أوصت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية عموم المسلمين بالاستعداد لشهر رمضان المبارك بالرجوع إلى الله تعالى ومحاسبة النفس والعزم على الطاعة، داعية الله تعالى أن يبلغ الجميع صيامه وقيامه، وأن يعين على ذكره وشكره وحسن عبادته.
جاء ذلك في بيان صادر بقرب حلول شهر رمضان فيما يلي نصه:
إن هذا الموسم الكريم؛ موسم عظيم يستبشر المسلمون بقدومه، لما فيه من الخيرات والبركات والنفحات، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( كل عمل ابن آدم له؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي . للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ).
فأجر الصيام في نفسه مضاعف بالنسبة إلى سائر الأعمال، وصيام شهر رمضان مضاعف على سائر الصيام؛ لشرف زمانه، وكونه هو الصوم الذي فرضه الله على عباده، وجعل صيامه أحد أركان الإسلام التي بني عليها.
وليعلم المسلم بأنه لا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك الشهوات المباحة في غير حالة الصيام كالأكل والشرب إلا بعد التقرب إلى الله تعالى بترك ما حرمه في كل حال من الكذب والغش والسرقة وغير ذلك من المحرمات. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من لم يدع قول الزور والعمل به، والجهل، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ) أخرجه البخاري .
وينبغي لمن يرجو العتق من النار في شهر رمضان أن يأتي بالأسباب التي توصل – بإذن الله – إلى ذلك، وهي متيسرة في هذا الشهر الكريم، من إقامة الصلاة فرضها ونفلها، والصيام والصدقة والإحسان وكثرة تلاوة القرآن وذكر الله والاستغفار والتوبة النصوح إلى الله تعالى.
وإنه مع هذا الاستبشار العظيم بقدوم هذا الشهر المبارك، ومع ما يشهده العالم من جائحة كورونا، فينبغي للمسلمين أن يكونوا مثالاً يقتدى في القيام بعباداتهم مع التقيد التام بالإجراءات الوقائية والاحترازية التي توجبها وتوجه بها الجهات المختصة في بلدانهم والبلدان التي يقيمون فيها؛ فإن الشريعة الإسلامية جاءت بالعبادات المتنوعة دون أن يلحق بمؤديها الضرر أو يتسبب بذلك لغيره، ففي الحديث الذي رواه عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ( صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب ) أخرجه البخاري .
والله تعالى شرع صلاة الخوف في كتابه الكريم، وصحت عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، والتي تتغير في هيأتها وصفتها عن الصلاة المعتادة رحمة بعباده ولطفاً بهم، وحفاظاً على حياتهم .
كما رتب الأجر العظيم على الصدقة والإنفاق في طاعة الله شرط ألا يتبع ذلك أذى قولي أو فعلي تجاه المتصدق عليه، قال تعالى: ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم ) .
كل ذلك يبين: أن الإسلام جاء بالمحافظة على النفس الإنسانية ومصالحها الضرورية والحاجية. قال الله تعالى: ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ) وقال سبحانه: ( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ).
وليعلم المسلم أن مبدأ اتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقائية متقرر في الشريعة الإسلامية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فر من المجذوم كما تفر من الأسد ) رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وثبت في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أنه كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: ( ارجع فقد بايعناك ) . وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يوردن ممرض على مصح ) . وقال عليه الصلاة والسلام: ( إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها ، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها ) متفق عليه من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
وبناء على ما تقدم من النصوص الشرعية الدالة على وجوب حفظ النفس، وما دلت عليه من وجوب الاحتراز في حال انتشار الوباء، وما تقرر من قواعد الشريعة الغراء من أنه: “لا ضرر ولا ضرار ” ومن القواعد المتفرعة عنها أن : ” الضرر يدفع قدر الإمكان “، وبناءً على ما ثبت في التقارير الطبية الموثقة المتعلقة بهذه الجائحة التي أوضحت سرعة انتقال العدوى بين الناس بما يهدد أرواحهم، وأكدت على أهمية تقيد الناس بالتدابير الاحترازية والوقائية وبناءً على ما سبق أن صدر عن هيئة كبار العلماء في هذا الموضوع فإن الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء توصي عموم المسلمين بالآتي:
أولاً : وجوب العناية التامة بما تقرره الجهات المختصة في بلدانهم أو البلدان التي يقيمون فيها، والتي تهدف إلى المحافظة على الصحة العامة والحد من انتشار وباء كورونا الجديد.
ثانياً : أن يصلي المسلم الفريضة، والتراويح في بيته إذا أوصت الجهة المختصة في بلده أو البلد التي يقيم فيها بذلك.
ثالثاً : أن يجتنب المسلم التجمعات؛ نظراً لأن التجمع يعتبر السبب الرئيس لانتشار العدوى بحسب التقارير الطبية ذات الصلة، ومن ذلك: الإفطار والسحور الجماعي، وليستحضر المسلم وهو يفطر في بيته ويتسحر أنه بذلك يحافظ على أرواح الناس وفي ذلك قربة عظيمة عند الله تعالى.
رابعاً : ينبغي للمحسنين من المسلمين وهم يحتسبون الأجر في الإنفاق والصدقات، ويخرجون ما افترض الله عليهم من الزكوات؛ أن يحتسبوا أن يكون ذلك ضمن الأطر التي لا تتعارض وتوصيات الجهات المختصة في منع الازدحام والتجمعات وغير ذلك من وسائل انتقال العدوى .
وليكن المسلم في كل ذلك مثالاً للمواطن والمقيم الصالح القدوة؛ الذي تهمه مصلحة البلاد والعباد، وليعلم أنه بذلك متبع لهذا الدين الحنيف الذي هو رحمة للعالمين، ومتقيد بالشريعة الإسلامية التي جاءت بالصالح العام والخاص.
ونسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يدرك هذا الشهر الكريم فيصومه ويقومه إيماناً واحتساباً، وأن نكون ممن يحفظ صيامه، ويغتنم بالطاعات لياليه وأيامه، وأن يرفع عنا وعن العالم أجمع هذا الوباء، وأن يجعل العواقب حميدة إنه ولي ذلك والقادر عليه.