ما بين لحظة الموت والحياة مسافة أيام أو أعوام ، لافرق ، فنحنُ نعلم إنها آتيةٌ لا محالة ، بين بكاء مولود، وصراخ أهله ألف حكاية ، ينتابني نفس الشعور مراراً وتكراراً حين تخلد الأجفان إلى النوم ، أنظر حولي لِأرى البيوت وقد علاها السكون واُغلقت الستائر ولفها الظلام.
أحياناً أشعر بالخوف، أحياناً بالوحدة وأحياناً بالراحة، ففي هذا الوقت يخلو المرء مع نفسه، يغمض عينيه ، يستمع لأفكاره ، وتهدأ ضربات قلبه ، منا من يصبح أكثر هماً وأكثر قلقاً من صُبحٍ يخشاه ، موعدٍ ينتظره ، أو خبر قد يسمعه.
لكنهُ الليل سيد المواقف ، الذي يحل علينا كسلطان من ” العهد الفيكتوري ” الذي لا يُرفض له طلبٌ ، هو سيد العُشاق ورفيقهم في الليالِ الحالكة ، هو نصير المجروحين الذين يتوسدون دموعهم وقلوبهم ترتجف برداً ووحدة ، هو طبيب المتألمين الذين يُعانون الوجع والألم ويتوسلون الشفاء راجين متأملين؛ أنَ في الغد سيكونون الأفضل ، هو حاسبة المديونين التُعساء الذين أنهكهم الفقر وضاقت بهم الحياة بما رحبت ، هو سماء المصلين القارئين المتعبدين الذين يرجونَ رحمة الله ويخشونَ عذابه.
بين هذه المتناقضات نعيش نحنُ ، فليست كل أيامنا على وتيرة واحدة ، يومٌ من هذا وغَدٌ من ذاك ، لكن الليل أحياناً يمر بارداً قاسياً قارصاً على المعدومين المُهجرين في كل أنحاء الدنيا ، فهم بين الخوف والرجاء يمضون ليلهم ، لا سماء تحميهم ولا أرض تحتضنهم ، فقانون البشر لا رحمة فيه كقانون رب السماءِ والأرض. أحتضنوهم في دعواتكم ، فالبيوت الآمنة نعمة ، الفراش الدافئ نعمة.
اللهم لك الحمد والشكر على كل نعمةٍ بين أيدينا ونحن لانشعر بها ، وله الحمد على كل صُبْحٍ آتٍ لم نفقد في ليله قريبًا أو عزيزًا لنا.
تذكروا ، أنَ لليل حديث هامس نسمعه حين نغمض أعيُننا فقط .
دمتم على ماتتمنون ، وعلى خيرٍ تصبحون.
“ملاحظة : العصر الفيكتوري نسبة للملكة فيكتوريا وكان عصر ذروة الإمبراطورية البريطانية وهو عصر الثورة الصناعية.