مقالات الكتاب

رقمنة البشر

كتب : محمد مشبب القحطاني
نكاد ننسى معالم الحياة الطبيعية عندما كانت اليدوية تحتل جل انشطتنا لتختصر حركاتنا اليوم في تجاوب مع ذكاء تقني كان بالأمس حلما أقرب في وصفه للخيال من الحقيقة.
فدخلت الرقمية علاقاتنا، افكارنا، جيوبنا، تحولت من وسيلة تواصل واتصال الى ابهام دون بصمة يدل على الاعجاب من عدمه، يلخص في اتجاهه كل عبارات الذم أو الاطراء، و أصبح مفهوم عمل حر يدعى صانع محتوى.
للوهلة الاولى قد يبدوا هذا الوصف ضربا من عالم الأحلام و كل في متناول اليد لكن الواقع انه مثلما سهلت الرقمية حياتنا في جوانب كثيرة طمست جوانب اكثر، اضحينا نستوحش حياتنا دونها.
الوصف لن يكون اليوم عن مظاهر التباهي والترف بعرض دقائق هي كل الاستثناء لاشخاص صنعوا السخط على الواقع عنوانا لشهرتهم و لن يكون حديثا عن كره و اشخاص اطلقوا العنان لألسنتهم دون قيد، حقدا و بغضا متخفين خلف جهاز لوحي باسم وهمي. بل صلب الجدال عن التقوقع الذاتي كحصاد للعالم الرقمي. الامر لم يمس فقط حياتنا الاسرية واستقرارنا النفسي بل طال منظمات الاعمال ،فأصبحت بيئة العمل أقرب لان تكون بأجساد لا تربطهم سوى المسميات الادارية كل يطأطأ راسه  لشاشة خفية في جيبه واشتغلت بها كفه، هي اوسع مما تبدو عليه فيها مصدر ابتساماتهم انفعالاتهم عندما يتلخص  الكلام في رموز و اشارات كتابية.
لتتوضح الصورة دعونا نتأمل بيئة العمل قبل دخول الرقمية حياتنا: ضجيج تحايا، تبادل الأخبار، أحاديث، تشارك، فصداقات عمل. قاعة الاجتماعات كانت اشبه بمجمع سكني قبل لحظات اعلان البداية سيسأل عن احوالك زميلك وستحجز المواعيد بين رفقاء العمل لتضج الديوانية لاحقا بطرائف بيئة العمل وحكاياتها.
آه كم نفتقد تلك الاجواء و نحن نغوص في صخب الرقمية دون تراجع مع أن اغلبنا يدرك ما نخسره و ما تفقدنا اياه التكنولوجيا العصرية.
البعض يبدوا اكثر تفاؤلا و هو يصفها بسلاح ذو حدين و للصدق هنا مقام فحين نذكر تجربة المملكة الناجحة في التعليم عن بعد لتنقذ ما اهلكته الجائحة حين اصبح واجبا التزام البيوت و كذا البوابات الخدماتية الرقمية التي تكاد ان تكون انموذجا معمما في الدوائر الرسمية و الحكومية لاختصار الزمان و المجهود.
 بالجمع بين الضدين نستشف أن الرقمية نعمة ان استخدمناها بمحدودية دون فقدان بشريتنا بمعنى العلاقات الوهمية لا يجب أن تصبح ذريعة لتناسي و تغييب العلاقات الحقيقية، الابتسامات و الرموز الفوتوغرافية لا يجوز ان تسكن حركات وجوهنا التي تحفر خنادقها مراكز نشطة في الذاكرة، نلتزم بآداب التشارك و النقد و الاطراء و لا نتخفى و نصطنع وراء ما ادمنت ايدينا فنحن من صنعنا الرقمية و لم توجدنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *