البلاد – خاص
“عداء معلن، وعلاقات سرية تآمرية على العرب”، هكذا هي العلاقة التركية – الإسرائيلية، ففي الوقت الذي يهاجم الرئيس التركي، الاحتلال الإسرائيلي ورئيس حكومته بنيامين نتنياهو بين حينٍ وآخر، تضاعفت تجارة تركيا وتل أبيب 6 مرات في عهد أردوغان، الذي أعلن رفض خطة السلام الأمريكية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بينما أظهر تقرير صادر عن دائرة الإحصاء التركية العام قبل الماصي، أن تركيا الدولة الأولى عالميا في تصدير الأسمنت والحديد لإسرائيل، حيث صدرت 45 % من إجمالي ما استوردته الدولة العبرية من الحديد و59% من إجمالي ما استوردته من الأسمنت، وهما المادتان الأساسيتان في بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتأتي خطب أردوغان وشعاراته الخاوية ضد إسرائيل مكرّسة لكسب تأييد الداخل واستعطاف العرب والمسلمين، وللتغطية على عمق العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية والتجارية والعسكرية بين البلدين، اللذين يمثلان وجهين لمشروع توسعي عدواني في المنطقة، مما يجعل الأسلوب التركي في استغلال القضية الفلسطينية وتصنّع التعاطف مع الشعب الفلسطيني رديئا ورخيصا للغاية.
ودوما لغة الأرقام هي الكاشفة للحقائق، إذ تُظهر أن تركيا وإسرائيل وصلتا إلى مراحل لا يمكن لأي أحد منهم أن ينفك عن الآخر، فمنذ تولى أردوغان رئاسة الوزراء في عام 2003 وهو يراهن على أهمية تعزيز التعاون مع إسرائيل، ويراها دولة مهمة ومستقرة سياسيا، لذلك عين ملحق تجاري لأول مرة في السفارة التركية في تل أبيب، ولهذا تعد إسرائيل اليوم واحدة من أهم 10 أسواق تصدير للمنتجات التركية على مستوى العالم، ووفقا لوزارتي التجارة في الدولتين، وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين ذروته في السنوات الأخيرة عندما بلغ في عام 2019 أكثر من 6 مليار دولار، بزيادة قدرها 18% عن 2018، وبزيادة قدرها 300% عن 2005، و600% عن 2002، إذ كان يبلغ قرابة 1.39 مليار دولار، ومن المتوقع ارتفاع الرقم الإجمالي للتجارة التركية الإسرائيلية، إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات القليلة القادمة، وفق ما نادى به رئيس جمعية المصدرين الأتراك.
غض طرف عن انتهاك
تعتبر تركيا الوجهة المفضلة للسياح الإسرائيليين، حيث سجلت حركة السياحة الإسرائيلية إلى تركيا رقما قياسيا في 2019، فهناك 12 رحلة جوية يوميا بين أنقرة وتل أبيب، وقبل تفشي كورونا، بلغ عدد السياح الإسرائيليين الذين زاروا تركيا نحو 650 ألفا، مما يشكل ارتفاعا بنسبة أكثر من 25% مقارنة بعام 2018، بينما سجلت الخطوط الجوية التركية زيادة في عدد المسافرين بين مطاري تل أبيب وأتاتورك في إسطنبول بنسبة ١٧.٦٢٪ عن العام السابق.
وفي عامي 2006 و2007 عمل أردوغان على تحديث الشراكات الأمنية والاقتصادية مع إسرائيل وإضافة بنود جديدة إلى الاتفاقية الموقعة بين البلدين منحت معاملة تفضيلية للشريك الإسرائيلي، فيما سعى الطرفان في 2008 إلى تضمين عمليات التبادل التجاري بينهما، في مشروع ضخم أطلق عليه اسم ميد ستريم، وهو خط أنابيب متعدد الأغراض يتمدد من تركيا إلى إسرائيل، يستفيد منه البلدان في إنتاج الكهرباء وتوصيل الغاز الطبيعي والنفط الخام والمياه، وبموجب هذا الاتفاق، تحولت تركيا إلى ممول للحديد والصلب والسيارات والبلاستيك، والملابس والأجهزة الكهربائية والزراعية المتنوعة لإسرائيل.
وعلى الرغم حادث السفينة مرمرة، الذي قتل خلاله 10 نشطاء أتراك قرابة سواحل غزة على أيدي الكوماندوز الإسرائيلى في مايو 2010، وتوقع العالم ردا مزلزلا من تركيا، تثأر فيه لمواطنيها، إلا أن شيئا من هذا لم يحدث، وظلت العلاقات بين البلدين على حالها لتحقيق مصالح أردوغان الشخصية.
اتفاق جديد وعلاقات قديمة
كشفت وسائل إعلام عبرية عن اتفاق أمني إسرائيلي – تركي جديد في شهر مايو الماضي، بشأن تصاريح الشحن لطائرات شركة “العال” الإسرائيلية، مؤكدة أن أول طائرة من أسطولها هبطت في مطار إسطنبول التركي. وأكد القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في أنقرة، روي جلعاد، أن “تلك الخطوة ستساعد على وصول التجارة بين الطرفين إلى مستويات قياسية من خلال رحلات الطيران المتبادلة”، ما يؤكد اتفاق الطرفين على الإضرار بمصالح العرب أمنيا، في ظل تكتم أنقرة على الاتفاق، فيما كشف خبراء أن علاقات أردوغان بالإسرائيليين ليست جديدة، وإنما بدأت منذ توليه منصب رئاسة بلدية إسطنبول، موضحين أن “استضافة تركيا لقيادات حماس يأتي بشروط واضحة تمنعهم من أي عمل ضد إسرائيل من الأراضي التركية”.
الغاز والنفط
ويمثل الغاز الذي استخرجته إسرائيل أخيرا من البحر المتوسط عاملا إضافيا في تقوية العلاقات التركية – الإسرائيلية، إذ تعمل تركيا كوسيط في عمليات بيع مشبوهة لنفط إقليم كردستان العراق إلى إسرائيل وتحصل على عمولة، في حين تعتبر الحكومة المركزية في بغداد هذه العمليات غير قانونية وتندرج تحت إطار ممارسات التهريب، خاصة وأن إسرائيل تحتل المرتبة الأولى في استيراد النفط الخام من أراضي إقليم كردستان العراق.
شريك في القتل
ولم يقتصر الأمر على الصفقات المشبوهة، إنما تبين أن نفط شمال العراق، الذي يباع إلى إسرائيل عبر تركيا، استخدم كوقود للطائرات الإسرائيلية التي تقصف قطاع غزة، خلال جولات التصعيد العديدة بين الاحتلال والفصائل الفلسطينية، مما يجعل أردوغان شريكًا في قتل الفلسطينيين، الذين يذرف عليهم دموع التماسيح.
وخلال إحدى استهدافات الاحتلال لفصائل في غزة، كانت المفاجأة، أن حكومة أردوغان في هذا الوقت بالتحديد، كانت تؤمن للجيش الإسرائيلي حصصه الغذائية من مختلف المؤن والأطعمة المعلبة التي يتزود بها الجنود والضباط الإسرائيليون، خلال عمليات القتال في غزة، وهذا ما فضحته وزارة الدفاع الإسرائيلية، بعد أن أزعجتها تصريحات أردوغان العنترية، إذ أكدت في بيان أن المنتجات الغذائية التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي مستوردة من تركيا، وأشارت إلى وجود صفقات مماثلة عقدها أردوغان مع حكومة آرييل شارون الإسرائيلية عام ٢٠٠٢ وتستمر حتى عام ٢٠٢٢.
العلاقات العسكرية تآمرية
وبمجرد تولى حزب العدالة والتنمية الحكم، وقعت تركيا مع إسرائيل عقدا عسكريا بقيمة 999 مليون دولار، بهدف تطوير دبابات تركية ليصل عددها إلى 270 دبابة من طراز إم 90، وفى عام 2005، اشترت تركيا نظم محطات أرضية من شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية بتكلفة 294 مليون دولار، وبموجب هذا الاتفاق، حصلت تركيا على 20 محطات أرضية تضم كل واحدة منها 4 أو3 طائرات بدون طيار.
