مَنْ يُراجع أهداف رؤية المملكة 2030 يجد أن التعليم يشغل مكانَ الذروة في هذه الرؤية الاستراتيجية، ويمثِّل محور ارتكاز رئيساً فيها، فالتعليم في عقل ووعي ووجدان أبناء الشعب السعودي، وفي مقدمتهم وعلى رأسهم صنَّاع القرار وراسمو السياسيات يمثِّل قاطرة النهضة التي تقود التقدم والازدهار والتنمية المستدامة في كل مجالات العمل والإنتاج وسائر شؤون الحياة.
وبحسب المادة (13) من النظام الأساسي للحكم في المملكة “يهدف التعليم إلى غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء، وإكسابهم المعارف والمهارات، وتهيئتهم ليكونوا أعضاء نافعين في بناء مجتمعهم، محبين لوطنهم، معتزين بتاريخه”. وبناءً على ذلك فإن التعليم في المملكة لا يلعب دورًا مهمًّا في تطوير المجتمع والنهوض به فقط، بل هو حجر الزاوية في عملية التنشئة الاجتماعية، وتشكيل شخصية الإنسان السعودي وحماية الهوية العربية الإسلامية في أعماق وجدانه وحسه، وتوفر الدولة حفظها الله التعليم المجاني في جميع المراحل لأبناء الوطن جميعًا من البنين والبنات، حيث توجد في المملكة منظومة تعليمية قويَّة تنتشر في جميع المناطق بأكثر من (33,500) مدرسة، ونحو (29) جامعة حكومية، و(14) جامعة أهلية، بالإضافة إلى العديد من الكليات والمعاهد الخاصة.
ونتيجة لاهتمام المملكة العربية السعودية بالتعليم وقضاياه باعتباره مشروعها الاستراتيجي الأهم الذي تستثمر فيه على نطاقٍ واسع فدائمًا ما نجدها تعقد المؤتمرات العربية والدولية المهتمة بتطوير التعليم ومناقشة كافة القضايا التعليمية المُلِحَّة مثل تطوير المناهج، وتأهيل المعلمين، وتحسين المخرجات التعليمية، وغير ذلك من الموضوعات المهمة، ولعل أحدث هذه المؤتمرات مؤتمر (تطوير التعليم في العالم العربي) الذي عُقِد في الرياض يوم الأربعاء الماضي 23 سبتمبر 2020م بالتعاون مع جامعة الدول العربية والبرلمان العربي، وذلك مواكبةً للاحتفالات باليوم الوطني (90)، وفي ذلك دلالة رمزية عظيمة على اهتمام المملكة بالتعليم واعتباره أساسًا راسخًا لصناعة النهضة والنمو، وتحقيق التقدم والازدهار.
وفي الواقع هناك جوانب كثيرة في موضوع التعليم ينبغي مناقشتها بكل شفافية وموضوعية من بينها: تعزيز دور المعلم باعتباره مصدرًا للقيم والفكر، ومرشدًا وموجهًا في مجال البحث واكتساب العلم والمعرفة، وينبغي تزويده بالمناهج العلمية الجديدة لتنمية عمله المهني بكل احترافية، ومن أبرز قضايا التعليم التي ينبغي الاهتمام بها: تطوير المناهج وطرق التدريس، والتعليم والتنافسية، واقتصاديات التعليم، والتعلم الرقمي، والقيم الأكاديمية، والمكتبات والبحث العلمي، والسياسات التربوية، وبناء معايير فاعلة لإدارة برامج التعليم، وبلورة تصور مقترح للاعتماد وضمان الجودة في مختلف مراحل التعليم، ودراسة أفضل الممارسات المعاصرة في ضوء المعايير العالمية.
وفيما يتعلق بالتعليم الرقمي في المملكة فقد صرح معالي وزير التعليم الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ بأنه أصبح خيارًا استراتيجيًّا للمستقبل وليس مجرد بديل، وفي الواقع فإن هذا النمط من التعليم الذي فرضه على العالم تفشي جائحة كورونا، يحقق نجاحًا ملحوظًا في المملكة، لكنه يواجه إشكاليات كثيرة في معظم الدول العربية، التي لم تختبر تقنيات التعليم الرقمي بشكل كبير قبل أزمة كورونا، ولا تزال معظم تجاربنا العربية متواضعة في هذا النمط من التعليم باستثناء بعض الدول، وفي الحقيقة ما يزال هناك الكثير من التحديات أمام تجربة (التعليم الرقمي) في عالمنا العربي فأغلب المعلمين لم يدرَّبُوا بشكلٍ كافٍ على استخدام أدواته حتى أجبرت جائحة كورونا الجميع على استخدامه؛ لتنضاف بذلك تحدياته الكثيرة إلى تحديات التعليم المعقدة أصلًا والتي تعاني منها أغلب نظم التعليم في عالمنا العربي.
صفوة القول إن اهتمام المملكة العربية السعودية بالتعليم لا يأتي عبثًا، وما كل هذه المؤتمرات والفعاليات التربوية التي تقيمها أو تشارك فيها سواء على المستوى الإقليمي أو العربي أو الدولي إلا دليلًا على أهمية التعليم في صنع التنمية، وبناء التقدم والازدهار، والارتقاء بالأمم والمجتمعات في المجالات كافة، فالتعليم هو بالفعل قاطرة النهضة الحقيقية، وهذا هو ما حدث في كل الدول التي تقدمت وازدهرت وبَنَت مجتمعات قوية ومؤثرة في العالم، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة، فكم من دولة استطاعت عبر التعليم بناء نهضتها الخاصة في غضون عقود قليلة فقط، وأبرز مثال لذلك ماليزيا، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية، فضلا عن كندا، والنرويج، وفنلندا، واليابان.
Osailanim@yahoo.com