جدة ـ نجود النهدي
النجاح ليس له حدود ولا يعوقه أي مانع، والعقل والقلب دائمًا هما بصيرة الإنسان، وقد ضربت وحي لقمان مثلًا في تحدي الإعاقة البصرية مؤكدة أن الموهبة تظهر دائمًا مهما كانت الظروف، فقد فاقت وحي كل حدود التفوق واستطاعت بالرغم من عدم ابصارها أن تنجح في مشوارها الدراسي وتدهش الجميع ببراعتها الفائقة وقدرتها على تحدى الإعاقة وفتحت بإصرارها بهوا من الضوء وحققت ما تهفو إليه، حيث واصلت تعليمها وحصلت على درجة الدكتوراه في القانون.
تقول المستشارة القانونية وحي لقمان إنه لا مستحيل في الحياة وأن الإنسان يمكنه أن يتغلب على إعاقته ويضيء طريقه ويصبح ملهما ونموذجا يحتذى به ، لافتة إلى أنها رغم إعاقتها تمكنت من إكمال تعليمها وجعلت حلمها حقيقة وواقعا بعد معاناة مع المرض، موضحة أن معاناتها مع المرض بدأت مبكرا عندما اصيبت بمرض في العين ، فشلت تقنيات الطب في تشخيصه، ومنذ ذلك الحين بدأت رحلة المصاعب حيث كانت لا تقرأ جيدا ولا تستطيع التمييز بين الألوان.
وتستطرد أن طفولتها لم تكن عادية على الإطلاق حيث أنها لم تلهُ مثل الأطفال الذين في سنها ورغم أن بصرها كان لا يساعدها على القراءة الا انها كانت تهوى الاطلاع وكسب المزيد من المعرفة.
وتضيف وحي وهي تستدعي رحلتها من اقاصي الذاكرة أنها أول بروفيسور” كفيفة” تحصل على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة القاهرة، وتم تعيينها أستاذاً بجامعة الملك عبد العزيز وحاليا هي مُعارة إلى جامعة جدة بكلية القانون والدراسات القضائية، كما أنها سبق وأن تقلّدت منصب رئيس قسم القانون بجامعة دار الحكمة، وقدمت العديد من الدورات التدريبية في مجال القانون.
واستطردت وحي : انتمي إلى عائلة محبة للعلم والثقافة ووجدت التشجيع منذ البداية، وقد تعلمت من عجزي أن أكون مـجتهــدة ومعتمدة على ذاتي , فلو اعتمدت على غيري , في انتظار ان ينجزوا لي كل شيء فلن أكون قادرة على الاستمرار في الحياة.
كان علي أن “اقوي قلبي” .. لم يكن هناك مساحة لليأس بداخلي , وأيضا , كنت أكره سماع كلمات الأسف من الآخرين لافتة إلى أنها بمرور الأيام بدأت تفقد بصرها وأصبحت لا تستطيع رؤية الكتابة على السبورة أو في ورقة الامتحان، حيث كانت المُدرسة أثناء الامتحان تقرأ لها السؤال، وكانت تكتب الإجابة دون أن ترى ماذا كتبت معتمدة على قوة إحساسها . وتابعت وحي أنها حينما أرادت التقديم للالتحاق بالمرحلة الثانوية لم تقبلها أي مدرسة لأنها كانت قد فقدت بصرها نهائيا لكن مديرة مدرسة أعطتها فرصة الدراسة في المنزل وحضور الامتحانات وكعادتها، تميزت وحي وأثبتت جدارتها وأنهت الدراسة الثانوية بتفوق لأنها كانت تُحب العلم، وفي المرحلة الجامعية: رفضتها عدة جامعات لذلك سافرت إلى الأردن للحصول على البكالوريوس في المحاماة وتخرجت بمرتبة الشرف .
وتروي وحي مواقف لا تستطيع نسيانها من شدة ألمها منها حينما اصطحبها والدها للعلاج بإبر النحل ، لافتة إلى أن تلك التجربة كانت قاسية ومريرة حيث خضعت لوخزات أكثر من اربعين نحلة وكانت عاجزة عن صدها ، كما أن والدها كان يسعى لإعادة البصر إليها ولذلك فقد عرضها على طبيب سويسري وكان يحاول اعادة الأعصاب الميتة وفي سبيل ذلك كان يدخل إبرة طويلة تحمل الأوكسجين داخل عينها موضحة أن تلك كانت تجربة قاسية ومريرة وقد استمر ذلك لفترة من الزمن ولكن بدون أي فائدة .
وتضيف بقولها: أذكر في اول يوم راجعت فيه الجامعة والتقيت عميدة قسم الطالبات والتي صارحتني أن اجراء المقابلة معي مجرد سيناريو “روتيني” وانه لن يتم قبولي كإحدى عضوات هيئة التدريس ولكن رغم ذلك لم يتسلل الإحباط إلى نفسي وإنما زادني ذلك الكلام اصرارا على النجاح ، وفعلا تم تعييني أستاذة في الجامعة ومنها انطلقت رحلتي العملية بجدارة ،
موضحة بقولها :لقد علمتني حالتي الصعبة ان أكون مجتهدة. وبرأيي , يجب على كل انسان مثلي ان يتحلى بالصبر والإيمان ويحاول تحرير نفسه من المشاعر السلبية وإلا فسوف يحطمه اليأس لم أكن ابكي لعدم قدرتي على النظر , فقد منحني الله القناعة. كنت لا اقبل معاملة خاصة من أي أحد , وبالفعل عملت على ألا يحدث ذلك. وفي الحقيقة , لم أكن أحاول نسيان أو تجاهل إعاقتي , فأنا مؤمنة بقضاء الله وقدره , ولكنني لم أكن أريد أن أكون متخلفة عن الآخرين فقط لأنني حرمت من نظري , فكنت أكافح دائما سعيا الى الكمال. وكإثبات لكونها أنها قوية وتتحدى ظروف إعاقتها رفضت وحي طلب والديها السفر إلى بريطانيا لإكمال دراستها في إحدى المدارس الخاصة بالمكفوفين , حيث أرادت أن تكون قريبة من أصدقائها وعائلتها , وأيضا فقد أرادت أن تثبت أنها لا تحتاج لمعاملة خاصة , فهي تستطيع الاستمرار في طريقها والنجاح كأي فتاة أخرى , ولكن ثمن بقائها هنا لم يكن سهلا , فقد مرت بأوقات صعبة في محاولة للحصول على القبول من قبل المدارس الثانوية , فجميع المداس التي ذهبت إليها لم تقبلها , كان المسؤولون في تلك المدارس , قلقين من تعرضها لبعض المضايقات من الطالبات الأخريات , وأيضا فقد كانوا يعتقدون بأنها ستفشل وبالتالي ستؤثر بشكل سلبي على سمعة مدرستهم.