وفى العام نفسه، زار أردوغان إسرائيل وعقد مع مسؤوليها صفقة عسكرية تصل قيمتها إلى نصف مليار دولار، تنص على تحديث 4 طائرات حربية من طراز إف 4 فانتوم، وفى مارس 2009 أبرمت السلطات العسكرية التركية صفقتين دفاعيتين مع إسرائيل، الصفقة الأولى لبرامج استطلاعية عالية التقنية، والثانية لأغراض التشويش على الرادارات، وفى عام 2008، تواصل التعاون العسكري بين البلدين، فقد تعددت زيارات المسئولين العسكريين المتبادلة سواء على مستوى وزير الدفاع، أم على مستوى القوات الجوية والبحرية، بالتوازي، جرت مناورات عسكرية جوية وبحرية مشتركة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، واستمر التعاون الاستخباراتي بين تركيا وإسرائيل، من أجل التآمر على الدول العربية وزعزعة استقرارها، خاصة وأن تركيا تحتضن أكبر مصانع أسلحة للجيش الإسرائيلي، ووصل التعاون العسكري إلى السماح للطيران العسكري الإسرائيلي بالتحليق في الأجواء التركية، حيث ينص الاتفاق على تبادل الطيارين 8 مرات في السنة؛ ويسمح للطيارين الإسرائيليين بالتحليق فوق الأراضي التركية لتدريب وصقل قدرات الطيارين الإسرائيليين، ليصوبوا على رؤوس الفلسطينيين بدقة.
والتعاون العسكري بين تركيا وإسرائيل، لم يقف عند هذا الحد، بل امتد إلى استعانة أردوغان بالطائرات المسيرة الإسرائيلية خلال تدعيمه ميليشيات فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبية، إذ أسقطت قوات الجيش الوطني الليبي طائرتين مسيرتين من صناعة إسرائيلية، طراز «أوربيتر- ٣».
أتراك في الجيش الإسرائيلي
وكشفت الصحافة التركية إحدى المسائل المسكوت عنها في خطابات أردوغان، إذ أكد المتحدث الإعلامي باسم اتحاد حاملي الجنسية التركية في إسرائيل، رفائيل سعدي، أن هناك عددًا كبيرًا من المواطنين الأتراك يخدمون داخل الجيش الإسرائيلي، وذلك بسبب توريط أردوغان جيش بلاده في حروب ونزاعات لا طائل من وراءها، وحملات القمع والتنكيل لكل منتقديه.
إسرائيل بدورها لم تعارض التدخل التركي شمال سوريا، ولم تدعم قبرص في إدانة ما تمارسه أنقرة من أنشطة للتنقيب عن الغاز قبالة سواحلها، ولم تدن التدخل التركي في ليبيا، بل إنّ رئيس البحرية التركية ومهندس سياسة أنقرة تجاه ليبيا، اقترح على أردوغان أن تقوم تركيا بتوسيع الصفقة ذاتها التي أبرمتها مع سلطة السراج في ليبيا إلى إسرائيل، بحيث تسفر عن مثلث اقتصادي عسكري يضم إسرائيل وتركيا وليبيا يسيطر على حقول الغاز وخطوط الملاحة في البحر الأبيض المتوسط.
ومن كل ما سبق يتضح أن لتركيا وإسرائيل مشروعا توسعيا في المنطقة على حساب العرب، وكل منهما يزعم أنه ضد مشروع الآخر، ليتم ترويج هذا المشروع أو ذاك على أتباعه البسطاء وعلى بعض النظم السياسية وعلى بعض التنظيمات.
والحقيقة أن هناك تناغمًا مفضوحًا بين المشروعين التركي والإسرائيلي، فكلما تقدم المشروع التركي العثماني خطوة على الأرض العربية وقضم الأرض السورية والليبية، قضم المشروع الإسرائيلي الصهيوني الأرض الفلسطينية واعتدى على غيرها.
وهكذا، تستمر علاقات التعاون والشراكة التركية الإسرائيلية في المجالات كافة، بينما تبقى التنديدات والتوترات الدبلوماسية مجرد مسرحيات لنصوص هابطة وزائفة، بطلها ممثل بهلوان سئم الجمهور أدواره المكررة.