الدولية

القضاء والكونغرس.. سيناريوهان لحسم سباق الرئاسة الأمريكية

واشنطن – البلاد

مع تأرجح نتائج الإنتخابات الأمريكية في بعض الولايات وتصويت نحو 100 مليون مبكرًا وعبر البريد، يفتح المجال لأيام أخرى بعد يوم الاقتراع الشعبي من أجل استكمال فرز الأصوات، بالتزامن مع انتظار نتائج المجمع الانتخابي، في وقت استبق ترمب النتائج النهائية معلنا فوزه ومتوعدًا باللجوء المحكمة العليا للاعتراض على تعداد أصوات “البريد” بعد يوم الانتخاب، فيما أكد بايدن أنه على وشك الفوز، لتفتح التكهنات حول تدخل القضاء أو الكونجرس لحسم نتائج الانتخابات الأكثر تداولًا، خاصة وأن هناك سوابق إذ بتّت المحكمة العليا في انتخابات عام 2000 في أمر الانتخابات، وتدخل الكونجرس في انتخابات عامي 1800 و 1876. وفي انتخابات عام 2000 بين الرئيس الجمهوري السابق جورج دبليو بوش ومنافسه الديمقراطي آل جور، انتهى الأمر عند المحكمة العليا التي حسمت النتيجة بعد أكثر من شهر من الانتخابات لمصلحة بوش، الذي كان فاز بالفعل بأصوات المجمع الانتخابي. وانقسمت المحكمة العليا في ذلك الوقت على أسس أيديولوجية، إذ دعم المحافظون بوش، فيما ساند الليبراليون آل جور، ووفقاً للتشكيل الحالي للمحكمة العليا، بعد فوز القاضية المحافظة إيمي كوني باريت، بالمقعد الذي خلفته القاضية الليبرالية روز بادر جينسبيرج، التي توفيت في سبتمبر الماضي، فإن الديمقراطيين يخشون تكرار سيناريو بوش- آل جور.

بينما سيناريو اختيار الكونجرس للرئيس تكرر مرات عدة في تاريخ الولايات المتحدة، ففي عام 1876، عندما لم يستطِع أيٌُ من المرشحَين، الجمهوري روذرفورد هايز، والديمقراطي صامويل تيلدن، حسم النتيجة النهائية، فضلاً عن طعن الجانبين بنتائج الانتخابات في أربع ولايات تضمّ كل منها 20 صوتًا في المجمع الانتخابي وهي، فلوريدا ولويزيانا وساوث كارولاينا وأوريجون، إذ ادعى كل منهما الفوز بهذه الولايات، اتفق الطرفان على تشكيل لجنة من 15 عضواً، سبعة جمهوريين وسبعة ديمقراطيين وعضو مستقل، لِبتّ ذلك الأمر، وانتهت المسألة بصفقة سياسية بين الحزبين. وقبل ذلك بـ76 عامًا، تدخل الكونجرس لحسم نتيجة الانتخابات بين مرشح الحزب الديمقراطي توماس جيفرسون، ومرشح الحزب الفيدرالي جون أدامز، عندما تعادل المرشحان بعدد الأصوات في انتخابات عام 1800، ومن خلال تصويت الكونجرس، أعلن جيفرسون رئيسًا في فبراير 1801.

وكانت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي قد أعلنت أنّ المجلس مستعد للتدخل في حال كانت نتائج الانتخابات بين جو بايدن ودونالد ترامب محل خلاف.
ويُعتبر تدخل الكونجرس في حسم الانتخابات من السيناريوهات المحتملة في حال لم تؤدّ فيها الانتخابات إلى نتيجة حاسمة، إذ يتطلب من مجلس النواب اتخاذ قرار بشأن نتيجة الانتخابات فيما إذا كانت ما تزال غير واضحة، حيث يمنح مجلس النواب في الكونجرس صوتاً واحدًا لكل ولاية من أجل التوصل إلى قرار.

ورسمياً، لا يعرف الفائز بنتيجة الانتخابات إلى أن تصادق كل ولاية على عدد الأصوات التي تم فرزها، ونظراً للتأخير المتوقع في فرز بطاقات الاقتراع المرسلة بالبريد، فإنّ هذه المصادقة يمكن أن تستغرق أياماً أو أكثر في بعض الأماكن، وإذا امتد الأمر وتصاعد الخلاف سيلجأ أيٌ من المرشحين أو كلاهما للمحكمة العليا ومجلس النواب لحسم نتيجة الانتجابات، إلا أن ذلك سيظل مرهونًا بعدم تحقيق إحدهما تفوقًا ملحوظًا وفارقًا في المجمع الانتخابي.
إلى ذلك، يرجح العديد من الخبراء تأخر إعلان الفائز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بعد تصويت أعداد كبيرة عبر البريد، تلك الوسيلة التي اعتمدتها العديد من الولايات خوفا من تفشٍ أكبر لفيروس كورونا، وانتقدها الحزب الجمهوري.
وأشارت أحدث الأرقام، إلى تصويت أكثر من 99 مليون ناخب مبكرا من خلال البريد والاقتراع المباشر، ورغم أن بعض الولايات عدلت قوانين وإجراءات العد والفرز لتجاوز التأخير، إلا أن ولايات أخرى متأرجحة مثل ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن، لن تقوم بفرز الأوراق البريدية قبل يوم الانتخابات، ونتيجة لذلك قد يستغرق الأمر أياما لمعرفة الفائز في تلك الولايات.

