جدة – ياسر بن يوسف
سطعت في حراك الأبحاث خلال الأيام الماضية منصة تتمثل في إمكانية استخدام مياه البحر للزراعة بالمناطق الساحلية في المملكة، وهو السيناريو (الأخضر) الذي أعلنت عنه وكالة وزارة البيئة والمياه والزراعة لشؤون الزراعة، التي أطلقت مشروع وحدة بحثية؛ بهدف الاستمرار في تطوير الدراسات والتجارب المعتمدة في الزراعة على مياه البحر، وذلك بمركز أبحاث الثروة السمكية بجدة التابع لفرع الوزارة بمنطقة مكة المكرمة، ونجح المشروع خلال أبحاثه طيلة السنوات الخمس الماضية على تقليل هدر المياه وكلفة الطاقة، ونجاح إطلاق (سلة غذائية) تم ريّها من مياه البحر، وذلك عبر تقينات زراعية فائقة الدقة.
(البلاد) حملت الملف الأخضر، والتقت بعدد من المختصين للتعرف على إمكانية استمرار هذا السيناريو، واستخدام مياه البحرفي ري المحاصيل الزراعية خصوصا في ضوء المصادر المائية غير المتجددة، لافتين في الوقت نفسه إلى أن الزراعة بماء البحر تعد أحد عناصر الزراعة المستدامة، التي يتم اللجوء إليها، عندما يزداد معدل الاستهلاك من المياه العذبة ويتناقص مخزونها، مما يؤدي إلى حدوث أزمة في المياه؛ لأنّ وسائل الزراعة التقليديّة تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، وخاصة بعض المحاصيل، ومن خلال هذه الطريقة يمكن توفير استهلاك المياه إلى معدلات قياسيّة، كما يتم استخدام هذه الطريقة في المناطق القاحلة أو شبه القاحلة.
ثلاثة أنظمة
في البداية، أوضح وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة لشؤون الزراعة المهندس أحمد بن صالح العيادة أنه تم استخدام ثلاثة أنظمة في الزراعة؛ تتمثل في الزراعة التقليدية المحمية ، والزراعة المائية (الهيدروبونك) لجميع الأنظمة الزراعية بها ، والزراعة التكاملية “الاكوابونيك ” بين الأسماك والنبات .
وتم إنتاج ” الطماطم، والفلفل الأخضر، والخس، والنعناع، والريحان، ونوعين من الأسماك “البرومندي” وأسماك البلطي الأفضل إنتاجاً ” .
تشجيع المستثمرين
وأضاف (العيادة) أن المشروع البحثي يهدف إلى استغلال مياه البحر الأحمر في الإنتاج الغذائي، وتقديم نموذج لتشجيع المستثمرين على استخدام التقنيات الحديثة الموفرة للطاقة والمياه، معتبرًا المملكة أول دولة في المنطقة، تنجح في إنشاء مثل هذا المشروع البحثي الهام تعزيزًا للتنمية الزراعية بالمناطق الساحلية، وحرصًا على كفاءة الإنتاج والاستدامة، وسعيًا في تقديم نموذج بحثي متكامل لإنتاج الخضار والأسماك بنظام مغلق لتدوير وتحلية مياه البحر.
واستطرد العيادة بقوله: إن وزارة البيئة والمياه والزراعة تواصل الأبحاث الخاصة بتقنيات الزراعة المستدامة وتعزيز مفهوم الاستدامة للأمن الغذائي بالمشاريع الإنتاجية الزراعية لتفعيل كفاءة الإنتاج لهذه المشاريع ، وبما أن تنمية المشاريع الغذائية على مستوى العالم تعتمد على عنصرين هامين، وهما الطاقة والماء فقد عزمت الإدارة العامة للأبحاث والإرشاد الزراعي بوكالة الزراعة على تعزيز الأبحاث في هذا الجانب، الذي من خلاله يمكن رفع كفاءة الإنتاج من خلال تقليل استهلاك المياه والطاقة. وأضاف العيادة: إن هذا المشروع يعتمد على استهلاك المياه المستخدمة في الزراعة من المياه البحرية فقط دون استخدام المياه الجوفية كما أنه يستخدم تقنية الطاقة الشمسية كمصدر لتشغيل كامل المشروع ، لافتا إلى أن الطاقة المنتجة للمشروع تقدر بـ ٧٤ كيلو واط في الساعة، تغذي المشروع بالطاقة اللازمة لتشغيل جميع مرافق المشروع والمزودة بعدد ٣٠ بطارية لتخزين الطاقة، كما يتم الاستفادة من رجيع محطة تحلية المياه لإنتاج الملح البحري الطبيعي عن طريق الوحدة الملحية وذلك بتبخير المياه باستخدام حرارة الشمس وترسيب الأملاح.
تقنيات حديثة
من جهته، أوضح مدير عام الإدارة العامة للأبحاث والإرشاد الزراعي بوزارة البيئة والمياه والزراعة الدكتور بندر بن محمد الصقهان، أن نقل التقنيات الحديثة للمزارعين لتحسين كمية نوعية الإنتاج وخفض تكلفته وزيادة الدخل مع الحفاظ على المياه والموارد، أحد مهام إدارة الإرشاد الزراعي، فالوزارة تسعى لتفعيل التواصل والتعاون بين مراكز الأبحاث والجامعات والمزارعين والاستفادة من نتائج الأبحاث في مختلف المجالات الزراعية وإيصالها للمزارعين على شكل معلومات توعوية إرشادية.
تنمية زراعية
وفي السياق نفسه، أوضح المهندس سعيد بن جار الله الغامدي مدير عام فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمنطقة مكة المكرمة أهمية هذا المشروع الذى تدعمه الوزارة، لافتا إلى أهمية تشجيع المستثمرين على استخدام التقنيات الحديثة الموفرة للطاقة والمياه الصديقة للبيئة في الإنتاج الغذائي واستغلال مياه البحر الأحمر في الإنتاج الغذائي المستدام. وذلك تعزيزا التنمية الزراعية المستدامة بالمناطق الساحلية، فقطاع الزراعة في حاجه ماسة إلى تنفيذ هذه النوعية من التقنيات الزراعية الحديثة والمتطورة؛ لضمان استدامة الموارد المائية المتاحة للأجيال القادمة، والحفاظ على نسب الاكتفاء الذاتى وتحقيق الأمن الغذائى.
تحديات الأمن الغذائي
يواصل البروفيسور مارك تستر، وفريق أبحاثه مع عدد من الفرق البحثية الأخرى بجامعة الملك عبدالله إجراء أبحاث مستمرة في المستنبتات الزجاجية المتطورة داخل الجامعة من أجل إيجاد حلول لتحديات الأمن الغذائي الآخذة في التوسع، ويقوم فريق البروفيسور تستر بصورة أساسية بدراسة طرق تحمل النباتات للملوحة وقدرتها على البقاء على قيد الحياة في البيئات القاسية، ومن ثم تطبيق هذه المعرفة على النباتات التي لا تتحمل الملوحة الشديدة لجعلها تقاوم ظروف العيش في البيئات الصعبة. ويتساءل بروفيسور تستر عن الأسباب التي تؤدي إلى قدرة بعض النباتات على النمو الطبيعي في المياه المالحة مقارنة بالنباتات الأخرى، ويقول: “نحاول تحسين المحاصيل النباتية التي تنمو في الظروف البيئية المتدنية – كالتربة المالحة أو عند استخدام مياه مالحة في الري، وذلك عبر البحث عن التغيرات التي تحدث بشكل طبيعي في النباتات. نريد أن نحدد الجينات الموجودة في تلك النباتات التي تتحمل الظروف القاسية والمفقودة في النباتات الأخرى”. ويقوم علماء النبات في جامعة الملك عبدالله بمراقبة التغيرات التي تحدث في النباتات بشكل طبيعي، وفي نفس الوقت محاولة اكتشاف الجينات التي تساعد النباتات على تحمل الملوحة، كي يتمكنوا من الزراعة في البيئات التي يمكن ضبطها مثل المستنبتات الزجاجية التابعة لمركز الزراعة الصحراوية بجامعة الملك عبدالله، التي تبلغ مساحتها ١٦٠٠ متر مربع.