هل لبيت استغاثة غريق وأطفأت نار حريق، هل سبق وأسعفت رضيعا يختنق، وقطعت الحبل السري عن وليد جاء من غير ميعاد وفي غير مكان ، هل سبق وأن أنعشت قلب من هبط ضغطه ، وأحييت رئة من صعب تنفسه ، هل حميت عظام من تكسرت أطرافه ، وهل أمصصت سمّ من تعرض للدغه أفعى أو قرصة عقرب ، هل انتصرت لإنسانيتك وخففت الألم عن الموجوعين. في هذه الأيام الصعبة التي كثرت فيها الكوارث الطبيعية من زلازل وانهيارات، وازدادت فيها الكوارث البشرية من دمار وتخريب، وسقط فيها العديد بين قتيل وجريح، وبين نازح بالآلاف ومشرد بالملايين، نرى أن الأمر جلل ويستدعي القيام بأعمال إغاثية عاجلة، على أيدي مسعفين أكفاء ومتطوعين أوفياء.
على الرغم من أن الإسعاف الأولي يعتبر علاجاً مؤقتاً للمريض أو المصاب، إلا أنه قد ينقذ حياة إنسان على وشك أن يفارق الحياة، وعلى سبيل المثال، فحين يقع شخص ما على الأرض ويغمى عليه، يهرع المسعف النبيل إلى تثبيته في مكانه تحسباً لأي كسر في جمجمته أو نزيف في دماغه ثم ينقله بحذر وتأن إلى المستشفى لاستكمال جبر ما تشظى من جسده، وحين يصاب أحد ما بالرعاف الأنفي ، يضغط المسعف الماهر على مكان النزيف حتى يتوقف الدم تماماً عن السيلان ولا تتسلل منه أي نقطة تدخل إلى معدة المريض أو إلى مجرى تنفسه. وحين يستنشق الانسان روائح المبيدات الحشرية ، ويشتكي من الحساسية والالتهاب ، تحضر الأيادي البيضاء للمسعف وتنقله فوراً إلى مكان آخر أصفى هواء وأحسن تهوية ، أما في حالة تعرض أحد ما إلى التسمم الغذائي الذي ينجم عنه قيء وإسهال ، فإن المسعف البطل هو من سيزوده بالسوائل المالحة تارة والحلوة تارة من أجل وقايته من الجفاف وتخليصه من البكتيريا المسممة ، وحين تحاصر النيران شخصاً ما ، فلا يجوز أن نسكب عليه الماء أو ننفخ في وجهه الهواء ، بل يجب أن نسعفه بشجاعة ونلقي عليه بغطاء غير قابل للاشتعال ، يخمد اللهيب المؤجج ويخفف من آثار الحروق ، وحين يغرق من لا يجيد السباحة فهو يحتاج إلى طوق نجاة من مسعف وليس إلى نواح وبكاء ، وحين يصاب الانسان باحتشاء في عضلة قلبه ، فهذا لا يحتمل التكهن والتخمين بل السرعة في استخدام ذكاء المسعفين ، الذي يقيس نبضات المريض ويَعد بتدفق الدم في الشرايين.
ولما كانت الاسعافات الاولية بهذه الدرجة من الأهمية على حياة الفرد والمجتمع، فقد يكون من الأجدى استراتيجياً أن نطور أساليب تطبيقها وننشر ثقافة الالمام بها وضرورة اقتناء لوازمها ضمن حقيبة خاصة توضع في كل بيت ومركبة ومقر عمل. فكم هو جميل أن تقدم خدمات للبشرية بامتياز بغض النظر عن ديانة من تسعفهم أو تختلف معهم، وكم هو جميل أن تكون جريئاً في حبك للآخرين تؤثرهم على نفسك لتدخل السرور إلى قلوبهم. بارك الله في جهودكم أعزاءنا المسعفين، وأنتم خير من عملوا.
يقول المولى عز وجل: «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً».