البلاد – مها العواودة
أجمع خبراء اقتصاد لبنانيين على أن تراكمات الأزمات الاقتصادية والسياسية في لبنان دفعت باتجاه انتشار الفقر المدقع والجوع بنسب مخيفة، وأن أزمة كورونا وانفجار مرفأ بيروت عمقا الأزمة والجمود الاقتصادي وألقيا بظلال قاتمة على مستقبل اقتصاد لبنان المهترئ.
معربين عن قلقهم إزاء هذا الارتفاع الآخذ في الزيادة، خاصة مع ترحيل الإعمار إلى لحظة تسوية سياسية غير مرئية في الأفق بعد، وذلك في ظل انشغال الطبقة الحاكمة بتحقيق مصالحها.
وأكد أمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية البروفسور بيار الخوري ارتفاع نسب الفقر والجوع بشكل حاد في لبنان حيث بلغت نسبة الفقر هذا العام 55٪ بينما 25٪ من اللبنانيين يعيشون تحت خط الجوع، فيما لا زال 40٪ يصارعون للبقاء ضمن تصنيف الطبقة الوسطى الفضفاض ونسبة 5٪ هم من الأغنياء علماً أن 1٪ من هؤلاء يتحكمون بمعظم ثروة البلاد والمعروفون بالطبقة السياسية وكبار المتنفذين. ”
ويرى أن التاريخ الطويل من التعامل اللامسؤول مع الاقتصاد والمالية العامة والنقد والذي يعرف على نطاق عالمي بكونه أحد أسوأ تجارب الفساد والحوكمة السيئة قد أدت إلى إفلاس البنوك والتوقف عن دفع الديون وتعطل النشاط الاقتصادي حيث يمكن للنشاط الاقتصادي أن ينخفض هذا العام بنسبة النصف، كما أن تراكمات الأزمات الاقتصادية والسياسية في لبنان أنتجت أوضاعاً اجتماعية غير مسبوقة حتى في زمن الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت ١٥ عاماً.
وأضاف:” زادت آثار جائحة كورونا الأمر تعقيداً حيث دفعت بالمزيد من العمال والموظفين إلى البطالة ودفعت الشركات لتقليص أحجامها أو للإقفال القسري والطوعي”.
ويرى أن انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس عقد الأزمة الاقتصادية السياسية في لبنان، وأن من غير المرجح أن يكون هناك مشروع إعمار سريع لما خلفه الانفجار، وسوف يتم ترحيل الإعمار إلى لحظة تسوية سياسية غير مرئية في الأفق بما يعني أن نسب الفقر والجوع سوف تزداد باضطراد.
كما أكد وصول لبنان إلى حالة من السقوط الاقتصادي لا يمكن معها تخيل حلول جزئية فإما حل سياسي شامل تتوافق عليه مجموعة معقدة من القوى الإقليمية والدولية وإما الانزلاق نحو الفوضى.
من جانبه أكد الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور نسيب غبريل تأثير جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت على اقتصاد لبنان المهترئ، حيث أن الانفجار الإجرامي في مرفأ بيروت عمق الانكماش ليصل هذا العام22% بينما أوضحت تقديرات الحركة الاقتصادية في لبنان بداية هذا العام انكماشا من ٨ إلى ١٠% ومع بدء جائحة كورونا في آذار الماضي أصبح الانكماش ١٤ % وفي تموز بلغ ١٨% .
ويرى أن الخسائر من الانفجار تقدر بمليارات الدولارات وفي الوقت ذاته من المبكر جدا وضع رقم علمي وموضوعي عن حجم الخسائر المباشرة وغير المباشرة على الممتلكات وعلى المدى المتوسط وطويل الأمد على الاقتصاد اللبناني.
وأكد أن أزمة كورونا أدت إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والجمود الاقتصادي والذي بدأ كأزمة ثقة في أواخر ٢٠١٧ بسبب قرارات الحكومة الجائرة من زيادة الضرائب بشكل عشوائي في وضع تباطؤ الاقتصاد اللبناني والعجز المستمر في ميزان المدفوعات الخارجي وزيادة نسبة النفقات العامة بشكل عشوائي لأسباب سياسية وانتخابية والذي أدى إلى بدء أزمة السيولة في ٢٠١٨ حيث بدأت من هنا أزمة الثقة بين القطاع الخاص والحكومة ومن ثم تحولت إلى أزمة ثقة بين المواطن اللبناني والقطاع الخاص والاغتراب اللبناني من جهة والسلطة السياسية وأحزابها من جهة أخرى.
وتابع: “تراجع تدفقات رؤوس الأموال وحسابات الودائع من القطاع المصرفي مع بداية ثورة تشرين كلها مؤشرات أزمة الثقة، وكذلك ظهور سوق موازي لصرف سعر الدولار في الأسواق اللبنانية أواخر ايلول ٢٠١٩ واليوم أصبح هناك ٥ أسعار مختلفة لصرف الدولار وهذا سببه شح السيولة التي تعود إلى أزمة الثقة، يضاف إلى ذلك اتساع العجز في الموازنة وارتفاع النفقات العامة والتوظيف العشوائي في القطاع العام حيث تم توظيف ٣١ ألف شخص بين ٢٠١٤ و٢٠١٨ وسوء إدارة قطاعات حيوية يحتكرها القطاع العام مثل الكهرباء الاتصالات والمياه جميعها أدت إلى أزمة الثقة التي يعيشها لبنان اليوم”.
ويرى أن الحل للخروج من الانكماش الاقتصادي وأزمة الثقة هو بدء ضخ سيولة بالأسواق، والتي تأتي ضمن استعادة الثقة والتي لن تعود إلا بتطبيق الإصلاحات البنيوية في المالية العامة وإعطاء الأولوية للنمو الاقتصادي وتوسيع حجم الاقتصاد وتطوير بيئة الأعمال وتحسين المناخ الاستثماري ورفع مستوى الاقتصاد اللبناني وإعادة تأهيل البنى التحتية في لبنان والتي هي عبء أساسي على القطاع الخاص، وإعادة هيكلة القطاع العام الذي هو كلفته باهظة على الاقتصاد اللبناني، حيث اتساعه هو السبب الرئيسي للأزمة إذ أن النفقات العامة ارتفعت بنسبة ١٥٠% بين ٢٠٠٥ و٢٠١٩ مايوازي ٣٢ %من الناتج المحلي وهو نسبة مرتفعة.
كما يرى أن هذه الحلول تتطلب الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي فهو البوابة لإعطاء مصداقية للبرنامج الإصلاحي للحكومة المقبلة وللانضباط بتطبيقه وهو ماسيفتح الباب أمام مصادر أخرى لضخ السيولة من قبل مؤسسات وصناديق إنمائية عربية وأوروبية.