تظل القريحة الأدبية في رمضان خصبة حافلة عبر تاريخنا الأدبي العريق بشقيه النثري والشعري ، فالمائدة الأدبية الرمضانية عامرة بأصناف التراكيب التي ترتقي بالذائقة ، والتي تدفع بالأعين إعجاباً ، وبالألسن إطراء وترديداً، من ابتهالات دينية ، وطرائق عبادية ، هي نموذج أدبي ، تقمصه الشعراء والأدباء في صور لا تخلو من الطرفة وجمال الحرفية والتي تتجلى فيها البلاغة العربية بتراكيب لفظية مباحة الاقتباس ، مساهمة في رقي الذائقة التي تهبط مع الكثير مما يعرض في فضاء قنواتنا العربية، خاصة بعد الإفطار، معدة التلفاز متخمة البرامج بكافة أصنافها والتي تعاني من هبوط حاد في إيجاد الفكرة ، واستخلاق البسمة والضحكات ،
حوارات مستهلكة ، ونمطية متكررة ، فارعة الإنتاج ، فارغة المحتوى مبعثها قرحة أدبية من الأغلب إلا من رحمنا الله بعدم ظهوره هذا العام ، بعود على بدء قد حفل الأدب العربي الحديث بكثير من صور الإبداع برمضانيات رائعة فهذا هو أمير الشعراء أحمد شوقي يتحدث عن رمضان بأسلوب بلاغي يقول :- “الصوم حرمان مشروع وتأديب بالجوع وخشوع لله وخضوع, لكل فريضة حكمة وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة يستثير الشفقة ويحض على الصدقة, يكسر الكبر ويعلم الصبر ويسنّ خلاله البر, حتى إذا جاع من ألف الشبع وحرم المترف أسباب المنع عرف الحرمان كيف يقع وكيف ألمه إذا لذع”.
ربما نجد عذراً لإعلامنا العربي يا أمير الشعراء أن البرامج تنفذ في أشهر هم فيها مفطرون ، وهذا هو معروف الرصافي يبدع في صورة شعرية كأنه معنا اليوم بقوله:-
ولو أني استطعت صيام دهري
لصمت فكان ديدني الصيام
ولكن لا أصوم صيام قوم
تكاثر في فطورهم الطعام
جمالية رائدة في العرض كوصف حالة وظاهرة اجتماعية تعانيها المجتمعات العربية، ولم تعالجها حواراتنا الهائلة المنثلة عبر قنواتنا العربية كافة ، وكأن شهر رمضان موسم الصيد الوفير للمتابع العربي فيزاحم في ذائقته كما تزاحم الأطباق طاولته ، يحتاج أرباب إعلامنا إلى نظرة تقصي ومراجعة يهذب فيها المحتوى ، ويقنن فيه المعروض ، ويختار فيها الأجدر ليصافح ذائقة العربي ، حتى لا يُرى من الجنون ميزة ، ومن السخافة ثقافة ، ومن البلاهة بلاغة ،ومن الغباء غِناء يستعذب نغم قائله.