رغم تقصيري إضافة الى ما كان يعانيه من ألم وإنهاك جسدي كاد ان يلتقيني ذات مساء على باب منزله عندما هاتفته قبل ان أوشك على الوصول الى بيته العامر في حي الشاطئ مستأذنا بزيارته.
كان الدكتور عبدالعزيز النهاري مفرطا بالترحيب كما عهدته ولعل منبع هذا رغبة جامحة بتبديد حرج الزائر او انها محاولة لبث الشعور بالسيطرة على الوجع فيما ظل صدى صوته منكسرا مترددا بين جنبات الجدران برغم عدم مثولي بين يديه في تلك اللحظة تحديدا.
وفيما كنت اتتبع الصوت الخافت المتعب صاعدا سلالم منزله لألتقيه بصالة جلوسه بالطابق الثاني تكفيرا عن تقصيري في اعقاب عودته من رحلة علاجية خارج المملكة بل قبل توسلي بأن يظل على اريكته حتى وصولي لمعاودته نهض متثاقلا مكتنزا تفاؤلا مفعما بالمعنويات العالية رغم ما كان يكابد من مرض عضال.
لم يكن الدكتور عبدالعزيز النهاري زميلا وصديقا نبيلا فحسب بل كان رجلا انيقا مظهرا ومخبرا لا يستهويه سوى الوضوح ولا تعرف البغضاء طريقا الى قلبه المفعم بالإنسانية الفائض بالمحبة والزاخر بكل معاني الأخوة لمن يعرف ومن لا يعرف.
ولأن الناس شهود الله في ارضه فقد ترك ارثا رائعا ملموسا في معظم من زامله على المستوى الخلقي والمهني اذ يملك “رحمه الله” اخلاقيات عالية خالية من الكراهية إضافة الى ما حباه الله من قدرة على التأثير بحكم البساطة وصدق المقصد وسهولة التعامل.
عرفته رئيسا لتحرير البلاد الصحيفة قبل ان ينتقل الى الزميلة عكاظ رئيسا لتحريرها بالتكليف وبين هذا وذاك مسئولا إعلاميا في قنوات تلفزيونية وواحدا من اهم رجال العلاقات العامة ابان توليه مسئولية قسم علاقات امانة جدة إضافة الى شرف الاستاذية الجامعية.
كنا في عكاظ وكانت البلاد تشكل هاجسا بمخرجاتها المتميزة ابان ترأس أبو محمد لتحريرها كما كانت تفعل قبل وبعد تحت رئاسة زملاء وأساتذة افاضل من بينهم الزميل قينان الغامدي والزميل علي الحسون وتلك كفاءات من الوزن الثقيل مهنيا وخلقيا.
لقد فقدت كما فقد غيري من محبي الدكتور عبدالعزيز حرقة السؤال وصدق النوايا وتواصل المحب الانيق صاحب الرأي الصائب بعد ان نزل النبأ كالصاعقة فأطفأه الايمان الراسخ بأن تلك مسيرة حتمية وأن الخلود لصاحب الامر والنهي مدبر الكون الرحمن الرحيم جل جلاله. وسأظل افتقد صدى عباراته المتكررة عندما كلفت برئاسة تحرير البلاد ” اعانك الله لا تلتفت لأعداء النجاح ” وسأبقى معتزا برأيه المعلن كمهني مؤثر صادق مخلص للمهنة.
عزائي لجميع زملائي في الحقل الإعلامي موصول بعزاء خاص لابن الفقيد محمد واخواته وكافة افراد اسرته الكريمة ولن انسى زملائي في البلاد الذين استقبلوا الخبر بحزن خيم على صالة التحرير مجسدا طيب المعشر فلن يبقى منا جميعا سوى ما نترك خلفنا من سيرة واذكار طيبة.