جدة – رانيا الوجيه
قبل أن تأخذ عيادات الطب النفسي أنفاسها من ماراثون ملفات ضحايا التنمر في دنيا الواقع ، حتى بدأت تتلقى حزمة من الملفات لضحايا جدد، قادمون من دهاليز منصات العالم الرقمي وحسابات التواصل الاجتماعي، خصوصا أن التنمر يأخذ أشكالا مغايرة غير تلك التي كانت في الماضي، فرجل في الخمسين من عمره يتعرض للتنمر من فتاة صغيرة ربما لا تتجاوز العشرين من عمرها، مجهولة المصدر، وقد تكون من خارج حدود الوطن، وبنظرة فاحصة إلى منصة التنمر التقني نجد أن ذئابه مجهولة، وضحاياه من كل حدب وصوب، ولكن تظل الفئة الأكثر تأثرا هي الفتيات والأطفال الصغار، والذين يعانون من سهام المتنمرين لتتفاقم المشكلات في وعيهم الجمعي وتتحول إلى أذى نفسي يكبر يوما بعد يوم فيصاب صاحبه باكتئاب أو وسواس قهري قد يؤدي إلى الانتحار. ولأن ساقية التنمر الإلكتروني تواصل حصادها يوميا حملت “البلاد” مجهر الشفافية والتقت ببعض ضحاياه كما استعانت بالرأي النفسي والقانوني في مثل هذه الحيثيات فماذا قالوا عن هذه “السهام” التي توجه إلى ضحايا التنمر من ذئاب العالم الافتراضي؟.
في البداية تفتح صفحة الشفافية الأم شذى عبد الله وتقول: في أحد الأيام عرضت في صفحتي الخاصة بموقع للتواصل الاجتماعي صور أطفالي فبجانب تعليقات الأحبة والأصدقاء تلقيت تعليقات سلبية وسخرية لدرجة أن بعض التعليقات الناشزة وصفتهم باللاجئين فيما علق بعضهم أنهم يفتقرون إلى أساسيات مبادئ الجمال والوسامة، وقد أثرت التعليقات “المتنمرة” على نفسيات أطفالي ولكنني استطعت أن أهدّئ من روعهم ومرت عاصفة التنمر بسلام ولم اكرر بعدها نشر صور اطفالي على مواقع التواصل الاجتماعي.
رياح الإحباط
كما عانى الشاب محمد سالم من التنمر بطرق أخرى عندما كان يروج لمشروعه البسيط عبر حسابه على الإنستغرام (الطباعة على التيشرتات) ووصفه بعض مرتادي الانستغرام بالفاشل ووجهوا اليه كلمات الإحباط .. يقول محمد: مازالت أحارب هذا التنمر بجميع أشكاله ولا أنكر أنني تأثرت بتلك العبارات وشعرت بالقهر، ولكن قوة إيماني وسلامة صحتي النفسية جعلتني أحول هذا التنمر إلى تحدٍ لأثبت نجاحي وأنتصر عليهم ، و لم اهتم بتعليقاتهم وحذفتهم فورا.
طالب عبقري
ثمة سيناريو آخر لضحايا التنمر يكشفه محمد السعدي بقوله: لدي ابن عبقري سبق وان تعرض للتنمر من قبل بعض زملائه وأثرت تلك التداعيات في نفسه ولكن تم احتواء المشكلة بعد عرضه على طبيب نفسي كما أنني قمت بنقله إلى مدرسة خاصة خوفا من مواصلة التنمر عليه.
