جدة ـ رانيا الوجيه
يتعرض عدد كبير من الأطفال للإهمال عندما يكون الآباء غير متواجدين نفسيا مع الطفل، وانشغالهم بأنفسهم غافلين عنهم، حيث يتمثل هذا الإهمال في مجالات أساسية تمثل الحاجة الرئيسية من حاجات الطفل، سواء تربوية أو عاطفية أو جسدية، فالطفل يحتاج إلى رعاية وحنان من الأشخاص المقربين له، فالأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي يترعرع فيها الطفل ويفتح عينيه في أحضانها حتى يشب ويستطيع الاعتماد على نفسه، بعدها يلتحق بالمؤسسة الثانية وهي المؤسسة الكاملة للمنزل، لذا من الضروري أن تلم الأسرة بالأساليب التربوية الصحيحة والسليمة التي تنمي شخصية الطفل وتجعل منه شابا واثقا من نفسه ذا شخصية قوية ومتفاعلة ومتكيفة مع المجتمع. ومؤخرا كشفت هيئة حقوق الإنسان عن فئات الأطفال، التي تجب أن تكون محلًا للاهتمام، وهم الأطفال المشردون، والأطفال المحتاجون للرعاية، والمعرضون للانحراف. وأشارت الهيئة، إلى أن وجود الأطفال في بيئة تعرض سلامتهم الأخلاقية والنفسية والجسدية والتربوية للخطر، يجعلهم عرضة للانحراف.
وتابعت أن الطفل المحتاج للرعاية، يقصد به كل طفل مجهول الأبوين أو حرم من رعايتهما أو رعاية أحدهما أو رعاية الأقارب، بسبب الوفاة أو الانفصال بين الزوجين أو السجن، أو الإصابة بمرض عقلي أو جسدي دائم كالشلل أو أي مرض آخر مستعص علاجه أو من في حكم ذلك وعجزت أسرته عن رعايته أو علاجه.
وأبانت أن الطفل المشرد هو الطفل المعرض للخطر بسبب وجوده بصورة غير طبيعية في الشارع، للدرجة التي تعرض سلامته الأخلاقية أو النفسية أو الجسدية أو التربوية للخطر.
توفير الحاجة
على الجانب السلوكي تقول الاخصائية النفسية سوزان سنبل : القاعدة الأساسية هي توفير الحاجة إلى الأمن وإذا كان هناك خلل اجتماعي أو كان صدمة نفسية مثلما يحدث في المجتمعات الخاضعة للحروب أو التي تعرضت للكوارث الطبيعية وفي هذه الظروف يكون الأطفال أكثر عرضة للهزة والإختلال النفسي الذي ينتهي بالتشرد، وتضيف :الآلية التي يجب اتباعها في هذه الحالات تكون على حسب المشكلة فعلى سبيل المثال الأطفال الذين يعانون من عدم الاستقرار الاسري هناك جهات معينة تستطيع أن تؤمن لهؤلاء الأطفال الإحتياج النفسي والإحساس بالأمن ، واذا كان الطفل تحت رعاية الجد او الجدة او العم يجب ان يراعوا أن الطفل في هذه المرحلة ستصدر منه بعض التصرفات والسلوكيات التي يجب ان تؤخذ في عين الإعتبار باعتبار انها ليست رغبة في التمرد ولكن تحسب أنها ردة فعل عن الإحساس بعدم وجود الأمان أو دافعها لفت الانتباه. فهناك أطفال يلجأون الى اتباع سلوك خطأ يعرفون أنهم سيعاقبون عليه ولكن رغبة في الانتباه اليه والى احتياجاته فإنه يسير عكس التيار، وعلى الأسرة الحاضنة هنا أن تلبي الحاجات النفسية لدى الأطفال، وان تكون متقبلة لردات الفعل من هؤلاء الأطفال، وأن يحاولوا توجيههم بطريقة سوية والتخفيف من وسائل العقاب الصارم، وفتح حوار مع الطفل ومعرفة مايدور في ذهنه ونفسيته. خاصة وأن الطفل في سنواته الأولى تنطبع في ذاكرته أغلب المواقف والذكريات.
رسائل توعوية
وترى من جانب التحليل الاجتماعي والأسري الاستشارية الاجتماعية والأسرية الدكتورة نادية نصير أنه لا بد أن تكون هناك رسائل توعوية ومعلومات عن طريق وسائل الإعلام او عن طريق الندوات الاجتماعية فيما يخص فئة الأطفال المعرضين للانحراف للحد من انتشار هذه الظاهرة، بحيث أن يتم الإبلاغ السريع في حال مصادفة طفل مشرد تعرض للاعتداء أو كان بلا مأوى وغالبا ما يكون هؤلاء الفئة من الأطفال من بلا هويات او إقامات نظامية، ويأتي دور المجتمع وهيئة حقوق الإنسان أن تجمع هؤلاء الأطفال ووضعهم في دور الإيواء أو الملاجئ وتوفير لهم سبل الحياة الكريمة، وبعد أن يثبت أن لا أقارب أو عائلة لهم ، تتكفل الدولة برعايتهم وتعليمهم سواء دراسيا أو حرفيا حتى يصبحوا أفرادا ذوي فائدة في المجتمع ، ولله الحمد لا يوجد في المملكة العربية السعودية فئة للمتشردين بنسبة كبيرة ، ففي الدول الأخرى تزداد نسبة المتشردين حيث أن الأطفال يكونون هاربين من عوائلهم وهي أساس المشكلة، وبالتالي على هيئة حقوق الإنسان أن تتعاون مع الدولة وتتشارك في مسؤولية حماية الأطفال المتشردين.
استدرار العطف
ويعلق من الجانب القانوني المستشار ريان البغدادي عضو النيابة العامة والمفتش بإمارة مكة سابقاً، بقوله: من أهم فئات الأطفال المعرضة للخطر والتي يجب أن تكون محلًا للاهتمام الفائق هو: “الطفل المُستَغَل” بشكل عام وتحديداً لاستدرار العطف والشفقة عليه بالتسول الرقمي من خلال إظهاره بصور مؤلمة في قنوات التواصل الاجتماعي تنعكس على نفسيته وتؤثر في نشأته سلبًا، مما يوجب مسابقة الفكر الإجرامي المتسارع بأساليبه وحيله التي لاتخطر ببال ووضع التدابير الوقائية والعلاجية لهذا الأمر الذي يعد مخالفاً لنظام حماية الطفل ويصنف من جرائم الاتجار بالبشر، فقد نص نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص على أنه (يحظر الاتجار بأي شخص بأي شكل من الأشكال، بما في ذلك التسول)، و(يعاقب كل من ارتكب جريمة الاتجار بالأشخاص بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة، أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال، أو بهما معا) .
إجراءات الحماية
كما يؤكد بقوله ماجد الفيصل المحاضر في النظام الجنائي بكلية الحقوق بجامعة الملك عبدالعزيز موضحا: لم يفرق نظام حماية الطفل بين الحقوق المقررة للطفل بناء على حالته الاجتماعية او الاقتصادية او المدنية، بل حرص على حماية جميع حقوق الطفل المتصلة بتلك الحالات. وبالتالي فقد اشتمل النظام على احكام متعلقة بحماية الطفل من التسول وتجريم الفعل في حال اذا ما تم استغلال الطفل في ذلك. كما حدد النظام الجهات المختصة بإجراءات الحماية وايضا الاجراءات المتعلقة بإجراءات الاستدلال والتحقيق والمحاكمة وتحديد الجهات المختصة بذلك. توفير بيئة آمنة للأطفال يعد الإهمال واحدا من المحاور الأساسية التي نصت عليها اتفاقية حقوق الطفل لتحديدها في أنواع الأضرار التي تعد خطوطا حمراء لا نقاش فيها لحماية الطفل وتوفير بيئة آمنة ومستقرة له، لينمو بعيدا عن الأذى بكل أشكاله، فقد يظهر الأطفال المهملون ضعفا في العلاقات الاجتماعية وتأخرا في التطور، وقد يتعرضون للحوادث بشكل متكرر، ويظهر لديهم انخفاض في تقدير الذات، والأفعال التخريبية، والتأثير على دراسة الطفل.
عدم رعاية الأبناء في الصغر يجعلهم عرضة للانحراف والفساد الفكري وسيدفع المجتمع ضريبة هذا الإهمال من الآباء عندما يتحول هؤلاء إلى عنصر هدم في المجتمع وصيد سهل لعصابات الإجرام أولئك المفسدين في الأرض من مروجي المخدرات والإرهاب والتطرف.