البلاد – مها العواودة
يبدو أن لبنان يقترب مجدداً من إضاعة فرصة تشكيل الحكومة، التي كانت متوقعة خلال الساعات المقبلة؛ ليدخل حلقة تبادل الاتهامات بين الأطراف الفاعلة والتأزم السياسي، بعدما تعنت رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ورئيس الجمهورية ميشال عون وتمسكا بالثلث المعطل، حيث باتت ولادة الحكومة الجديدة مرهونة بتقديم الحريري المزيد من التنازلات لصالح حلفاء حزب الله.
وقال مسؤولون وسياسيون لبنانيون لـ”البلاد”: إن الأجواء الإيجابية التي رافقت تكليف سعد الحريري بمهمة تشكيل الحكومة العتيدة معتاد عليها مع بداية كل تكليف، فضلًا عن محاولة كسب الوقت هذه المرة حتى إجراء الانتخابات الأمريكية ومعرفة نتائجها، مرجعين التعثر في مسار تشكيل الحكومة إلى تعقيدات التركيبة السياسية في لبنان وطمع الدوائر المحيطة بالعهد، في تحقيق مصالح ضيقة؛ كما هو معهود. وأشاروا إلى أن رفض التيار العوني لتشكيل حكومة مصغرة من 18 وزيرا، والتلويح بعقدة حصة تيار الحزب التقدمي الاشتراكي من أبرز الأسباب التي أبطأت مسار التأليف في الساعات الأخيرة، وقد تقود الحريري لتقديم المزيد من التنازل أو الاعتذار في حال استمرار التعنت.
وأكد المحلل السياسي يوسف دياب، أن الأجواء الإيجابية التي كانت تحيط بمسار تأليف الحكومة تلاشت في الساعات الماضية؛ بسبب عودة بعض الأطراف لوضع شروط قاسية أمام الحريري، وتحديدا جبران باسيل وفريقه المدعوم من الرئيس عون؛ حيث عاد بفرض حقائب معينة ووزارات يريد الإمساك بها، بما يمكنه من الحصول على الثلث المعطل داخل الحكومة، ليصبح هو المقرر، مبيناً أن لبنان عاد إلى المربع الأول، والرهان على تشكيل الحكومة قبل الانتخابات الأمريكية لم يعد قائما، وفي ذلك ستكون لبنان أمام حسابات قاسية مختلفة. ولفت إلى أن الأنظار متجهة إلى موقف رئيس الحكومة وما إذا كان سيستمر في مسار التأليف، وفق الصيغة التي وضعها لتشكيل الحكومة، أو الاتجاه نحو الاعتذار؛ كي لا يتحمل وزر الفراغ في السلطة التنفيذية.
ويرى الاستشاري الأكاديمي في كلية باريس للأعمال والدراسات العليا الدكتور محي الدين الشحيمي، أن التأليف غير ميسر وتعترضه عراقيل عدة؛ فالعقدة الأولى تكمن في مبدأ المداورة، الذي لم تقبله أطراف كثيرة، بينما العقدة الثانية، تتمحور حول عدد الحقائب الوزارية وعدد الوزراء المزمع تكليفهم لكي يؤلفوا المجلس الوزاري؛ حيث إن الاختلاف والتباين بين ١٨ أو ٢٠ شخصا، وهذا الخلاف ظاهره إعطاء وإضافة مقعد للمكون المعارض للحزب الاشتراكي، لكن باطنه محاولة الفوز بالثلث المعطل لتقويض حرية الحريري، والإطباق أكثر على المشوار الحكومي إذا انطلق.
واعتبر أن العقدة الثالثة تتمثل بالعشوائية في توزيع الحقائب، ما ينم عن عدم الإحساس بالمسؤولية، خصوصا لجهة التنازلات المتواترة، والتي ليس لها مقابل ولا حتى تقدير، ومن شأنها أن تجنح بالحكومة لتصبح أسوأ من حكومة حسان دياب، خصوصا مع تنازل الحريري عن الداخلية، والذي لا يفهم. وأضاف “مع احتفاظ التيار الحر بحصة الرئيس وحقائب العدل والدفاع والاتصالات ما الذي بقي، في حين الخطوة غير الموفقة كانت في الاتفاق على تجيير حقيبة الأشغال العامة لحزب الله”. في السياق ذاته، قال الوزير اللبناني السابق معين المرعبي: إن الإلهاءات الحالية بالنسبة للتشكيل من صنع حزب الله الذي ينتظر القرار الإيراني، وما يهم إيران هو مصلحة نظامها وليس اللبنانيين، مؤكداً أن ما يهم إيران هو موقف أمريكا من نظامها والاتفاق النووي، لذلك فإن مصير الحكومة اللبنانية مرتبط كليا بانتهاء الانتخابات الأمريكية ومن بعدها بقرار المحتل الإيراني للبنان.
ويوافقهم الرأي الباحث السياسي الدكتور مكرم رباح، قائلاً: “استمرار الطبقة الحاكمة بنهج المحاصصة يعرقل ولادة الحكومة، التي تجاوزت المقاعد الوزارية لتدخل في تفاصيل التعيينات الإدارية مثل حاكم مصرف لبنان ومدير عام الأمن الداخلي وغيرها مما يجعل تشكيل الحكومة مرهونا بتنازل إضافي من سعد الحريري. فهل سيفعلها؟”.