مشاكل داخلية
ويحلل سلوك المتنمرين نفسيا واجتماعيا الأخصائي النفيسي والاجتماعي شجاع القحطاني بقوله : بداية التنمر هو محاولة لإيذاء الآخرين، سواء كان إيذاءً لفظياً أو جسدياُ أو غيرهما وغالبا الشخص الذي يتعمد إيذاء الآخرين ويتنمر عليهم يعاني من مشاكل داخلية حيث تقول القاعدة ” اذا كان الإنسان يشعر بالحب تجاه نفسه ويقدرها فمن المفترض أن يحب الآخرين ويحب الحياة من حوله، واذا كان بداخله كره لذاته وعدم تقبل ورضى عن حياته وواقعه فبالتالي يحول هذا السخط والكراهية إلى الآخرين، ويتنمر عليهم كنوع من التعبير وتفريغ طاقه عدائية تجاه نفسه ويطلقها تجاه الاخرين، ويدل سلوك الشخص الذي يتنمر شخص يعاني من مشاكل نفسية ويعاني من اضطرابات نفسية وبالتالي هو لديه تراكمات مع الاحباطات والضغوطات وشعور بعدم الأهمية في مجتمعه وشعوره بعدم القيمة، ومن ثم ولدت هذه الشخصية الكارهة للناس وللمجتمع والتي تميل إلى الإساءة أو الإيذاء والتجريح. وصفات المتنمرين هم أشخاص يجيدون لذة في إيذاء الآخرين وايقاع الألم بهم فكلما تم إيذاؤهم الناس كلما شعروا بالأذى الداخلي لديهم أنه أقل، ويحبون رؤية الاخرين فاشلين ولديهم غيرة شديدة من الأشخاص الناجحين وربما تتجاوز من مرحلة الغيرة إلى مرحلة الحسد والكراهية، ويمارسون هذا السلوك لمعاناتهم الداخلية وشعورهم بالنقص وافتقادهم لحب أنفسهم وحب الآخرين من محيطه.
فقدان الثقة
من جهتها تقدم أخصائية السلوك جمانه مفتي حزمة من النصائح لحماية الأطفال من التنمر وتقول : في الوقت الحالي اصبح استخدام الاطفال للأجهزة الالكترونية والانترنت اكثر من السابق، وقد يعرضهم بعض الاحيان الى مواقف غير محببة ومنها العنف او التنمر وهذا قد يسبب فقد الثقة بالنفس، العزلة، الخوف، وقد تصل بعض الحالات الى الانتحار. وتضيف أن هناك حزمة من التداعيات تجعل الطفل متنمرا منها قد يكون انشغال الوالدين وتجاهلهم للطفل احد الاسباب، حيث يسعى الطفل الى جذب الانتباه له عن طريق التنمر الالكتروني، سبب آخر قد يكون محاولة اثبات القوة والسيطرة من خلف الشاشة عكس ما يشعر به في حياته الواقعية. وقد يكون الطفل ضحية للتنمر من الاساس فيقوم بهذا الشيء للانتقام. وفيما يتعلق بكيفية حماية الأطفال من التنمر تقول جمانة: اولا يجب مراقبة الاطفال بوعي كما يتوجب بناء علاقة ثقة بين الوالدين والاطفال، ويجب أفهام الطفل بـ” الفضفة ” بمشاكله وما يتعرض له بدون خوف ، فضلا عن تعليم الأطفال كيف يتعاملون مع الموقف والتحكم بمشاعرهم، والاهم من ذلك أن تحاول الأسرة تعزيز ثقة الطفل دائما.
فرض السيطرة الدكتور ماجد علي قنش استشاري نفسي وسلوكيات أسرة يحلل مفهوم التنمر بقوله: التنمُّر هو فَرض سيطرة وتسلُّط فرد على فرد آخر، وذلك لأنّه يرى أنّه أفضل منه من الناحية البدنية أو الشخصية، ويتلقى الفرد التنمُّر بالأذى عبر الكلمات، أي أن المتنمِّر يوجّه له الكلمات المُهينة والتي تقلّل من شأنه أمام الجميع، ويجعله يشعر بالخزي من شيء يفعله لا يصحّ أن يشعر بالخِزي بسببه، ويسمى في هذه الحال تنمّرًا عندما لا يستطيع الضحية التفاعل والردّ على هذا الاستفزاز، وأيضًا يمكن أن يستخدم المتنمر الإيذاء الملموس ليفرض سيطرة أكبر، ويكون ذلك إما بضربه أو بإتلاف أشياء تخصّه أو تخريبها فقط ليشعر الضحية بالانزعاج. المشاكل النفسية التي يسببها التنمر للأطفال إنّ التنمر مشكلة كبيرة يواجهها المجتمع وتتعدّد المشاكل النفسية التي يسببها التنمر حسب شكل التنمر المتبع، ومن خلال حجم الآثار النفسية التي يتركها التنمر على الضحيّة يمكن فَهم حجم هذه المشكلة، ومن أهم هذه المشكلات الآتي: انخفاض التحصيل الدراسي تعدّ مرحلة المدرسة من أهم المراحل التي يُكوّن بها الإنسان شخصيته ويأخذ بها صورة عن نفسه، ولكن قد يمر الطفل في بعض المشكلات مثل تعرضه للتنمر تجعل من هذه المرحلة أكثر صعوبة وتؤثر عليه.
ويضيف أن من أبرز أسباب ظاهرة التنمر: المشكلات النفسية التي يعاني منها المتنمر وبحسب ما تم إثباته في الدراسات فإن المتنمر يعكس مشاكله النفسية على الضحية، فقد يكون المتنمر غيرَ واثق بنفسه ويشعر بتأنيب الضمير وعدم الرضا عن نفسه، ويعبر عن ذلك من خلال إزعاج الآخرين وتدنيس حياتهم؛ كي يشعر أن هناك مَن هو أدنى منه، فيشعر بالراحة والاطمئنان. فالكثير من المتنمرين كانوا في الأصل ضحية لنوع من أنواع التنمر، مما جعلهم يشعرون بالغضب وتدنّي القيمة، بحيث أصبح هدفهم التنمر على الآخرين. ومن أبرز أسباب ظهور ظاهرة التنمر المشاكل الأسرية وأساليب التربية الخاطئة، فضلا عن الغيرة، فالمتنمر يصب غيرته وانزعاجه على هذا الشخص، كما أن الانتماء إلى مجموعة متنمرين يدعم سلوك التنمر، إضافة إلى التكبّر والغرور الذي يدفع بصاحبه إلى التنمر على الآخرين بحجة أنه أفضل منهم،
إلى جانب عدم تقبّل اختلاف الآخرين، كما أن الألعاب الإلكترونية تعلم الطفل بعض المفاهيم الخاطئة والخطيرة، كإلزامية القضاء على الخصم باستخدام ما يتوفر له من وسائل، وهو يطبق هذه الألعاب على أرض الواقع. عقوبة التنمر المستشارة القانونية سارة الأبادي توضح عقوبة جريمة التنمر بقولها: التنمر هو سلوك عدواني وشكل من أشكال العنف والايذاء والاساءة التي تكون موجهة من شخص أو مجموعة من الاشخاص إلي الضحية ويظهر التنمر بكثرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهناك عدة أسباب لذلك أولاً سهولة الوصول للضحايا وثانياً سهولة تخفي المتنمر فعادةً مرتكب هذه الجريمة يكون مستتراً خلف حسابات وهمية ومزيفة لا تظهر هويته الحقيقية.
والتنمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد يأخذ عدة أشكال: منها ما يكون بالاستهزاء على الضحية أو تشويه السمعة أو التسبب بالإيذاء النفسي أو الابتزاز بهدف إلحاق الضرر سواء لأسباب مادية أو معنوية أو دون أسباب واضحة، ولا يقتصر التنمر على ذلك فحسب بل يترتب على هذا الفعل جريمة يعاقب عليها القانون فنصت المادة الثالثة في الفقرة الخامسة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية على أنه ” يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سنة وبغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل شخص يرتكب أياً من الجرائم المعلوماتية التشهير بالآخرين ، وإلحاق الضرر بهم، عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة.“ كما تضمنت المادة السادسة بالفقرة الأولى من ذات النظام ”يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص يرتكب أياً من الجرائم المعلوماتية الآتية: إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي.