كانت في الخمسين من عمرها، تمتلئ حيوية ونشاطاً وتكتنز بعضاً من الدهون والشحوم على جوانب جسدها المفتول. ولكنها حين أجرت عملية التكميم ليخف وزنها ، صارت امرأة ثانية ، فقد خسرت صحتها وتدمرت نفسيتها وانطفأ بريقها ،وأصبحت قليلاً ما تأكل ، كثيراً ما تتحسر على جمالها الذي أَفَل وعلى لياقتها البدنية التي أٌصيبت في مقتل ، وكم صارت تتمنى شكلها السابق ، ولكن هيهات أن تعود إلى ما كانت عليه.
لقد لجأت هذه السيدة إلى أحد تجار مهنة الجراحة والتجميل، وطلبت منه أن يرشدها إلى أفضل طريقة للتنحيف، وبدل أن ينصحها بان تغلق فمها وتتناول الأطعمة قليلة الدسم وتمارس الرياضة اليومية، من أجل أن تستعيد رشاقتها، أشار إليها أن تزيد في وزنها حتى يصل مؤشر كتلة جسمها (BMI ) إلى ما يقارب الأربعين كيلوغراما، (وهو الحد المسموح به طبياً لإجراء أي عملية قص أو تغيير في مسار المعدة )، ثم تعود إليه ليقص لها معدتها ويقبض الثمن وهو مرتاح الضمير وبعيد عن أية مسائلة قانونية.
إن جهل هذه السيدة بالأسباب التي تستدعي القيام بتلك العملية وتقديرها الخاطئ بكفاءة ذاك الطبيب ونزاهته قد أربك حياتها وقضى على أمنها الصحي. وقد يكون من المستحسن بداية ألا نجري أية عملية جراحية بغرض التجميل إذا لم نكن حقيقة نعاني من بدانة زائدة جداً أو تشوهات ولادية أو مكتسبة نتيجة لبعض الأذى التي يحصل أثناء الحروب والكوارث وما قد ينشأ عنه من حروق وكسور وتورمات ، وأن يكون الاستطباب هو الهدف الرئيسي من وراء أية عملية تجميلية ، فشفة الأرنب المشقوقة التي تشوه وجه الانسان هي التي تحتاج إلى فيلر، والتموضعات الشحمية المعيبة لجسم الإنسان هي التي تُشد وتٌشفط ، وانحراف العمود الفقري (Scoliosis) الذي يُحدث شللا دماغيا وضمورا للعضلات، هو الأولى أن تجرى له عمليات التجبير والتصحيح، وانحراف الأنف الذي يسبب حساسية وضيقا في التنفس هو الذي يحتاج إلى عملية تجميلية تزيل اعوجاجه وتعيد للأنف استقامته .
وظهور الصلع في رأس الانسان وما قد يرافقه من خوف وهلع على جمال الشكل، هو ما يجيز زراعة الشعر، وإن زيادة حجم الثدي عند المرأة وما يسببه لها من آلام في الكتف والرقبة وتقرحات في الجلد هو ما يستدعي جراحة تصغيره، وبكل تأكيد ، تظل عمليات إزالة تشوهات الحروق هي أولوية وأقوم قيلاً من إزالة تجاعيد من تقدمت به السنون، التي تعتبر ضرباً من الرفاهية.
نعم للجراحة الترميمية وللعمليات التجميلية التي تعيد الثقة بالنفس وتخلص الإنسان من مشاكله الصحية، ولا للعمليات العبثية التي تمارس بصبغة تجارية، وطوبى لكل طبيب كان متمكناً من اختصاصه، مؤمناً بشرف رسالته، فحافظ على حياة مرضاه الذين أسلموه أرواحهم وانتظروا منه الجمال والإشراق وليس الإعاقة والأحزان. يقول المولى عز وجل: “لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم “.