أصدر المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة) تقريره الإستراتيجي لعام 2019، راصدًا أبرز التطوُّرات على الساحة الإيرانيَّة، ومقدِّمًا للقارئ المهتمّ بهذا الشأن رؤية شمولية خلال الفترة محلّ الرصد والتحليل.
ويشتمل التقرير على ثلاثة أقسام رئيسية، يهتمّ الأول بالشأن الداخلي الإيراني، في حين يرصد الثاني تفاعلات إيران مع العالم العربي، ويتناول الثالث الحراك الإيراني على الصعيد الدولي في إطار العلاقات الإيرانية بالدول الكبرى.
في الشأن الداخلي، أظهر الملفّ الأيديولوجي سعيَ النظام الإيراني لتحسين صورته داخليًّا عبر إقالة عددٍ مِن أئمّة الجمعة، الذين تحوم حولهم شبهات استغلال نفوذ وتربُّح ماليّ. وفي الملفّ السياسي، دعا الرئيس حسن روحاني إلى إجراء استفتاء حول علاقة إيران بالغرب مع تهاوي الاتفاق النووي، إذ اعتاد الدعوة لإجراء استفتاء عامّ لتخفيف حدّة الانتقادات الموجَّهة إليه. وفي الملفّ الاقتصادي، اضطرّت الحكومة إلى تعديل الموازنة بعد إقرارها بأربعة أشهر، بسبب تردِّي الأوضاع الاقتصادية وانعكاس قضية الفساد على المستويين الأيديولوجي والسياسي. وفي الملفّ العسكري، حصلت إيران على دعم معنويّ كبير عقب إسقاط الطائرة المسيَّرة الأمريكية وتوقيف ناقلة النفط البريطانية.
وفي الشأن العربي، يبرز ملفّ اليمن من خلال تعقيد الأزمة باختلاف المكوِّنات السياسية، وتشكيل فراغ إستراتيجيّ يعزِّز حضور الحوثيين بدعم إيرانيّ، أدّى إلى تعثُّر عملية السلام الشامل. أمّا العراق فقد تحوَّل عام 2019م إلى ساحة صراع بين الولايات المتحدة وإيران، لكن الشعب العراقي تحرَّك في مظاهرات حاشدة تطالب بالقضاء على المشروع الطائفي والجيوسياسي لإيران في بلادهم. وفي سوريا، واجهت إيران منافسة حادّة مع روسيا على الأراضي السورية، ما دعاها إلى استخدام أدوات اقتصادية وعسكرية لإحداث تغيير ديموغرافيّ لصالح المكوِّن الشيعي، لخلق دولةٍ سوريَّةٍ تابعةٍ لها. وفي لبنان، كشفت الاحتجاجات الشعبية عن حجم الفساد وتردِّي الأوضاع الاقتصادية والسياسية، نتيجة هيمنة إيران على الدولة اللبنانية عبر حزب الله.
وفي الشأن الدولي، كثَّفت الولايات المتحدة من ضغوطها القصوى على إيران، ما تسبَّب في التأثير على الاستقرار الداخلي، بينما راهنت إيران في المقابل على مواصلة التحدِّي بوضع إستراتيجية للتغلُّب على العقوبات وتوحيد الجبهة الداخلية.
وعلى صعيد العلاقات الإيرانية-الروسية، يمكن تسمية عام 2019 بعام الاتفاقات الثنائية بين البلدين، فقد حاولت إيران تعويض تقليص تبادلها التجاري مع أمريكا وأوروبا بتوثيق علاقتها مع روسيا. وبشأن العلاقات الإيرانية-الأوروبية، فعَّلت أوروبا آلية «إنستكس» لتنشيط التبادل التجاري مع إيران، لكن الموقف الأوروبي عمومًا شهد ميلًا أكبر إلى الموقف الأمريكي. وعن علاقات إيران بالصين، تمسَّكت الأخيرة بمواصلة التعاون الاقتصادي وعدم وقف واردات النفط من طهران بشكل كامل، وظهرت مستجدّات في العلاقات تأثَّرت مع تنامي الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة. أمّا الهند، ورغم تنامي علاقاتها مع الولايات المتحدة، فقد رأت ضرورة تنمية علاقاتها مع إيران، لحاجتها إليها في عدّة ملفّات، لخلق توازن إستراتيجيّ مقابل التحالف الصيني-الباكستاني. وفي ما يخصّ العلاقات الإيرانية-التركية، اتّبعت الدولتان سياسة الملفّات المنفصلة، مع تصادمها على الأراضي السورية.
وفي ظلّ هذه الملفّات المتشابكة، يقدِّم التقرير الإستراتيجي جهدًا بحثيًّا في تحليل تفاعلات الشأن الإيراني على مستوياته الثلاثة، داخليًّا وعربيًّا ودوليًّا، ومحاولة لاستشراف مساراتها المستقبلية في عام 2020م.