الدولية

المملكة أكبر داعم للبنان وسيادته ونظامه الديمقراطي

حاورته – مها العواودة

أكد رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة، في حديث خصّ به “البلاد” أن بلاده باتت في انتظار تحقيق العدالة، بعد أن كشفت الحقيقة، وتبين أن جريمة اغتيال رفيق الحريري سياسية، خططت لها ونفذتها جهات سياسية، أرادت من اغتياله تحقيق مآرب سياسية، داعياً إلى ضرورة تسليم المتهم في هذه الجريمة، وهو سليم عياش القيادي في “حزب الله”، وكذلك نزع سلاح الحزب كخطوة في طريق إنقاذ لبنان، إضافة إلى الالتزام الفعلي والكامل بالمبادئ والسياسات المتوافقة مع اتفاق الطائف والدستور اللبناني والمصالح الحقيقية للدولة اللبنانية؛ من أجل خروج لبنان من عزلته، مثمناً في حواره مع “البلاد” الدعم السعودي المتواصل للبنان، الذي يصب في دعم استقرار وإعمار البلاد، مؤكداً أن المملكة أكبر داعم للبنان وحريته وسيادته ونظامه الديمقراطي.

قال السنيورة ردًا على سؤال “البلاد” عما يمثله الحكم الذي صدر عن المحكمة الدولية مؤخرا بشأن اغتيال الحريري: للمرة الأولى في تاريخ الاغتيالات السياسية في لبنان، التي امتدّت على مدى أكثر من ثلاثة عقود، لم تتمكن الأجهزة القضائية أو الأمنية اللبنانية من كشف حقيقة أي من تلك الاغتيالات العديدة، التي حصدت أرواح رئيسي جمهورية، وثلاث رؤساء حكومة، وعدداً من الوزراء والنواب والقضاة والصحافيين والعسكريين ورجال الفكر والدين، هذه الحقيقة دفعتنا بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى المطالبة بمحكمة دولية من أجل معرفة الحقيقة الكاملة ومن أجل إنزال القصاص العادل بالمجرمين. وانطلاقاً من تلك الأسباب، فقد جرى إنشاء المحكمة الدولية من أجل لبنان، والتي توصلت إلى أنّ جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، هي جريمة سياسية، وأن أحد الذين ارتكبوها عضو قيادي في حزب الله بما يعني أنها تمكنت من معرفة القاتل و الجهة التي وقفت خلف تنفيذ هذه العملية الإرهابية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبناء على ذلك، فقد أدين قائد مجموعة الاغتيال سليم عياش، وعُرفت الجهة التي ينتمي إليها. وفي جميع الاغتيالات السابقة التي حصلت في لبنان والتي تولت التحقيق الأجهزة القضائية والأمنية اللبنانية، فإنه لم تعرف الجهة التي ارتكبت أو وقفت خلف تلك الجرائم.

الأمر الآخر الذي ينبغي الإشارة إليه، أنّه وعند تأسيس هذه المحكمة الدولية من أجل لبنان من قبل مجلس الأمن الدولي في القرار 1757، وتحت الفصل السابع، فإنّ ذلك كان نتيجة تسوية دولية بين الاتحاد الروسي من جهة، وباقي الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وبناء على ذلك التفاهم، فقد صدر القرار بإنشاء المحكمة، وعلى أساس أنه ليس من مهام المحكمة الدولية من أجل لبنان أن توجّه الاتهام أو أن تحاكم أنظمة أو منظمات. بمعنى أنّ هذه المحكمة كانت تعمل ضمن حدود لا يمكن تخطيها، وهي الحدود التي وضعها مجلس الأمن الدولي في قراره، والحكم الذي صدر عن المحكمة جاء متوافقاً مع قواعد عمل المحكمة. إلاّ أنه وبالرغم من ذلك، فقد حدّدت المحكمة في حيثيات قرارها الجهات السياسية التي تستفيد من هذا الاغتيال، وهو النظام السوري وحزب الله، وأن القرار بتنفيذ الاغتيال بحق الرئيس الحريري حصل بعد زيارة الوزير السوري وليد المعلم إلى لبنان، وذلك بعد أن أصرّ الرئيس الشهيد على وجوب انسحاب الجيش السوري من لبنان، وهو الموقف الذي عبّر عنه مندوبو الرئيس في اجتماع البريستول الأخير، الذي حصل في مطلع شباط من العام 2005.

الأمر الثالث، أنّ الأشخاص الخمسة الذين تمّ توجيه التهمة إليهم ليس بينهم وبين الرئيس الحريري ثأر يريدون أن يقتصوا منه، وبالتالي فإنّ جريمة اغتياله ليست جريمة شخصية، بل جريمة سياسية خططت لها ونفذتها جهات سياسية أرادت من اغتياله تحقيق مآرب سياسية. وبالنسبة للشخص الذي أدين بتنفيذ جريمة الاغتيال هو سليم عياش، وهو قد تعاون مع الشخص الآخر الذي كان يتبع له، وهو مصطفى بدر الدين، الذي توفي في العام 2016 بحادث انفجار في سوريا، بظروف غامضة، وكلاهما قياديان في حزب الله. كذلك الأشخاص الثلاثة الآخرين: حسين عنيسي، أسد صبرا، وحسن مرعي، قياديون جميعهم ينتمون إلى حزب الله.

ومن الأمور الواجب إدراكها في هذه العملية الإرهابية، أنه لا يمكن لشخص بمفرده أن ينفذ هكذا جريمة اغتيال، وبالتالي كان هناك فريق متكامل ومحترف، كان يساعد سليم عياش؛ ليتمكن من تنفيذ هذه الجريمة المحترفة.

ننتظر تحقيق العدالة
وحول ما يعني قرار المحكمة والخطوة التالية، قال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق: إن القرار الصادر عن المحكمة الدولية يعني أن ساعة الحقيقة قد أزفت، والتي يتوجب على الجميع أن يدركها ويتقيّد بها ويستخلص العبر منها. وبالتالي هذا هو اليوم الذي أصبح ينبغي على حزب الله أن يتقيد بمضمون هذا الحكم، وبالتالي أن يتخذ القرار الصحيح بالعودة إلى لبنان بشروط لبنان وبشروط الدستور اللبناني من أجل أن يصار إلى إنقاذ لبنان مما تراكم عليه من محنٍ وخطوب. لقد قلنا من البداية: إننا نريد الحقيقة والعدالة، والآن حصلنا على الحقيقة. والمهم أن تنفذ العدالة، التي هي في النهاية مسألة وقت طال أم قصر، وأعتقد الآن أن هناك أمراً يقع على عاتق حزب الله وعلى الدولة اللبنانية.

ومن جهة ثانية، فإني أرى أنّ على الدولة اللبنانية أن تعبر عن احترامها واستعدادها لتنفيذ هذا القرار القضائي الدولي، لاسيما أنه من مصلحة الدولة اللبنانية ومن مصلحة اللبنانيين ومن مصلحة رئيس الجمهورية والمجلس النيابي والأجهزة القضائية اللبنانية أن تتقيد وتعمل على تنفيذ هذا الحكم، فمصلحة جميع هؤلاء الفرقاء أن يكون لبنان على علاقةٍ ممتازة مع الشرعية الدولية، وبالتالي فإنّ الخطوة الأولى الواجب القيام بها هي تسليم المتهم عياش إلى المحكمة الدولية.

ولفت إلى أنّ لبنان الذي يمر بضائقةٍ غير مسبوقة، على أكثر من صعيد يحتاج من أجل الخروج من هذه المآزق المتكاثرة إلى دعمٍ حقيقيٍ من أشقائه وأصدقائه في العالم، ويجدر به أن يأخذ القرارات الصحيحة، ومن ذلك تصويب بوصلته نحو التوجهات الإصلاحية السليمة والمفيدة، وذلك بما يمكنه من إزالة العزلة عنه، وبالتالي الالتزام الفعلي والكامل بالمبادئ والسياسات المتوافقة مع اتفاق الطائف والدستور اللبناني والمصالح الحقيقية للدولة اللبنانية.

مستقبل لبنان بعد التفجير
وبخصوص مستقبل لبنان بعد تفجير مرفأ بيروت، أكد السنيورة أن التفجير وانعكاساته وتداعياته يحمّل عدداً من المسؤولين في البلاد، وأعني بذلك رئيس الجمهورية وحزبه من جهة، وحزب الله من جهة ثانية، مسؤوليات كبرى ومصيرية، ولا سيما وأنهما لا يزالان يرفضان القيام بأي مسعى لتتمكن الحكومة اللبنانية من التقدم بالطلب من الأمم المتحدة لتشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق تعينها الأمم المتحدة، أو في الحد الأدنى لجنة عربية تعينها الجامعة العربية.

وأضاف: “نحن في المقابل، وكرؤساء حكومة سابقين قد طالبنا وفي اليوم التالي للتفجير الخطير بتأليف هيئة دولية أو عربية للتحقيق في هذا العمل الإرهابي، وحذرنا في حينها جميع الأجهزة العسكرية والأمنية والإدارية في المرفأ بوجوب تثبتهم من تنفيذ جميع الإجراءات؛ حتى لا يصار إلى العبث بمسرح الجريمة، التي يمكن أن يستغلها البعض لإخفاء أي أدلّة جرمية تكون موجودة في مسرح الجريمة. لذلك، وإذا استمر رفض هذا الأمر وبقيت حالة الإنكار فإن علامات الوئام الداخلي ستتراجع ونعود بالتالي إلى مرحلة من التوتر وتوالي وقوع الخسائر والأضرار على لبنان وجميع اللبنانيين، وهنا المحنة”.

آذان حزب الله صماء
وفيما يخص آليات الخروج من الدوامة لأهمية استقرار لبنان وضمان الانتخابات النزيهة بعيدا عن التخويف، قال الرئيس السنيورة: في الحقيقة، إنّ لبنان الآن في خضم أزمات عديدة ومستفحلة زادتها حدّة التفجير الكبير الذي حصل في المرفأ، وأرجو أن لا تتحول الأمور إلى أزمات مفتوحة؛ لأن لبنان لم يعد قادراً على التحمل. هناك أزمات مالية ونقدية واقتصادية ومعيشية صعبة ومعقدة ومزمنة تفاقمها جائحة كورونا، والآن جاءتنا قضية جريمة تفجير المرفأ، وهذا أمر بالغ الحساسية والخطورة وهو يحمل لبنان فوق طاقته أضعافا مضاعفة. إنّ إجراء انتخابات جديدة يتطلب إصدار قانون من قبل مجلس النواب، وذلك بتقصير ولاية المجلس الحالي. وبعدها، فإنّ الحاجة للنظر في طبيعة القانون الواجب اعتماده لإجراء الانتخابات النيابية المبكرة، لاسيما وأن قانون الانتخاب الذي اعتمد في العام 2018 أدّى إلى زيادة حدّة التوترات والعصبيات الطائفية والمذهبية وهذا بدوره يشكّل مشكلة كبيرة بالنسبة للبنان.

تصرفات غير مسئولة
وحول ما إذا كانت منظومة الحكم المسيطرة ستخضع لمطالب الشارع والضغوط، قال السنيورة: كما ذكرت لك أنّ هناك استعصاء قديما ومزمنا في عدم القيام بالإصلاحات التي يحتاجها لبنان على مختلف الأصعدة من أجل إقداره على التلاؤم مع المتغيرات والتحولات الجارية في منطقتنا وفي العالم، في المقابل هناك حالة إنكار كبيرة، وتحديداً لدى المسؤولين في معاندتهم وابتعادهم عن الواقع ولا يزال هذا التصرف غير المسؤول هو الطاغي على عقلية وممارسات معظم أركان الطبقة السياسية الحالية في لبنان. وأرجو أن لا تبقى الآذان صماء؛ لكي لا تتفاقم الأزمات وتتعقد أكثر مما نحن عليه. لكنه امتحان صعب وتحدٍ كبيرٍ لحزب الله الذي لا يعطي إشارات أنه على استعداد للاستماع لمطالب الشعب اللبناني.

تسليم السلاح ضرورة
وعن إصرار حزب الله على التحكم بمفاصل الدولة وكيفية الوصول إلى اتفاق لنزع سلاح يهدد اللبنانيين بالدرجة الأولى، أكد رئيس الوزراء الأسبق، أن نزع سلاح حزب الله ضرورة، رغم أنه ليس مسألة سهلة. نحن نفضل أن يتعظ الحزب، ويدرك أن هذا المسار الذي يمضي فيه لا يقود إلى أي نتيجة إيجابية. وبالتالي فإنّ هناك حاجة لأن يسلّم سلاحه للدولة اللبنانية من ضمن تفاهم وطني يرتكز إلى استكمال تطبيق اتفاق الطائف، واحترام الدستور ومصلحة الدولة اللبنانية، وبناء على ذلك تصبح جميع المكونات اللبنانية قيمة مضافة في كل الاتجاهات وفي أكثر من مضمار.

المملكة خير معين لاستقرار لبنان
واختتم رئيس وزراء لبنان الأسبق السنيورة حديثه لـ”البلاد” قائلاً: المملكة العربية السعودية لطالما وقفت على الدوام مع لبنان، وهي لم تقصر سابقا ولا اليوم، وهي كانت وعلى مدى جميع سنوات استقلال لبنان أكبر نصير وداعم للبنان ولحريته وسيادته ولنظامه الديمقراطي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *