حين انتشرت القنوات الفضائية كالنار في الهشيم، ونأى كثير من الناس عن قراءة الكتب المفيدة ومطالعة الصحف الورقية الجادة، حين انشغل العامة بالسناب شات والواتس آب، وأضحت السرعة تقتضي أن تستقي معلوماتك من الانترنت و مشاهير السوشال ميديا وتأخذ الاستشارات والحلول من أنصاف المتعلمين والأميين، فقد تشظت الثقافة واختل ميزان الانتاج والتلقي، وكثر الغث والرث، وبرز في الأفق جيل مستهلك للتكنولوجيا، مصدقاً لكل مخرجاتها من غير تحقق ولا استقصاء.
لقد سئمنا من التسطيح في نقل الأخبار وتحليل الأحداث، وقد تعبنا من مشاهدة الأفلام التجارية التي تثير الرعب وتروج للقتل والتنمر، ولقد ضاق صدرنا من كثرة التهريج وغياب الرسالة الاجتماعية في بعض الأعمال الفنية ، وقد أصابنا الغثيان من اجترار مواضيع لا تسمن ولا تغني من جوع ، وتلوثت مسامعنا من الإسفاف في الأغاني التي تهدر القيم وتدمر الذوق العام.
نريد أن نطور مهاراتنا من خلال تقنيات العصر ونريد أن نزداد علماً من وعائها، لكن الذي لا نريده أن تمزق التكنولوجيا روابطنا الاجتماعية وتحد من طموحنا الفكري . لا نريد لثقافة الاستسهال أن تسود ولا لتقنية القص واللصق أن تنتشر ، لا نريد أن ندفع بالتافهين إلى واجهة العمل الإعلامي فهذه جريمة بحق الأجيال. نرفض استخدام لغة الفرانكو اراب في الكتابة والتواصل بين الناس. لا نريد عروضاً لمسرحيات تسرق الابتسامة لغرض الإفساد والإضحاك، ولا لمسلسلات تشوه التاريخ وتنتهك الهوية، لا نريد مشاهدة قنوات الشعوذة والأبراج، ولا قنوات التحريض والكذب والتضليل.
نتوق إلى تغذية عقولنا بثقافة عميقة، ونتلهف إلى كل عمل جاد ورصين، فيعاد للمسرح ألقه ولكوميديا الموقف جمهورها، وللمطالعة في المكتبات العامة حضورها، وللأفلام الروائية عروضها، وللمنتديات الأدبية صوالينها، وللبرامج الثقافية مساحتها الأكبر في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، ولتكن الآية الكريمة التالية ضالتنا: (ولا تقف ما ليس لك به علم). صدق الله العظيم.