مفهوم التحرش بمعناه الشائع يقصد به المضايقة أو القيام بأي فعل غير مرغوب به ويشكل انتهاكاً للضحية، ويتدرج من مرحلة الإيذاء النفسي إلى الإيذاء اللفظي أو التلميحات المسيئة، ويصل لحد الإيذاء الجسدي والجنسي، أما من الناحية القانونية فإن مفهوم التحرش يختلف توصيفاً وعقوبةً باختلاف الواقعة المرتكبة.
والواقع أن موضوع التحرش وخصوصًا “التحرش الجنسي” الذي يذهب ضحيته كثير في الدول العربية وغيرها الأطفال والنساء يُعد قضية كبيرة شغلت جميع المجتمعات دون استثناء، إذ أن هذه الجريمة تحدث في أية دولة وزمان ومكان، وما يميز الأصحاء عن هؤلاء المتحرشين هو التربية والوازع الديني والقيم التي تمت من خلالها بناء الشخصية التي تدرك خطورة الأمر وتميّز الصح من الخطأ.
ما دعاني إلى كتابة هذه المقالة هو تحذير مجلس الصحة الخليجي (ومقره الرياض) عندما أطلق حملة “ما ينسكت عنه” وقالت إن “صمت العائلة عن المتحرش يهدم شخصية الطفل، ويجعل المتحرش يتمادى” ، وحذر المجلس عبر حسابه بتويتر من تجاهل الأسرة والآباء مشاعر أطفالهم وأبنائهم حال تعرُّضهم لأي تحرش جنسي ، محذرًا من أن عدم خلق بيئة آمنة بين أفراد العائلة للحديث بكل أمان يجعل الطفل أكثر عرضة للتحرش والخوف من الحديث عنه ، ونبه المجلس أن “سكوت الطفل عن المتحرش لا يعني رضاه؛ فالطفل دائمًا ضحية، وليس شريكًا في الجريمة”، واعتبر مجلس الصحة الخليجي أن التحرش بالأطفال لا يعني الاعتداء الجسدي فقط، بل يشمل مشاركة الصور والألفاظ وكل تلميح وفعل صادر عن رغبة جنسية.
أتفق تماما مع ما دعا اليه مجلس الصحة الخليجي عبر وسم “ما ينسكت عنه”، فالتحرش ليس قضية فرد بل قضية مجتمع إذ يترتب عليها انعكاسات اجتماعية وصحية ونفسية وتربوية وغير ذلك، وكل هذه المعطيات بلا شك تحتاج إلى وقفات حازمة ورادعة حتى يكون كل فرد في المجتمع مدركًا وملمًا بخطورة الفكر التحرشي والإقدام على أي فعل لا أخلاقي ينافي الشريعة والمبادئ الإسلامية .. والتوعية الاجتماعية وحدها لا تكفي لردع المتحرش بل لابد من وجود قانون صارم وحازم يجعل تفكيره اللا أخلاقي يقف عند حده ويعرف قيمة وكرامة البشر في الحياة ، فالأطفال هم ثروة الوطن وشباب المستقبل وتظل حمايتهم مسؤولية يشترك فيها الجميع ولا تتوقف على الأسرة فقط ، فتعرضهم لمثل هذه المواقف القاسية والصعبة قد يبقي أثر ذلك في نفوسهم مدى الحياة.
وما أثلج صدورنا هو موافقة مجلس الشورى على إضافة عقوبة التشهير إلى العقوبات المنصوص عليها في نظام مكافحة جريمة التحرش، وذلك بحسب جسامة الجريمة وتأثيرها على المجتمع، إذ ينص نظام مكافحة التحرش، الذي بدأ العمل به في 2018، على فرض عقوبات مشددة تتضمن السجن لمدة تصل إلى 5 سنوات، وغرامات مالية، وبالتالي فأن إضافة التشهير ضمن العقوبات سيكون له انعكاس ايجابي في تعزيز نظام التحرش.
ومن وجهة نظري فأن هذا القرار ايجابي ومهم، إذ رجحت الدراسات النفسية التي أجريت حول حالات التحرش ان من يقوم بتلك السلوكيات ليس مريضا نفسيا بل هو شخص مدرك لأفعاله لكنه يعاني خللا في السلوك يرجع لحزمة من الأسباب منها ما هو اجتماعي وثقافي وبيئي وتربوي مدعوما بضعف الوازع الديني والضمير.
وأخيرًا.. حرص الإسلام على المحافظة على كرامة الإنسان وعرضه، وجعل ذلك من المقاصد الكلية العليا التي جاءت الشريعة بتحقيقها، وهي حفظ النفس والعرض والعقل والمال والدين، وهي مقاصد جاءت بالمحافظة عليها كل الشرائع السماوية.
والله من وراء القصد.
shahm303@hotmail.com