جدة ـ رانيا الوجيه
يخوض الممارسون والأطباء، على حد سواء ودون استثناء، في المستشفيات والقطاعات الطبية والصحية في المملكة ، حربا شرسة وحالة استنفار غير مسبوقة في تاريخ البشرية للتصدي لجائحة كورونا التي باغتت العالم على حين غرة. ويبذل هؤلاء جهودا مضنية في علاج المصابين والمخالطين إلى جانب المرضى من خارج دائرة الفيروس الذين تتطلب حالاتهم الرعاية الصحية الفائقة، ومع قرب عيد الفطر المبارك العيد، تقف جائحة كوروناعقبة أمام سيناريوهات الإحتفالات التقليدية والإجتماعية، وأصبح هاجس الكثير من الأسر التي يعمل أبناؤها أو من يعولهم في مكافحة كورونا يتمثل في الخوف والقلق من انتقال العدوى التي هي الأكثر والأسرع انتشارا بالإضافة إلى تحول حياتهم الطبيعية إلى سلسلة من القلق والخوف .
البداية مع دكتور محمد ساجر أخصائي جراحة عامة الذي يوضح كيف تغيرت حياته اليومية مع جائحة كورونا قائلا: بالتأكيد تغيرت حياتنا اليومية، فمع التكليف في فريق كورونا اختلف الدوام وعدد ساعاته، فبدل الدوام اليومي العادي اصبح عملنا ١٢ ساعة يوميا بنظام “شفتات” صباحا ومساء تتخللها بعض أيام راحة، وأصبح أغلب وقتنا فقط في الدوام ولم يعد هناك أي مجال للنظام اليومي الروتيني، وبالتالي نسير وفقا لمعايير وإحتياطات نتخذها قبل الخروج للإختلاط بالمرضى، وهو عبارة عن تخصيص ملابس معينة كاملة فقط للدوام مع مرضى الكورونا.
طرق السلامة
واضاف الدكتور ساجر قبيل عودتي ودخولي للمنزل ، يجب أن أغسل يدي كاملة إلى المرفقين جيدا ، والتعقيم قبل الخروج من المستشفى ، وعدم ادخال البالطو الابيض والحذاء ( اكرمكم الله ) لداخل المنزل ، أيضا يتم غسل الملابس فورا بالمعقمات ، والاستحمام بالصابون المعقم قبل أي شيء.
ومن جانب آخر تغير نظام حياتنا كأطباء من الجانب الإنساني كأسرة خوفًا وقلقا من الإصابة فمنذ بداية الجائحة وأنا أعيش منعزلا لوحدي تماما بعيدا عن الوالدين والزوجة والأبناء خوفا عليهم، وللأسف فمع البعد الجسدي وأيضا الانشغال في أوقات الدوام الطويلة لم نعد نستطيع التواصل مع اهلنا او اولادنا إلا دقائق معدودة عن طريق المكالمات او الاتصال المرئي ، حتى ابنتي للأسف أصبحت غضبانة مني لبعدي عنها وبعض الأحيان ترفض التحدث معي على الهاتف، و للأسف هذه الأوضاع قد أثرت سلبا على نفسيات أبنائي حيث أن طفلي الصغير ذو السنتين ونصف أصبح يتحدث أثناء نومه وينادي ” بابا باي بابا تعال “، وأيضا عندما يكون مستيقظا يذهب الى النافذة ويحاول ان ينادي علي وإبنتي ذات الخمسة أعوام أصبحت تخاف من الكورونا رغم عدم فهمها عن ماهي وتتوقع انه كالوحش خارج المنزل وانا احاربه، أما بالنسبة للزوجة والوالدين الحمدلله أنهم متفهمون الوضع ويساندوني بكل الطرق الممكنة وإن كانت الآثار السلبية واضحة من الناحية النفسية ومن هنا احيي جميع ابطال الصحة في المملكة فهم صمان الامان ضد هذه الجائحة.
تضاعف القلق
وتقول دكتوره علياء طلال سروجي إستشارية نساء وولادة: أن حياتها اليومية الطبيعية اختلفت 180 درجة في فترة الجائحة ، وأصبح الخوف على العائلة وبالأخص الوالدين مضاعفا جدا وتقول: لدي ابنتنان توأم ويبلغا سنة من عمرهما ، كما أعيش مع والدي في نفس المنزل، ولا أستطيع في نفس الوقت عزل نفسي تمام عن طفلتي بسبب صغر سنهما، وأحاول على قدر المستطاع أن أتخذ جميع الإحتياطات، كما اختلفت حياتي أصبحت في إطار العزلة نوعا ما حيث والدي كبيران في السن ويعانيان من مرض السكر والضغط وهما معرضان أيضا لخطر الإصابة، بسبب اختلاطنا بمرضى كورونا وهو مرض كما هو معروف سريع الانتشار والعدوى، وقد حصلنا على دورة تدريبية من مكافحة العدوى تدربنا على البروتوكول الوقائي في حمايتنا من انتقال العدوى لنا ككادر طبي من خلال ارتداء زي معين طوال وقت الدوام أيضا يتم تغيير الأحذية والزي بين الدخول عند كل مريض ومريض آخر، مع الإلتزام بإرتداء الكمامات الطبية والقفازات.
