لقد ارتبطت العلاقات الدولية اتجاهًا ومضمونًا بمفاهيم ومعطيات مراحل تاريخية لا يمكن عزلها عن بعضها، إلا أنها لم تتبلور كعلم في مجال المعرفة إلا في الربع الأول من القرن العشرين، وكان معظم روادها من الباحثين الغربيين الذين رأوا أن هذا العلم ليس إلا ثمرة من ثمار حضارتهم، وأن المجتمعات الأخرى لم يكن لها إسهامات فعالة فـي نشأة وتطوير مناهجه ونظرياته، وأن معاهدة (وستفاليا) عام 1648م كانت بداية انطلاقته، على اعتبار أن تلك المعاهدة قد أسهمت في حل الصراعات والمنازعات التي كانت قائمة فـي البيت الأوروبي في الفترة من 1618 إلى 1648م.
– صحيح أن هذه المعاهدة قد أسست مفاهيم، وأكدت أهمية الالتزام بتنفـيذ المعاهدات، واحترام الدول، بيد أن مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، من حيث مسار تطور علم العلاقات الدولية، كانت جوهرية، إذ بدأت مراحل تطورها التاريخي من دراسة التاريخ الدبلوماسي، ثم دراسة الأحداث الجارية، ودراسة القانون الدولي والمنظمات الدولية، ودراسة السياسة الدولية، وكانت المدرسة السلوكية والواقعية قفزة في أهميتها، وما كتابات هانس مورقنثو، وريمون أرون، وجورج كينان، وجيمس روزنو وهنري كيسنجر، وغيرهم إلا روافد أثرت علم العلاقات الدولية، في منهجيته نحو التعمق في تفاعلات الوحدات السياسية وعلاقاتها بعضها مع بعض في النظام العالمي.
وعلى الرغم من كل هذا التطوير في علم العلاقات العامة، إلا أنها تركزت دراساتها حول توازن القوة، والمصلحة الوطنية، والأحلاف؛ حتى إن كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية السابق قال: “إن هناك زواجًا بين القوة المسلحة والدبلوماسية، وليس بينهما طلاق” وهناك جوانب أهملت في تلك الأثناء مثل: الأمن الإنساني، ومهددات الأمن الداخلي للدول، والفقر العالميّ، ومهددات البيئة، وموضوعات النزاعات الإقليمية، والتوترات الجيو سياسية، وأزمة المُناخ، وانعدام الثقة عالميًا، وتحديات التأثيرات السالبة للتقدم، وضعف دور الهيئات والمنظمات الدولية؛ فضلًا عن الطابع المتغيّر للجهات المشاركة في صنع القرار الدولي وجشع بعض الدول والسطو والابتزاز، والاحتلال والتوسع، وبروز القوميات المتطرفة.
وعلى الرغم من كل تلك الإسهامات العلمية والمآخذ، فإنه يؤخذ على العلماء الغربيين ومن سار في ركابهم، تجاهلهم أن الإسلام لم يكن سبّاقا، في حين أن له الأسبقية منذ ما يزيد على 14 قرنًا؛ إذ تصدى مع بزوغ فجره، لأحوال سياسية واقتصادية واجتماعية بالغة التعقيد والتردي، ونجح في التعامل معها، فعقد الرسول صلى الله عليه وسلم المعاهدات، وراسل الملوك، وبعث الوفود، وتحالف مع القبائل، وأقام العلاقات الخارجية؛ ودعا إلى السلام، والتسامح، والأمن، والعدل، واحترام كرامة الإنسان، وتنظيم شؤون الناس، والحد من المنازعات، وكان ذلك وفق تصور إسلاميّ مستمدٌّ من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”(الحجرات الآية 13) وقال تعالى: “ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين” (البقرة، الآية190)،
وقال :”لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فـي الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”(الممتحنة، الآية8) وقال: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ..”.(الإسراء : الآية 70 ) “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” (البقرة، الآية 256) كما أن الإسلام له هديه وتوجيهاته في تقرير مواجهة الجوائح والأوبئة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها”. وقال: «لا يورد ممرض على مصح» وقد شددت هيئة كبار العلماء في المملكة على الأهمية القصوى في التقيد بالتعليمات والتوجيهات التي تصدرها الجهات المختصة لمواجهة جائحة كورونا، والحد من آثارها، وبينوا أن الإجراءات الاحترازية لمواجهة هذا الوباء قضية أمن قومي، تنطلق من مقاصد شرعية؛ وأن الالتزام بتعليمات وزارة الصحة واجب شرعي يثاب فاعله، ويعاقب تاركه.
*وكيل جامعة نايف العربية للشؤون الاكاديمية سابقا