى ومشاركة البيانات المالية والإدارية والتي ستوفر الرؤية والشفافية لجميع المستفيدين.
أما بالنسبة لبعض المستشفيات التي لا تتأكد من هوية المريض وتكتفي فقط بالاطلاع على بطاقة التأمين ، هذا الاجراء يعتبر مخالفا لنظام التأمين الصحي، لذلك تم التعميم على جميع المستشفيات والمؤمن لهم أن تطلب وجود كرت التأمين الا بعد التأكد من الهوية وصاحبها.
تعويض عن الأضرار
وفيما يتعلق بالرأي القانوني أوضح المحامي سليمان الحلواني بقوله: من المقرر في أنظمة التأمين الصحي أن يحصل المستفيد على المنفعة” الخدمات الصحية ” مقابل مبلغ الاشتراك الذي يدفع’ أو تدفعه نيابة عنه الشركة أو المؤسسة (صاحب العمل بوجه عام) التي يعمل لديها.
وعليه فحصول شخص غير المشترك على الخدمة يوجب الرجوع عليه بمقابل الخدمة التي تلقاها ويجوز لشركة التأمين أن تطالب المشترك بتعويض عن الأضرار التي لحقتها بسبب سماحه لشخص من الغير باستخدام بطاقته. ولكن هناك إشكالية في كيفية إثبات مثل تلك الوقائع خاصة وأن الموظفين العاملين بالمستشفيات لهم دور كبير في ذلك لأن أولى واجباتهم هو التحقق من أن طالب الخدمة الصحية هو نفس الشخص ففي بطاقة التأمين وكان هذا مكمن الصعوبة في إثبات تلك المخالفات على مدار سنوات خاصة وأن المستشفيات من مصلحتها استقبال أكبر عدد من الأشخاص “بغض النظر عن كونهم مشتركين في التأمين أم لا؟ لأنهم في الأخير سيتربحون ماديا من ذلك من خلال أخذهم الموافقات من شركات التأمين أثناء تقديم الخدمة وهذه الموافقة تلزم شركة التأمين بأن تدفع للمنشآت مقابل الخدمة المقدمة.
وعليه فالمسؤولية التقصيرية تترتب على المنشأة المقدمة للخدمة في عدم تحققها من هوية المستفيد وعلى المستفيد من الخدمة جنائيا في انتحاله صفة المؤمن لدى شركة التأمين وذلك للحق العام وماديا لشركة التأمين في رجوعها على المستفيد في اخذ قيمة الخدمة المقدمة له وذلك للحق الخاص، ولكن السؤال هنا هل ستستطيع شركات التأمين إثبات هذه الوقائع؟
وعليه فإنا نوصي شركات التأمين بتشديد رقابتها على المستفيدين من خدماتها لدى المنشآت الصحية وذلك لحفظ حقوقها ولعدم سماحها بتكرار مثل هذه التجاوزات والتحايلات على النظام.
الاحتيال في التأمين الصحي تم تعريف الاحتيال في اللائحة التنفيذية الصادرة من مجلس الضمان الصحي التعاوني بالمملكة بأنه: “قيام أي طرف من أطراف العلاقة التأمينية بالخداع المتعمد الذي ينتج عنه الحصول على منافع أو أموال أو تقديم مزايا مستثناة أو تتجاوز الحدود المسموح بها إلى تقديم خدمات العملاء، وتقديم الخدمات التنظيمية والرقابية وتعزيزها من خلال إمكان الفرد أو الجهة”، ومن هذا التعريف يتضح أن عمليات الاحتيال في التأمين الصحي تشمل جميع أطراف العلاقة التأمينية، ويعتبر الاحتيال في التأمين الصحي أحد الظواهر السلبية التي تؤثر على سلامة سوق التأمين الصحي، وتشير بعض التقارير إلى أن نسبة الاحتيال في التأمين الصحي تتراوح عالميا ما بين 10 % إلى 15 % من اجمالي التعاملات.
ويعمل مجلس الضمان الصحي التعاوني على إعداد وتنفيذ السياسات والإجراءات التنفيذية والإشراف المباشر على التأمين الصحي بما في ذلك المتابعة الفنية والطبية بشكل مستمر لكافة المعنيين بالنظام والعمل على تطوير حفظ حقوق أطراف العلاقة التأمينية، لذلك تشير رسالة المجلس في موقعه الإلكتروني بأنها: حماية حقوق المؤمن لهم الصحية التأمينية والعمل على التميز في الرقمية، ودعم تطوير صناعة التأمين الصحي وضمان الاستدامة على المدى الطويل، بالإضافة لتبني فكرة تحسين جودة وكفاءة الخدمات الصحية.