كيف أنسى مكاناً ترعرعت على أرضه والتحفت سماءه. كيف أتعالى على أهلٍ منحوني تميزهم، ووهبوني ملامحهم .. كيف لا أزود عن حياض بلدٍ، أمضيت فيه عمري بأمن وثقافة واستقرار، هل أنا فعلاً إنسان أصيل ؟! سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الحضور عن معرفتهم بأحد الرجال ، فقام رجل وقال: أنا أعرفه يا أمير المؤمنين، فقال عمر: لعلك جاره فالجار أعلم الناس بأخلاق جيرانه؟ فرد الرجل : لا، فقال عمر: لعلك صاحبته في سفرٍ فالأسفار مكشفة للطباع؟ فرد الرجل : لا، فقال عمر: لعلك تاجرت معه فعاملته بالدرهم والدينار، فالدرهم والدينار يكشفان معدن الرجال؟ فرد الرجل: لا، فقال عمر: لعلك رأيته في المسجد يهز رأسه قائماً وقاعداً ؟ ، فرد الرجل: أجل ، فقال عمر: اجلس فإنك لا تعرفه !
نعم، إنك لن تكتشف أصالة الإنسان إلا إذا تعاملت معه بالمال وعرفت مدى سيطرته عليه واقتنانه به على حساب باقي القيم والفضائل، أو إذا سكنت إلى جواره ورأيت حسن تعامله أو إذا رافقته بالسفر والرحلات حيث يكون وحيداً في غربته من دون رقيب ولا حسيب ، وحيث يرتفع عنه الخوف وتسقط عنه الموانع فيتصرف على سجيته . الإنسان الأصيل هو الذي تلمس منه كمية عطائه للآخرين وتلحظ مقدار ولائه لأسرته وأهل بيته .. هو الذي يتحدث بالخير عن المكان الذي يبيت فيه ليلته، وهو الذي لا يستصغر الناس ولا يغتاب أحداً .. هو الذي يسعى إلى كسب قلوب الناس ولا يعنيه تسجيل المواقف والنقاط .. هو المسكون بالتواضع مهما علا شأنه وازدادت ثروته .. هو الوفيّ الذي يحمل همّ الوطن في حلّه وترحاله ويغضب له من المتلونين وناكري المعروف .. هو الصادق الذي يعجز عن فعل الخيانة رغم قدرته عليها .. هو الأمين الذي يستحضر ضميره في كل الأوقات، ولا يتلاعب بمصائر الناس فلا يقبل بالفساد ولا التربح من الأزمات، وتجده عوناً لك في الشدائد والملمّات .
يتغنى الناس بالخيل العربي الأصيل الذي يعمر طويلاً ويتميز بقوة تحمله وبمقاومته للأمراض، بالإضافة إلى مظهره الجميل . وفي أيام الجاهلية كان العرب يتفاخرون بالأنساب وبالصفات الأصيلة كالشهامة والمروءة والفروسية ويتباهون بمنازلتهم المعارك وتفوقهم في المبارزات الحربية ..أما رسولنا الكريم فقد تفاخر بأفعال الإنسان العظيمة التي يجب أن يتشرف بها وحدها؛ حيث قال : ” من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ” .