من أمتع الحصص الدراسية أيام المرحلة الإبتدائية كانت- وربما لا زالت- هصص نشاطات التربية الفنية، مثل حصص الرسم والتشكيل واللعب بالصلصال والنجارة، إلي جانب حصص الرياضة البدنية.
وذلك اعتقادا من مصممي المناهج الدراسية، أن هذه النشاطات هي الإبداع، ونسينا السينما والمسرح والموسيقي والتصوير وغيره من الفنون التي تتعامل مع الحواس والجمال والوجدان، وبهذا اُختزل مفهوم الإبداع في مناشط محدودة وضيقة.
ومنذ بداية التسعينات من القرن الماضي، أدركنا أهمية الإبداع بمفهومه المتكامل والحديث، وربطه بالعملية التعليمية؛ كي يصبح التعليم المبدع.
ونقصد بالتعليم المبدع؛ توظيف مهارات التفكير النقدي والخيال وإعادة تشكيل المكونات والمرونة والمخاطرة، وإتقان مهارات التعلم مثل القراءة السريعة وعمليات التذكر واسترجاع المعلومات، ومهارات الاسترخاء، والارتقاء بأنماط الحياة الصحية والوقائية، والتدرب على النقاش الموضوعي، وحل المشكلات وإيجاد البدائل والرؤية الشاملة.
وبما أن المنظومة التعليمية ذات أبعاد متعددة ومشتركة بين المناهج، والمدرس، والبيئة التعليمية، والطالب والوسائط والوسائل التعليمية التقليدية والحديثة؛ لذا يجب أن لا نغفل عن أهمية ودور الأسرة والبيئة المنزلية .
إن أي إستراتيجية لتطوير التعليم يجب أن تشتمل على الإبداع في كل هذه الأبعاد، بما في ذلك التعليم عن بعد، أو التعليم الإلكتروني حيث أصبح واقعا ملحا وجديدا، سيستمر معنا إلى أن تحدث طفرة تكنولوجية أخرى، تغير نظم التعليم بشكل جذري.
لقد ثبت بالدليل القاطع، أن كل ما نتعلمه اليوم سيكون مصيره النسيان بنهاية اختبارات العام الدراسي، ولا يبقى في الذاكرة إلا القليل لسببين؛ الأول لأنه يفتقد الي الإبداع والخيال، والثاني، لأنه لا يمكن ممارسته كمهارات في الحياة.
فالتعليم الحالي الذي يتحصل عليه الطالب، لا يُكسبه أية مهارات يمكن ممارستها في أعمال المنشآت والشركات والمنظمات، والأنكى من كل ذلك أن حصول الطالب على الدرجات النهائية في الثانوية العامة، دائما ما يقف عائقا أمامه لقبوله في بعض التخصصات السيادية، بمفهوم البعض القاصر؛ كالطب والهندسة وغيرها؛ حيث يشترط فيها الحصول على الدرجات النهائية تقريبا، وبالتالي تجعل الطالب يقف على مفترق طرق حرجة، بالنسبة لمستقبله.
وبنظرة سريعة على فرص التعليم الحديثة المتاحة اليوم، نجد أن سحب المعلومات وتكنولوجيا التطبيقات والوسائط الإلكترونية الذكية والخوارزميات الرقمية .. الخ.. قد أصبحت متاحة أمام الطالب في كل الأزمان والأماكن والأحوال، ووفق احتياجاته، وبالطريقة التي يريدها أثناء ممارسته عملية التعلم.
فلا تفرض عليه معايير ومقاييس ودرجات وعدد سنوات دراسية تقيده وتحدد له أسلوب تعلم جمعي موحد، لا يضع في الحسبان القدرات والإمكانات والفروقات الفردية للطالب.
الأمر المحير أن خبراء التعليم في جميع أنحاء العالم يدركون هذا الواقع الأليم المتخلف للتعليم، إلا أنهم يقفون عاجزين عن اتخاذ خطوات رائدة وجريئة لإحداث التحول المطلوب للعملية التعليمية.
وباختصار شديد؛ التعليم المبدع، يعني: توظيف واستعمال قدرات الدماغ؛ بشقيه الأيمن والأيسر.