التأثير السلبي
كما يعلق دكتور يوسف الجراري أخصائي أول باطنة قائلا: بكل تأكيد تغيرت حياتنا بشكل كبير وطبيعة الحياة اليومية العادية تغيرت جدا ، كما أن لقاءنا بأهالينا أصبح محدودا جدا، وفي بداية الجائحة كنت أقيم في سكن المستشفى لفترة ما لأنني من الأطباء المخالطين لمرضى كورونا بشكل مباشر وكان هناك اشتباه بانتقال العدوى لي ولكن بعد سحب العينة تأكدت من سلامة النتيجة، وبعد فترة انتقلت إلى بيتي ولكن بشكل معزول تماما. وما حدث معي على الصعيد الشخصي من تغيرات إنسانية ونفسية من حيث وضع التواصل مع أبي وأمي وزوجتي وأبنائي قل كثيرا ، ولم يعد هناك أي تجمعات عائلية ، كما أن طبيعة دخولي للمنزل أصبح يرافقها بروتوكولات وقواعد أساسية ويتم ذلك بوضع جميع أغراضي خارج المنزل وأبدل ملابسي التي كنت أرتديها أثناء الدوام ووضعها بكيس بلاستيك ورشها بالمعقمات لغسلها بمفردها دون الاختلاط بملابس أخرى ومن ثم الاستحمام الكامل ، كما توقفت عن شراء أي طلبات للمنزل نهائيا حرصا على ألا أنقل العدوى لعائلتي ، كما أن هذه الأوضاع ومانعيشه اليوم في مواجهة الجائحة قد أثرت سلبا على نفسياتنا كأطباء وأيضا على الوالدين كونهم كبارا في السن فهم حساسون وعاطفيون أكثر من أي شخص آخر نحرص على صحتهم وعدم زيارتهم مما يولد بعض الحزن والزعل تجاهنا، فقد مرت على هذه الجائحة أكثر من شهرين لم أر فيها والدي سوى مرتين فقط.
طرق وقائية
وتروي وسن حسن مصري ممرضة تجربتها في مستشفى الأمير محمد بن ناصر موضحة: رغم أن العمل في مجال التمريض يعتبر عملا مرهقا وله ساعات عمل طويلة وفيه احيانا ابتعاد عن المنزل إلا أنه منذ بداية أزمة الجائحة “كورونا” زاد الضغط أكثر وأصبح الإبتعاد عن البيت والأهل بالأيام والأسابيع وبالتالي تغيرت حياتي اليومية بشكل ملحوظ ، واختلفت كثيرا ، حيث كنت في بداية الأمر أداوم في المستشفى ومن ثم أعود إلى منزل عائلتي مع والدتي وأخوتي باتباع كل الطرق الوقائية فقد خصصت اول غرفة المجاورة لمدخل البيت لأبدل بها ملابسي التي كنت أرتديها أثناء الدوام ووضعها بكيس بلاستيك ورشها بالمعقمات ومن ثم الإستحمام جيدا ، ومع ازدياد عدد المرضى والتخالط معهم بشكل مباشر وهو مرض سريع العدوى، فقد وفرت وزارة الصحة سكنا للكوادر الطبية من أطباء وممرضين عبارة عن فنادق تم إستئجارها بالكامل لصالح الوزارة ومنسوبيها، وهو قريب من المستشفيات ويخصص هذا السكن للكوادر الطبية التي تختلط مباشرة مع مرضى الفيروس خوفا من نقل العدوى إلى عوائلهم حين عودتهم من المستشفى، والان منذ شهر قررت الإقامة في الفندق خوفا على عائلتي ، فكل شيء تغير رمضان لم أقضه مع أسرتي كما عهدنا كل عام وأيضا يأتي العيد وأنا بعيدة عنهم، وذلك لم يخلق جفافا عاطفي بقدر ما يولد مشاعر الحزن والشعور بالوحدة واقتصار التواصل مع والدتي بالإطمنان عليها عن طريق مكالمة تليفونية أو المكالمات المرئية وبالتالي أصبحت أعتمد كل يوم على خروجي من المنزل بدعوة من والدتي وتستودعني الله ليحفظني من أي مكروه.
مراقبة الحالات على مدار الساعة
من المؤكد أن الممارسين الصحيين يتعرضون للضغط النفسي والبدني، خاصة مع ما تتطلبه أوضاع تفشي الفيروس من بقائهم باستمرار ولساعات طويلة، بلا كلل ولا ملل لمراقبة المصابين وتطور حالتهم على مدار الساعة.