538 شخصا يحددون حاكم أمريكا
رغم أهمية الأصوات التي يحصل عليها المرشح في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إلا أن أصوات المجمع الانتخابي هي الحاسمة، وتختلف تشريعات الولايات في مدى إلزامية توافق أصوات المجمع مع أصوات الاقتراع الشعبي؛ سواءً عبر التصويت المبكر أو البريد أو في يوم الانتخابات، إذ تلزم ولايات بأن تكون أصوات المجمع للفائز بأصوات الاقتراع الشعبي، بينما تسمح ولايات للمجمع باختيار الأقل أصواتًا في الاقتراع الشعبي، وولايات ثالثة تجيز توزيع أصوات المجمع بنسب مئوية. ويعتمد نظام المجمع الانتخابي، على قرار 538 عضوًا في ما يسمى “الهيئة الناخبة”، الذين يلتقون في عواصم ولاياتهم مرة كل أربع سنوات بعد الانتخابات الرئاسية لتحديد الفائز. ويتعين على كل مرشح رئاسي أن يحصل على الغالبية المطلقة من أصوات الهيئة، أي 270 من أصل 538 صوتا للفوز. ويعود هذا النظام إلى دستور 1787، إذ كان الآباء المؤسسون للولايات المتحدة يرون في ذلك تسوية بين انتخاب رئيس بالاقتراع العام المباشر وانتخابه من قبل الكونجرس، غير أن مئات المقترحات لإجراء تعديلات أو لإلغاء الهيئة الناخبة، رفعت إلى الكونجرس على مر العقود، لكن أيا منها لم يمر.

وفي انتخابات عام 2016، حصلت المرشحة الديمقراطية وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون على قرابة 3 ملايين صوت أكثر مما حصل عليه منافسها الجمهوري في هذا الوقت دونالد ترمب، لكن بفوزه الضئيل في ولايات حاسمة تخطى ترمب عتبة 270 صوتًا الضرورية من أصوات المجمع الانتخابي للفوز بمقعد البيت الأبيض.

وأعضاء المجمع الانتخابي الـ538 غالبيتهم أو الهيئة الناخبة من” كبار الناخبين” غالبيتهم مسؤولون منتخبون أو مسؤولون في أحزابهم، لكن أسماءهم لا تظهر في بطاقات الاقتراع، وهوياتهم غالبًا غير معروفة للناخبين، لكل ولاية عدد من كبار الناخبين يساوي عدد ممثليها في مجلس النواب (حسب عدد سكان الولاية)، وفي مجلس الشيوخ (2 لكل ولاية بغض النظر عن الحجم)، ولكاليفورنيا مثلًا 55 من كبار الناخبين، ولتكساس 38، أما الولايات الأقل كثافة سكانية مثل آلاسكا وديلاوير وفيرمونت ووايومينغ فلكل منها 3 ناخبين كبار، ويمنح الدستور الولايات حرية أن تقرر آلية اختيار كبار الناخبين. والوضع الاستثنائي في 2016 المتمثل بخسارة الاقتراع الشعبي ورغم ذلك الفوز بالانتخابات، لم يكن غير مسبوق، حيث وصل رؤساء سابقون إلى البيت الأبيض بهذه الطريقة، كان أولهم جون كوينسي آدامز عام 1824 أمام أندرو جاكسون، وأيضًا في 1876 خلال فوز الجمهوري راثرفورد هيس أمام الديمقراطي صامويل تيلدن، وفي انتخابات عام 2000 حصل آل جور على أصوات شعبية أكثر بـ500 ألف صوت عن بوش الابن، لكن عندما فاز بوش بأصوات فلوريدا، ارتفع مجموع أصوات المجمع الانتخابي إلى 271 ما حسم الرئاسة لصالحه. ووفقًا للقانون الأمريكي، يجتمع كبار الناخبين في ولاياتهم ويدلون بأصواتهم في أول يوم اثنين بعد ثاني يوم أربعاء في ديسمبر، لاختيار الرئيس ونائب الرئيس، أي ما يصادف هذا العام 14 ديسمبر، وفي 6 يناير يعلن الكونجرس اسم الرئيس المنتخب الذي يؤدي اليمين في 20 من الشهر ذاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *